زمن مكافحة الفساد بعد فوات الأوان


يحاول النظام السوري الإيحاء بأن معركة مكافحة الفساد قد بدأت بالفعل، من خلال بث أخبار يومية تتحدث عن مراجعات لكافة القطاعات الاقتصادية الحكومية، عبر الأجهزة الرقابية، والكشف عن تلاعبات وقضايا فساد تعود لسنوات سابقة، وتبلغ قيمتها مئات مليارات الليرات.

وعلى صعيد آخر، تتحدث الأنباء عن أن النظام السوري يقوم بهذه الإيحاءات تجاوباً مع المبادرة العربية، وبعيد انطلاق الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء والمستمرة منذ نحو شهر، إذ أنه قام بإزالة عدد كبير من الحواجز العسكرية، على كافة الطرق الرئيسية بين المحافظات وفي داخل المدن وبين الأرياف، والتي كانت تتقاضى إتاوات ورسوم على تنقل البضائع داخلياً، وعلى رأسها حواجز الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، الأكثر شراسة والأكثر جشعاً في هذا المجال.

الحديث عن إزالة الحواجز تبعه حديث آخر عن كشف قضايا فساد في توزيع المشتقات النفطية في حلب ودمشق واللاذقية، وإقالة مدراء المحروقات في تلك المحافظات، ثم الكشف عن فساد آخر في الجمارك والحدود البرية، وبالذات مع الأردن، بحسب ما نشرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، والتي أشارت إلى أن الفساد في عمليات التخليص الجمركي، يعود إلى سنوات طويلة، إلى ما قبل العام 2011، وتبلغ قيمة مخالفاته مليارات الليرات السورية.

ولا يتوقف الأمر عند تداول مثل هذه القضايا الكبيرة، بل سوف نجد في وسائل إعلام النظام، أخباراً تتحدث عن إلقاء القبض على بولمان يتاجر بمخصصاته من المحروقات، أو موظف تقاضى رشوة مقابل تمرير خدمات لبعض المتنفذين، ثم يتم تسليط الضوء عليها، وعلى مبدأ أن النظام قرر أن يضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه، ممارسة الفساد بعد الآن، مهما كبر منصبه أو حتى كان مواطناً عادياً.

في الواقع، من يقرأ هذه الأخبار على وسائل الواصل الاجتماعي، سوف يلفت انتباهه قلة التفاعل معها من قبل المعلقين، والإشادة بها، بل سوف يجد أن هناك تشكيك واسع بنية النظام مكافحة الفساد، وبأن ذلك لا يتعدى الحركات الاستعراضية، تفادياً لحدث قادم، في إشارة إلى مظاهرات السويداء، والتي تنذر بقلب المشهد السوري رأساً على عقب.

إضافة إلى ذلك، فقد رسخ في ذهن الإنسان السوري، أن هذا النظام هو القائد الفعلي والحقيقي والموجه لكل عمليات الفساد في البلد، وبالتالي لا يمكن لفاسد أن يحارب الفساد.

يرى بعض المراقبين، أن ما يقوم به النظام، قد فات أوانه، بعدما تحولت الاحتجاجات الشعبية، من مطلبية معاشية، إلى سياسية تدعو للتغيير السياسي الكامل في البلد، وهو ما يشير إلى أنه لا حل في سوريا سوى الحل السياسي القائم على تطبيق القرار الدولي 2254، الذي يمهد الطريق لانتقال سياسي سلس في سوريا.

يذكرنا سلوك النظام في تعامله مع المستجدات على الساحة الشعبية، والمتمثلة بمظاهرات السويداء، بسلوكه في بداية الثورة السورية في العام 2011، عندما قام بزيادة الرواتب وتغيير الحكومة والحديث عن إصلاح اقتصادي واسع، بينما كانت الاحتجاجات قد تجاوزت هذه المحطة بكثير، بعدما سال دم غزير في شوارع المدن السورية.

مشكلة النظام أنه يأتي دائماً متأخراً، أو هو بالتحديد لا يملك حساسية الزمن واللحظة وحرارتها، ويتعامل مع البلد بعقلية "الدوكمة"، وبأسلوب حبة الدواء ذاتها التي تصلح لعلاج كل الأمراض. وربما كان ذلك هو مقتله وسبب فشله في معالجة أسباب الثورة السورية لدى انطلاقتها في العام 2011.

ترك تعليق

التعليق