الاحتجاجات الشعبية في سوريا.. تتجاوز العوامل الاقتصادية


يوماً بعد يوم تتكشف حقيقة أن العامل الاقتصادي لم يعد هو الحامل الفعلي للحراك الشعبي المناهض للنظام، الذي تشهده مناطق الجنوب السوري حالياً، بل أصبح من الصعب معالجته اقتصادياً، بعدما قطع المحتجون الحبل السري مع سلطة النظام وانتقلوا إلى مستوى آخر من المطالب السياسية، التي تدعو لتطبيق القرار الدولي 2254، وما يعنيه صراحة بأن المطلب أصبح رحيل بشار الأسد عن الحكم وتسليم السلطة لهيئة حكم انتقالية.

النظام بدوره، لا يزال يتعامل مع هذه الاحتجاجات بأنها ذات دوافع معيشية، وبظنه أنه إذا أصدر عدة قرارات تحسن من الوضع الاقتصادي، فإنه سوف يسحب البساط من تحت أقدام المحتجين، ويجبرهم على العودة إلى بيوتهم.. لذلك من يراقب سلوك النظام عن كثب، يجد أن هناك مستويين يعمل عليهما، الأول، هو التهديد بالقتل وارتكاب المجازر، مع تخوين المحتجين ووصفهم بالعملاء والمرتزقة وبأنهم ينفذون مخططات غربية لتقسيم البلاد، والمستوى الثاني، هو محاولة السيطرة على الوضع الاقتصادي وتخفيض الأسعار، مع رفع قيمة الليرة السورية.

لكن على أرض الواقع، فإن الناس تجاوزت كل هذا الكلام بمسافات طويلة، وصار هناك ما يشبه الوعي، حتى داخل حاضنة النظام الشعبية والطائفية، بأن بشار الأسد باع البلد لإيران، وأن الموقف اليوم لم يعد له علاقة بمدى الصلة بهذا النظام والامتيازات التي يمكن أن تحصل عليها، وإنما بالوطنية السورية.. فإما أن تكون سورياً أو لا تكون..

من هذا المنطلق، من يتابع ما بدأ يكتبه مثقفو الطائفة العلوية، سوف يجد موقفاً مختلفاً عن المطالب الشعبية داخل المنطقة الساحلية، المغلفة بالشكوى من ارتفاع الأسعار والغلاء، بالتحديد سوف يكتشف أن الوطنية السورية هي أصبحت المحرك لدى الكثير من متعلمي ومثقفي هذه الطائفة، بعدما استشعروا أنهم اليوم لا يتبعون لسلطة بشار الأسد ونظامه، وإنما لإيران وحزب الله وباقي الميلشيات الشيعية..

من الصعب أن نوجز في هذا المقال، طبيعة الخلاف التاريخي والعقدي بين الشيعة الجعفرية الإثني عشرية، وبين الطائفة العلوية، والصراع بينهما، والذي انتهي بتكفير الأولى للثانية، لكن من المهم القول، أن أبناء الطائفة العلوية لن يقبلوا بوجود إيران، ممثلةً بالمذهب الشيعي، مهما كلفهم الأمر.. ولعل الكثير منا لا يزال لديه أصدقاء من الساحل السوري، فليحاول أن يسألهم عن موقفهم من هذا الأمر، وليستمع لردودهم وموقفهم الحازم الرافض لأن تكون إيران هي المسيطر النهائي على البلد.

إذاً نحن اليوم أمام مرحلة مفصلية وحاسمة في الحدث السوري، من حيث الإحساس بأن التغيير قادم لا محالة، وهو بات أقرب من أي وقت مضى، بسبب أن السكين التي طعن بها النظام ثورة 2011، وصل نصلها اليوم إلى حاضنته وإلى من وقفوا على الحياد.. لذلك كانت الناس تتحين الفرصة للصراخ بصوت عالي، وتبحث عن الذريعة التي وجدتها في قرارات رفع أسعار المحروقات الأخيرة، فاستخدمتها كشرارة لإطلاق موجة من الاحتجاجات، بينما لم تعد هي الجوهر الذي استمروا بالحراك لأجله.

من المهم أن يعي النظام، أن الأساليب الدنيئة التي يتبعها في تجييش الشارع في السويداء وطعنه في وطنيته، واتهامه بالعمالة والتآمر على البلاد، سوف يكون لها مفاعيل كبيرة على مستقبل سوريا، أقلها زيادة الفرقة بين أبناء الشعب السوري، ودفع البعض بالفعل لطلب الطلاق النهائي عن البلد، ما دام هذا النظام هو من يحكمها..

لهذا، الأمر اليوم كله في عهدة مثقفي الطائفة العلوية، وضرورة أن ينشروا بين مجتمعهم فكرة أن ما يقوم به بشار الأسد ونظامه، لا يصب في صالحهم ولا في صالح البلد، وإنما الجميع سوف يكون معروضاً للبيع، كلما زاد الاقتراب من كرسي الحكم.

ترك تعليق

التعليق