لا مدافئ في بيوت هذه المدينة


أقل من 30 بالمئة هم الأهالي في مدينة دمشق الذين استطاعوا الحصول على حصتهم من مازوت التدفئة عن الفصل الأول، والبالغة 50 ليتراً، والتي لا تكفي لتشغيل المدفأة لأكثر من أسبوع في أحسن الأحوال.

هذا يعني أن من يريد أن ينعم بدفء الشتاء عليه أن يشتري من جيبه الخاص المازوت من السوق الحر، بسعر لا يقل عن 12 ألف ليرة لليتر.. أي بحسبة بسيطة، إذا كانت المدفأة بحاجة لثلاثة ليترات في اليوم كحد أدنى، فإنها بحاجة لنحو 36 ألف ليرة يومياً، وأكثر من مليون ليرة شهرياً، في بلد يبلغ متوسط الدخل الشهري فيه نحو 250 ألف ليرة.

هذه المعادلة الصعبة، صدق أو لا تصدق، يتعايش معها الشعب السوري منذ عدة سنوات، بحيث أنك لو سألت أي سوري اليوم، كيف يتدبر أمره في فصل الشتاء..؟ لنظر إلى السماء بعينين جاحظتين، دلالة على أن هناك تدخل من رب العالمين، هو من يجعل الأمور تمضي على خير.

لكن على صعيد آخر، فإن الدخول في التفاصيل، مرهق لمن أراد سماعها، فالأمور لا تمضي بسلاسة كما يعتقد البعض.. فهناك أسر فيها أطفال صغار، تقضي الشتاء بدون أي تدفئة، مستعينة بالحرامات والألبسة الثقيلة، ولا يكاد يمر نهارها إلا بشق الأنفس، دون أن يخلو من الأمراض وبكاء الأطفال بحثاً عن لحظة دفء ولو صغيرة.

أحد هؤلاء ممن يقطنون في دمشق، أرسل لي على الخاص يخبرني عن حال أسرته المكونة من ثلاثة أطفال صغار، أكبرهم سناً عمره ست سنوات، كيف أنهم يشكون يومياً من برد شديد، بينما يقف هو وزوجته حائرين ماذا يفعلان.. كتب لي: هل تعتقد أن أولاد بشار الأسد وباقي المسؤولين يجلسون بلا تدفئة مثلنا..؟

في رسالته يمكن أن تقرأ دعوة لهؤلاء المسؤولين أن يمضوا يوماً واحداً فقط، هم وأطفالهم في هذا البرد القارس دون تدفئة، وعندها عليهم أن يخبروا الشعب السوري بإحساسهم الحقيقي..

قال لي: أصعب المواقف أن تقف عاجزاً أمام حاجات طفلك الأساسية، من طعام وشراب ولباس وتدفئة، وأصعبها على الإطلاق في هذا الشتاء، هو حمايته من البرد..

في الواقع لم أعرف ماذا أجيبه وماذا أشير عليه، فقد مضى زمن الثورة ومضت معها أحلام التخلص من هذا النظام، بينما الفكرة الرائجة هذه الأيام هي البحث عن منفى آخر غير هذا البلد، لكن هل يعقل أن يغادر جميع أبناء الوطن وطنهم لكي يحصلوا على خلاصهم..؟!

قلت له: للأسف يا صديقي، لا يوجد أي حل في المدى المنظور وغير المنظور.. القضية باتت أعقد مما نتخيل، وتفوق كل إمكانياتنا كشعب سوري.. حتى لو قرر النظام الرحيل من تلقاء نفسه، فلن يتغير في الوضع أي شيء، لأن البلد مثقلة بالاحتلالات والديون، وقد تم رهن جميع مقدراتها الاقتصادية لعشرات السنين القادمة.. ربما الحل هو بعودة أبناء البلد من الميسورين، فهم وحدهم القادرون على وضع حد لمأساة الشعب السوري بعد رحيل هذا النظام، ليس بالسرعة التي نتصورها، لكن على الأقل سوف يكون هناك أفق يمكن النظر إليه، حتى لو بعد عشرين سنة.. أما في الوضع الحالي، فلا يوجد أي أفق..

ترك تعليق

التعليق