هوامش على واقع البؤس السوري


ليس بمستغرب على شخص مثل بشار الأسد، أن يذهب بزيارة إلى الصين برفقة عائلته لحضور دورة ألعاب رياضية، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من شبح الفقر والتسول، ناهيك عن الاضطرابات السياسية التي تعصف بها، والتي تنذر بتسلل أكبر للمشاريع الغربية إلى الأرض السورية.

هذا الرئيس عودنا منذ البداية بأنه منفصل عن الواقع ويعيش في قوقعة ولا يريد أن يصدق بأن هذا الشعب الذي تسلمه من والده عبارة عن "قطيع من الأغنام"، قد ثار عليه وها هو يشتمه ويرفضه ليل نهار.

كثيرة هي الهزائم التي مني بها بشار الأسد منذ توليه السلطة، والتي تؤكد عدم أهليته لأن يحكم بلداً بحجم سوريا، بدءاً من حرب الإطاحة بصدام حسين في العام 2003، وانتهاء بأحداث الثورة السورية، ومروراً باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، في العام 2005، وما تلاها من أحداث انتهت بشتمه للزعماء العرب ووصفهم بأنصاف الرجال.. ففي كل هذه المناسبات أثبت أنه رئيس يحكم وفق أهوائه ولا يفكر بمصلحة بلده وشعبه.

على جانب آخر، يعتبر الواقع السوري اليوم انعكاساً حقيقياً أو نتيجة طبيعية لسلوك هذا الرئيس. فلو لم تقم الثورة السورية عليه في العام 2011، لما اختلفت الأوضاع كثيراً عما هي عليه الآن.. من حيث أن البلد كانت ماضية إلى حتفها بفعل السياسات الاقتصادية التي انتهجها والتي كانت سوف تؤدي إلى نفس النتائج التي نراها اليوم، من ناحية الفقر والبؤس الذي يعاني منه الشعب السوري.

قد يتساءل البعض، بأن الأمور، وبالذات على الجانب الاقتصادي والمعيشي، لم تكن تشي بما تقوله في العرض السابق، بل إن الناس كانت قادرة على تأمين احتياجاتها المعيشية وإن بصعوبة، والأهم أنها كانت تشعر بالأمان في بيوتها وفي كافة أرجاء البلد.

هنا لا بد أن نميز بين الأمان والاستقرار.. فالأول بالفعل كان موجوداً، أما الثاني فقد كان مفقوداً، خصوصاً بعد العام 2008. إذ أنه من كان قريباً من دائرة القرار الاقتصادي والحكومي، كان على إطلاع بأن هذا الرئيس يريد أن يأخذ البلد إلى قاع ليس له قرار، من خلال تمكين حفنة من رجال الأعمال، وعلى رأسهم ابن خاله رامي مخلوف، من كل مقدرات البلد الاقتصادية والمعيشية.. لقد وصل بشار الأسد بعد هذا التاريخ إلى مرحلة أنه لم يعد يرى الشعب السوري إلا بوصفهم "قطيعاً" ورثه عن والده.. فأوجد ما سمي بالموافقة الأمنية لعمليات البيع والشراء في المناطق الحدودية، بحيث أصبح السوري لا يستطيع أن يبيع أي شيء من أملاكه، حتى لأحد أولاده، إلا بعد موافقة من فروع الأمن قد تستغرق عاماً كاملاً ورشاوي بعشرات آلاف الليرات السورية.. هذا الواقع عانى منه جميع أبناء المحافظات السورية باستثناء اللاذقية وطرطوس ودمشق وحماة، كونهم لا يعيشون في مناطق حدودية مع دول أخرى.

النقطة الأهم، أن سياسة الإفقار المتعمد للشعب السوري، كانت تدرس على أعلى المستويات ويتخذ لأجلها قرارات بمنتهى العدوانية، فمن جانب كان النظام يعلن عن وفورات كبيرة من النقد الأجنبي في مصرفه المركزي، ووفورات أخرى كبيرة في العملة السورية في المصارف الأخرى، ثم من جانب ثاني يعلن بأن الدولة لم تعد قادرة على تحمل فاتورة الدعم للكهرباء والمحروقات وغيرها من المواد الأساسية، وكان يعد العدة لرفع الدعم بالتدريج قبل قيام الثورة السورية بأشهر قليلة.. ومن يريد أن يتأكد من هذا الموضوع، ما عليه سوى مراجعة تصريحات المسؤولين في تلك الفترة، وبالذات رئيس الوزراء ووزير الكهرباء والنائب الاقتصادي لرئيس الوزراء ووزير المالية، وغيرهم من وزراء الفريق الاقتصادي.

كل ذلك كان يشير إلى نزع الاستقرار عن المواطن السوري، بحيث أن الكثيرين كانوا يعبرون عن قناعتهم بأنهم يعيشون كضيوف في بلدهم، وبأن ملكياتهم معرضة للسطو والنهب بأي لحظة وتحت ذرائع واهية.

باختصار، كانت سياسة بشار الأسد تقوم على التهور، سواء في قراراته الداخلية أو الخارجية، وكانت هذه السياسة على الدوام محط تساؤل من قبل الكثيرين، بحيث أنه لا يوجد لها شبيه في أي من دول العالم، كما أنها غير موجودة في كتب التاريخ ولا كتب السياسة ولا حتى الاقتصاد..

ربما أن هذا الرئيس صدق نفسه بأنه يملك عقلاً خارقاً وفذاً.. أو هذا ما أوهمه به المحيطون به، دون أن يجرؤ أحد على الصراخ بالحقيقة في وجهه، بأنه "يخبص" وبأنه يقود البلد إلى حتفها.. لكن هذا ديدن الديكتاتور الذي يرث الحكم عن ديكتاتور آخر.

ترك تعليق

التعليق