معاقبة الشعب السوري.. بالكهرباء


عندما انطلقت الثورة السورية في العام 2011، قام النظام بقطع الكهرباء عن المناطق الثائرة، ثم أرسل وزير كهربائه، الذي كان يشغل المنصب في ذلك الوقت، عماد خميس، ليحاضر في أبناء تلك المناطق بأن قطع الكهرباء غير ناتج عن خروجهم في مظاهرات ضد النظام، وإنما بسبب عدم قدرة الدولة على تحمل تكاليف دعم الكهرباء، المقدرة بنحو 10 مليون ليرة سورية يومياً.

هذا الكلام جرى في الشهر الرابع من عام 2011، أي بعد مرور نحو شهر على انطلاق أحداث الثورة السورية، فكان من الطبيعي أن يقول له الناس، بأنه قبل عدة أيام لم يكن هناك مشكلة بالكهرباء، فما الذي حدث فجأة..؟

لم يفهم الكثيرون بأن النظام منذ البداية اختار معاقبة الشعب السوري من خلال قطع الكهرباء عنهم، وليس لأنه غير قادر على تحمل تكاليف تشغيل محطات التوليد كما يدّعي..!

يقول مسؤولو النظام اليوم، بأن محطات الكهرباء حالياً قادرة على توليد أكثر من 5 آلاف ميغاواط يومياً، من أصل الحاجة المقدرة بنحو 6 آلاف ميغاواط يومياً، لكن المشكلة الأساسية هي في عدم توفر حوامل الطاقة لتشغيل محطات التوليد، لهذا تبلغ طاقة التوليد الحالية أقل من 2000 ميغاواط، وقد وصلت في الأيام الأخيرة إلى 1600 ميغاواط، بحسب تأكيد مسؤولين في وزارة الكهرباء.

أما حوامل الطاقة التي تحتاجها هذه المحطات، فهي نحو 17 مليون متر مكعب من الغاز يومياً بالإضافة إلى 3500 طن فيول، ينتج منها نحو 12 مليون متر مكعب من الغاز، بينما لا يوجد تقديرات لإنتاج الفيول محلياً.

وبصورة أدق، تبلغ تكاليف حوامل الطاقة، فيما لو تم استيرادها بالكامل، نحو 5 مليون دولار يومياً.. 3 مليون دولار للغاز و2 مليون دولار للفيول.. أي أنه شهرياً تحتاج محطات التوليد إلى 150 مليون دولار لكي تنعم البلاد بالكهرباء على مدار الساعة، وفي العام كاملاً أقل من 2 مليار دولار.. لكن على أرض الواقع، لا يحتاج النظام لأكثر من مليون ونصف المليون دولار يومياً، كون أكثر من نصف الكمية يتم إنتاجها محلياً، أي أن تشغيل محطات التوليد بشكل كامل، يحتاج سنوياً إلى أقل من مليار دولار.. فهل الدولة بالفعل عاجزة عن صرف مثل هذا المبلغ، لكي تنعم البلاد بالكهرباء على مدار الساعة..؟

الأرقام السابقة، تكشف حقيقة نوايا النظام، بأن مشكلة الكهرباء عنده ليس في تحمل تكاليف التشغيل التي تبدو زهيدة بالنسبة لدولة كسوريا، وإنما لديه مآرب أخرى، وهي معاقبة الشعب السوري، كونه يتعامل مع البلد كملكية خاصة به، وبالتالي يرى أن هذا الشعب لا يستحق الكهرباء لأنه فكر بالثورة عليه..

تقول الأخبار اليوم إن طاقة التوليد في سوريا تراجعت إلى ساعتين فقط في اليوم مقابل 22 ساعة قطع.. وهذا التقنين في دمشق العاصمة، فما بالكم في باقي المناطق التي لم تر الكهرباء منذ عدة أيام..؟

لا يوجد بلد في العالم اليوم، غير قادر على تزويد شعبه بالكهرباء، بما في ذلك الدول التي مرت بأزمات شبيهة بسوريا، وهناك دول مرت بما هو أصعب، لكن لم تنقطع فيها الكهرباء لـ 22 ساعة يومياً.. ولنا في التجربة اللبنانية أسوة، التي عاشت حرباً أهلية طاحنة، ومع ذلك بقيت فيها طاقة التوليد تصل إلى أكثر من 10 ساعات يومياً، وهو بلد غير منتج لأي نوع من أنواع حوامل الطاقة، بالإضافة إلى أنه لا يمتلك سوى محطة توليد واحدة، بينما في سوريا يوجد 10 محطات توليد.

بالإضافة إلى ذلك، هناك مناطق شاسعة خارج سيطرة النظام، لا يتكفل هذا الأخير بتزويدها بالكهرباء، ما يعني انخفاض تكاليف التشغيل إلى النصف تقريباً، ومع ذلك، الكهرباء طوال الوقت مقطوعة..

باختصار شديد، الكهرباء اليوم هي سلاح بيد هذا النظام، لن يلقيه حتى يطمئن إلى أن الشعب السوري عاد إلى ما قبل العام 2011.. وهذه العودة لن تحصل، ما يعني استمرار استخدامه لهذا السلاح ما دام على رأس السلطة في سوريا.

ترك تعليق

التعليق