الرهان على ضعف القدرة الشرائية


ما يحدث في الواقع السوري يبدو ساخراً لناحية العجز الذي تبديه الجهات الحكومية تجاه السيطرة على ارتفاع الأسعار المستمر في الأسواق، فهي لم يعد بوسعها سوى الرهان على أن هذا الارتفاع، سوف يدفع المستهلكين للإحجام عن الشراء، وبالتالي سوف يدفع المنتجين لخفض أسعارهم، أو على الأقل عدم رفعها من جديد.

هذه النظرية الاقتصادية البسيطة، والتي تسمى بنظرية العرض والطلب، يمكن أن تنطبق على كل أسواق الدنيا، إلا السوق السورية، لأنه ببساطة ما يدفع إلى ارتفاع الأسعار فيها، ليس زيادة الطلب على السلع، وإنما زيادة تكاليف الإنتاج.. بمعنى آخر، حتى لو استثنينا أرباح التاجر، فإن السلعة سوف يظل ثمنها مرتفعاً وتفوق قدرة المواطن الشرائية، بينما من يراهن على أن يبيع التاجر بخسارة، فهو واهم، لأن لديه الاستعداد لإغلاق تجارته على أن يخسر من رأس ماله.

ومؤخراً ظهرت نظريات من هذا النوع لدى بعض المسؤولين في النظام، لكن العديد من التجار المخضرمين ردوا على الأمر، بأن المحافظة على رأس المال شيء مقدس عند التاجر، وهو من أبجديات العمل التجاري التي يتعلمها منذ البداية، والذي لا يجوز الاقتراب منه.

من يتابع تصريحات مسؤولي النظام وموقفهم من ارتفاع الأسعار، لا بد أن يلفت انتباهه هذا الهراء المتضمن في كلامهم، فهم يحاولون إلقاء المسؤولية دائماً على ما يصفونه بجشع التجار، كي لا يضعوا أيديهم على الجرح الحقيقي الذي يعاني منه المواطن السوري، وهو مستوى الدخل المنخفض، متجاهلين أن هذا الدخل هو اليوم الذي يشل حركة الاقتصاد بالبلد، وهو المسؤول عن كل المشاكل التي يعاني منها المجتمع السوري.

هناك اليوم حديث متصاعد داخل أروقة حكومة النظام، عن وجود عجز في الموازنة العامة للدولة البالغة 35.5 تريليون ليرة، قد يقترب من النصف، بسبب انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى مستوى أكبر مما هو متوقع لدى وضع الموازنة في الثلث الأخير من العام الماضي، بالإضافة إلى ما تسميه الحكومة بأحداث البحر الأحمر، التي رفعت تكاليف النقل إلى أكثر من الضعف، وبالتالي المزيد من ارتفاع الأسعار في الأسواق.

وتقول البيانات، إنه تم تقدير العجز لدى وضع موازنة العام الجاري بمبلغ 9 تريليون ليرة، على سعر صرف 11500 ليرة مقابل الدولار الواحد، بينما الدولار اليوم يناطح الـ 15 ألف ليرة في السوق السوداء، ما يعني المزيد من العجز في الموازنة العامة للدولة، وما يعني كذلك أن النظام سوف يبحث عن قنوات جديدة للتخفيف من هذا العجز، ليس من سبيل لسدها سوى عبر رفع الضرائب ورفع الدعم، وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل أكبر. وهناك من يتحدث عن تمويل العجز من المصرف المركزي، عبر ضخ عملة جديدة في الأسواق، لكن النتيجة هي ذاتها، أي ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة السورية، جراء التضخم النقدي.

موضوع العجز المتصاعد في الموازنة العامة للدولة، هو أكثر ما يؤرق المحللين الاقتصاديين اليوم، وخصوصاً مع هذه الحكومة، التي دائماً ما تلجأ إلى أسهل الحلول، وهي رفع الضرائب ورفع أسعار المحروقات، وإصدار قرارات تعسفية، بحجة تجفيف السيولة النقدية في الأسواق، بينما لا تهتم للمشكلة الأساسية ومعالجتها، وهي ارتفاع أسعار السلع الفاحش في الأسواق، وانهيار القدرة الشرائية للمواطن السوري.. لذلك يقول هؤلاء المحللون، إن الحكومة تحاول أن تنفذ نفسها فقط وعلى حساب الجميع، بينما لا يكفي أن تكون الدولة بخير لوحدها، فلا بد أن يكون المواطن كذلك بخير. حتى أن المواطن حسب رأيهم، أهم من الدولة وهو الذي يجب أن يكون بخير أولاً، لأنه هو الذي يمولها.

ترك تعليق

التعليق