إلى متى سيستمر النظام السوري بالضغط اقتصادياً على مواطنيه..؟


تزداد الأحوال سوءاً كل عام وكل شهر وكل يوم تقريباً، وذلك بدءاً من العام 2020.. إذ أنه تاريخ يمكن النظر إليه على أنه بداية انهيار الاقتصاد السوري بشكل فعلي، وهذا لا يعني أن ما قبله كان أحسن حالاً، لكن هذا العام تحديداً شكّل مفترق طريق عما سبقه، حيث بدأت الليرة السورية تنهار بشكل متسارع وبقفزات كبيرة، كما وأخذت الهوة تتسع كثيراً بين مستوى الدخل ومتطلبات الحياة المعيشية، وصولاً إلى ما نحن عليه اليوم من أوضاع مزرية تنبئ ليس بانهيار المجتمع فحسب، وإنما بانهيار الدولة كذلك.

فما الذي حدث في عام 2020 أو ما قبله بقليل..؟

لو رجعنا إلى الثلث الأخير من عام 2019، فقد كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الواحد يتراوح بين 600 إلى 700 ليرة، وحتى نهاية ذلك العام بلغت نحو 1000 ليرة أو أقل بقليل، لكن خلال تلك الفترة كان النظام يستشعر خطر الانهيار، وحاول أن يستعين برجال الأعمال المقربين منه، من خلال اجتماع فندق الشيراتون الشهير، الذي أعلن فيه عدد من هؤلاء الرجال تقديم تبرعات لدعم الاقتصاد السوري، كان إحداها تبرع سامر الفوز لوحده بمبلغ 20 مليون دولار.

ويمكن ملاحظة شيء مهم في ذلك العام، أن المصارف اللبنانية بدأت بفرض قيود على سحوبات المودعين وحددتها بمبالغ صغيرة، الأمر الذي تسبب بأزمة للاقتصاد السوري، كون أغلب أموال القطاع الخاص كانت موجودة في البنوك اللبنانية، للتهرب من العقوبات الغربية.

ومع دخول العام 2020، بدأت الليرة تنهار بشكل أكبر، حيث تجاوزت خلال كانون الثاني وبداية شهر شباط، مبلغ الـ 1100 ليرة مقابل الدولار الواحد، ثم ظلت تتراجع كل شهر تقريباً حتى تجاوزت مبلغ الـ 3000 ليرة في شهر حزيران، وهو الشهر الذي قام فيه رئيس النظام السوري بتغيير رئيس وزرائه عماد خميس واستبداله بـ حسين عرنوس الذي لا يزال على رأس الوزارة حتى اليوم.

مجيء حسين عرنوس إلى رئاسة الوزراء كان هو نقطة التحول الكبيرة في الاقتصاد السوري، إذ توسعت في عهده استخدامات البطاقة الذكية للمواد المقننة، وهو من بدأ بتطبيق سياسة رفع الدعم، بحجة إيصال الدعم إلى مستحقيه، وهو الشعار الذي رفعه رئيس الوزراء السابق عماد خميس عنواناً لمرحلته، ولكن دون أن ينفذ منه شيئاً، وتميزت فترته بتوجيه الدعم للمنطقة الساحلية على وجه الخصوص.

خلال العام 2020، يمكن رصد حدثين مهمين ساهما بتسريع انهيار الاقتصاد السوري، الأول هو تفشي كورونا، والثاني انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، حيث انهارت بعدها البنوك اللبنانية بشكل شبه كامل وتلاشت معها إيداعات السوريين في تلك البنوك، تاركة أثراً واضحاً على الوضع الاقتصادي في سوريا، بما في ذلك الاقتصاد الحكومي.

ويمكن القول إن الاقتصاد السوري ما قبل 4 آب 2020، ليس كما بعده، حتى أن رئيس النظام السوري بشار الأسد نفسه قال خلال لقاء أثناء زيارته لأحد المعارض التجارية بدمشق، في شهر تشرين الثاني: "إنّ جوهر المشكلة الاقتصادية، لا يكمن بالحصار الدولي لسوريا وقانون قيصر الأميركي، وإنما بسبب الأموال التي أخذها السوريون إلى لبنان وأودعوها في المصارف اللبنانية ثم قامت الأخيرة بحجزها".

وقدّر الأسد تلك الأموال في ذلك اللقاء ما بين 20 إلى 40 مليار دولار، معتبراً أنّ هذا الرقم "غير المحسوم يعدّ مخيفاً في الاقتصاد السوري".

غير أن لبنان الرسمي رد على هذه التصريحات، وكشف أن مجمل الإيداعات لغير المقيمين في لبنان تبلغ 37 مليار دولار، وهي تتضمن إيداعات السوريين وغيرهم من العرب والأجانب.

الديون الإيرانية 

ومع ذلك هناك من يرى أن هذه الأحداث لم تشكل عاملاً حاسماً في أزمة الاقتصاد السوري التي يشهدها في الوقت الحالي، وإنما الأمر كله يعود إلى أن إيران بدأت تضغط على النظام السوري لتحصيل ديونها، وهي ديون لا أحد يعرف على وجه التحديد حجمها.

ومما يؤكد فرضية الديون الإيرانية، بحسب العديد من المراقبين، هو هذا الانهيار الهائل وغير المبرر للاقتصاد السوري، بدءاً من العام 2021 وحتى اليوم، ما يشير إلى أن جزءاً كبيراً من مقدراته قد تم تخصيصها لإيفاء هذه الديون.

ولعل المتابع لتفصيلات الموازنة العامة للدولة للعام الجاري التي تم وضعها في نهاية العام الماضي، لا بد أن يلفت انتباهه بند تسديد الديون البالغ نحو 11.5 تريليون ليرة من أصل الموازنة البالغة أكثر من 35 تريليون ليرة، وهو مبلغ يعادل المليار دولار تقريباً (وفق سعر الصرف الرسمي حين إقرار الموازنة).

وبصورة أوضح، فقد تحدثت الصحافة العربية، وعلى رأسها "الشرق الأوسط" السعودية، عن الضغوط الإيرانية على النظام السوري لتحصيل الديون، بدءاً من العام 2022، عبر تسريب أن رئيس النظام السوري طلب تأجيل زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق أكثر من مرة خلال ذلك العام، وكان يعلم أن الهدف من الزيارة هو بحث مسألة الديون.. وعندما جاء الرئيس الإيراني في الشهر الخامس من العام الماضي إلى دمشق، كان لافتاً توقيع عدد كبير من الاتفاقيات في كافة المجالات تقريباً، ويمس بعضها بسيادة النظام السوري على بلده وشعبه، ما يفهم منه أن هذه الاتفاقيات هي لتحصيل الديون الإيرانية.

ومن بين التسريبات التي قدمتها صحيفة "الشرق الأوسط"، رفض النظام السوري لمضامين الكثير من هذه الاتفاقيات ورفضه تنفيذها، الأمر الذي دفعه على ما يبدو من جهة أخرى، إلى التفكير بتسديد هذه الديون نقداً.

لهذا نلاحظ أن النظام السوري زاد كثيراً من ضغطه الاقتصادي على الشعب السوري في أعقاب زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، إذ كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار أقل من 9 آلاف ليرة، بينما أصبح اليوم يتجاوز الـ 15 ألف ليرة.. أي أن الليرة فقدت أكثر من 65 بالمئة من قيمتها، منذ زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا في الشهر الخامس الماضي وحتى اليوم.

ولا بد أن نشير إلى الزيادات الكبيرة التي قام بها النظام على أسعار المشتقات النفطية في شهر آب الماضي، والتي يعزى إليها سبب التضخم الكبير الحاصل في البلاد.

أما السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال: فهو حجم الديون الإيرانية، وكم سيستغرق النظام في سدادها إذا كان ينوي سنوياً سداد ما يعادل المليار دولار.. لأنه بناء عليه يمكن استشراف ما يمضي إليه الاقتصاد السوري ومعه اقتصاد المواطن.. فإذا كان المبلغ كبيراً وبعشرات مليارات الدولارات كما تقول التسريبات الإيرانية، فهذا يعني أن الشعب السوري أمام أزمة قد تمتد لسنوات طويلة.. ولا أحد يراهن على الحل السياسي لأن إيران تفعل ما بوسعها من أجل الحصول على ديونها، كونها تدرك أن هذا النظام قد لا يبقى طويلاً على رأس السلطة في سوريا، وإلا لما زادت من ضغوطها عليه.

ترك تعليق

التعليق