صحافة الخيار والبندورة والبصل


نجح النظام السوري في السنوات الأخيرة، بأن حرف اهتمامات الصحافة الاقتصادية السورية، من الحديث عن سعر صرف الدولار وتناول قضايا الفساد وانتقاد تقصير الجهات الحكومية، إلى الاهتمام بأسعار الخضار والفواكه وباقي أسعار المواد الغذائية.

راقبوا وسائل إعلام النظام وتلك التي تدور في فلكه، سوف تجدون خبراً شبه يومي، يتناول أسعار الفجل والبقدونس والخيار والبندورة والبصل والثوم والفليفلة والفول والحمص والفتة والفلافل والسكر والزيت.. إلخ، وفي المقابل تغيب أخبار وزارات مركزية، ولن تجدوا لمسؤوليها أية تصريحات إلا فيما ندر، مثل وزارات، النقل والري والاقتصاد والمالية والشؤون الاجتماعية والعمل والصناعة والنفط والإدارة المحلية والزراعة والصحة والسياحة.. 

واتساقاً مع هذا التوجه، فإن الوزارة الأكثر ظهوراً في وسائل الإعلام ومنذ عدة سنوات، هي وزارة التجارة الداخلية وتصريحات وزيرها وأنشطة مؤسساتها، على اعتبار أنها الوزارة المسؤولة عن الأسعار بالدرجة الأولى.

وعدا عن ذلك، فلو طلبت من أي سوري أن يذكر لك أسماء خمسة وزراء من حكومة حسين عرنوس، فإنه على الأغلب قد لا يتذكر سوى ثلاثة منهم، بينما لو سألت عن اسم وزير التجارة الداخلية فسيقولون لك على الأقل، عمرو سالم أو عبد الله الغربي، على اعتبار أن الوزير الجديد محسن عبد الكريم، أقل تداولاً وظهوراً ممن سبقوه في هذا المنصب، وسوف يتذكر على الأكيد اسم وزير الأوقاف الذي لا يزال في منصبه منذ العام 2007.

هذا الانحراف في توجه الصحافة الاقتصادية السورية، ليس بريئاً من قبل النظام، وإنما يسعى من خلاله لتغييب الإنسان السوري عما يدور في الخفاء من فساد وترهل في الجهاز الحكومي، بالإضافة إلى إبعاده عن معرفة أي شيء عن التغلغل الإيراني والروسي، والصفقات الكبرى التي تم عقدها في هذا المجال للسيطرة على الكثير من مقدرات الاقتصاد السوري.

وهذا أيضاً يشير إلى انهيار مؤسسات الدولة السورية وأجهزتها الحكومية، والتي كانت قبل العام 2011 تملأ أخبارها وتصريحات مسؤوليها، وسائل الإعلام الحكومية والخاصة.. فمن من السوريين اليوم يسمع بشيء اسمه مديريات الأحواض المائية في سوريا، والتي كانت تضم حوض الفرات وحوض العاصي وحوض اليرموك، وكان لها أنشطة اقتصادية مهمة على صعيد الزراعة.. من يسمع اليوم بأسماء مدراء عامين، مثل المصرف المركزي أو التجاري أو العقاري أو الزراعي..؟! أو مدير المؤسسة العامة للحبوب أو الأعلاف أو الدواجن أو الصناعات الكيمائية أو الغذائية أو المؤسسة العامة للاتصالات أو المؤسسة العامة للإسكان والتعمير أو المؤسسة العامة للطرق والجسور.. إلخ والتي كانت تشكل أخبارها وأنشطتها جزءاً كبيراً من أعمدة الصحافة السورية.. يكاد السوري اليوم لا يعرف اسم محافظ مدينته، كما أنه لا يعلم على وجه الدقة، ماذا يفيد وجوده من عدمه.. ومفهومه عن المحافظ، يمكن سحبه على كافة مؤسسات الدولة في منطقته.

باختصار، لقد نجح النظام في جعل المواطن السوري يبحث عن لقمة عيشه فقط، دون أن يستطيع التفكير خارج حدود هذه الحاجة.. فلو قيل للسوري في الداخل اليوم أن بلدك محتلة من قبل خمسة جيوش كبرى، وإيران وروسيا تسيطران على كافة مقدراته الاقتصادية بالإضافة إلى قراره السياسي، بينما تعمل أسماء الأخرس على سرقة ما تبقى من مقومات الاقتصاد السوري، فإنه على الأغلب سوف ينظر إليك بلا اهتمام، ثم يقول لك: "إنت فين وإحنا فين يا أخي".

ترك تعليق

التعليق