يقفون تحت لهيب الشمس لـ10ساعات ..السوريون يتعرضون للإذلال أمام أبواب مفوضية اللاجئين في الأردن!

لا مساعدات غذائية ولاعلاج لمن لايحصل على وثيقة مفوضية اللاجئين 
خالد :جئت من المفرق مساء واضطررت للنوم على الرصيف المقابل لمفوضية اللاجئين
أم محمد الحمصية :جئت مع زوجي وأطفالي جميعهم منذ الساعة الثالثة فجراً

تحوّلت رحلة الحصول على وثيقة المفوضية أو تجديدها بالنسبة للاجئين السوريين إلى هاجس مؤرّق ومعاناة إنسانية لا توصف، تُضاف إلى معاناة ظروف اللجوء الصعبة، فاللاجئ منهم يضطر إلى أن يقضي أكثر من عشر ساعات أمام أبواب المفوضية منتقلاً من دور إلى آخر، ولأن هذه الورقة ضرورية جداً في حياة اللاجىء لأنها تتيح له فرصة الحصول على مساعدات من المفوضية، وعلى كوبونات برنامج الأغذية العالمي، فضلاً عن حصوله على الخدمات العامة كالعلاج الطبي في المستشفيات والعيادات الحكومية في الأردن وتسجيل أبنائه في المدارس. ولذلك ليس بمقدوره الاستغناء عنها كما ليس بإمكانه تأجيل الحصول عليها أو التغيب عن الموعد المحدد حتى لو كان ذلك لأسباب قاهرة لأن ذلك يعني تأجيله إلى أشهر إضافية أخرى مع ما يعنيه ذلك من ضيق حال اللاجئين السوريين وشدة معاناتهم المادية.

تبدأ هذه المعاناة قبل عدة شهور حيث يُعطى اللاجئون تواريخ متباعدة قد تمتد لسنة كما حصل مع بعضهم، دون الأخذ بالاعتبار الحالات الصحية الحرجة التي لا تحتمل التأجيل، فالمشافي والمراكز الصحية التي يتلقى فيها اللاجئون العلاج مثلاً لا تستقبلهم إن لم تكن لديهم ورقة مفوضية سارية المفعول، ويُقدر عدد المصابين الذين هم في حاجة إلى علاج عاجل من اللاجئين السوريين في الأردن بأكثر من 500 حالة تقريباً وهم في ازدياد بسبب تفاقم الأوضاع الصعبة داخل سوريا، يُضاف إلى ذلك مرضى العمليات المتوسطة وحالات الولادة، كذلك الحالات النفسية التي هي بحاجة إلى علاج ومتابعة أيضاً، ولكن ما يمنع ذلك انتهاء صلاحية ورقة المفوضية أحياناً أو عدم وجودها لدى اللاجئ أصلاً. 

دير غبار!
الفوضى العارمة وانعدام التنظيم هو أول ما يمكن ملاحظته لدى زيارة مبنى المفوضية السامية للاجئين في عمان، مئات اللاجئين رجالاً ونساء وأطفالاً افترشوا الأرصفة المحيطة بالمبنى، وبعضهم جاء من الثانية عشرة ليلاً بانتظار الحصول على ورقة المفوضية، وبعضهم الآخر جاء في ساعات الفجر الأولى وظل حتى الرابعة عصراً -أي أكثر من عشر ساعات- تحت لهيب الشمس المحرقة وغبار "دير غبار" وعدم وجود مظلات تحميهم مع أطفالهم، عدا المزاجية المزعجة التي يتعامل بها مستخدمو المفوضية مع اللاجئين السوريين، وعندما سألت موظفاً في المكاتب الخارجية للمفوضية عن سبب الازدحام لم يجب ولكنه قال لي إن في الداخل أكثر من ألف شخص ينتظرون إتمام معاملاتهم، أما من هم خارج المبنى فيقارب هذا العدد إن لم يزدْ عليه.

أحد اللاجئين من كبار السن كان يحمل ورقة زرقاء اللون مدوّن عليها رقم بالإنكليزية. يقول إنه يقف أمام مكاتب المفوضية منذ أكثر من ثلاث ساعات، ويستبعد أن يصل إليه الدور للتسجيل في الداخل قبل ساعتين أخريين. 
الازدحام أمام البوابة الخارجية يؤكد صحة كلام الرجل الستيني الذي اختار أن يقف بعيداً عن المدخل، تحاشياً لسماع الصراخ الذي يعلو أحياناً بين حرس المفوضية و اللاجئين السوريين المحتجين على طول الانتظار وعدم تنظيم الدوربالشكل المطلوب. 
خالد أبو عبدو يقول: "جئت من مدينة المفرق منذ مساء أمس واضطررت للنوم على الرصيف المقابل للمفوضية من أجل أخذ دور مبكر ووجدت الكثيرين قبلي ينتظرون مثلي. "وتقول أم محمد الحمصية التي تسكن في منطقة جبل عمان: "جئت مع زوجي وأطفالي جميعهم منذ الساعة الثالثة فجراً لأؤمّن دوراً لأنني أريد تجديد ورقة المفوضية، وتضيف أم محمد: "أستغرب سبب إلزام اللاجئين الذين يريدون تجديد مفوضيتهم بإحضار كافة أفراد العائلة ما دامت المعلومات والصور جميعها موجودة لديهم، وعندما يحضر جميع أفراد العائلة يكتفي الموظف بالنظر إليهم وعدّهم دون تدقيق فهل يستحق هذا الأمر كل هذا العناء؟ 

جوالات خرساء 
أمام مدخل المفوضية لم يخفِ الازدحام بعد ساعات من بدء العمل. وتواصلت الاحتجاجات وتبادل الصراخ بين اللاجئين المطالبين بحقهم في معرفة سبب تأخر التسجيل، وبين عناصر الحرس الذين يتعاملون بخشونة ظاهرة أحياناً وألفاظ غير لائقة مع المحتجين أحياناً أخرى، بصرف النظر عما إذا كانوا نساء أم شيوخاً أم من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وهذا ما لمسه كاتب هذا التحقيق خلال ثماني ساعات ماراثونية قضاها أمام بوابة المفوضية ليحصل على تجديد لوثيقته الخاصة، منتقلاً من دور إلى آخر تحت أشعة الشمس اللاهبة والغبار الذي أخذ المكان منه اسمه "وادي غبار" كما لمس ما يشبه الأساليب البوليسية التي يمارسها القيّمون على المفوضية بدءاً من التفتيش الدقيق للرجال والنساء، ومروراً بإجبارهم على إغلاق جوالاتهم بشكل كامل ورفعها للأعلى في مشهد إذلال لا مثيل له، منعاً لحصول حالات تصوير ما يجري في الداخل، وكأن هذا الأمر يوحي بأن هناك ما تخشى المفوضية من تصويره وإظهاره للعلن، وبعد أن يصعد المراجعون عبر درج صغير إلى غرفة لا تتعدى مساحتها 2 × 2 م يتعرضون لتفتيش دقيق من الأعلى إلى الأسفل، وتُؤخذ جوالاتهم ليعطوا ورقة تحمل رقماً يستطيعون بواسطتها استرداد هذه الجوالات الخرساء. ثم ينزلون من باب حديدي صغير لا يكاد يسمح بمرور أكثر من شخص واحد، ويستقبلهم ممر مكشوف يعج بالعشرات من العائلات التي تفترش الأرض بانتظار دور جديد، والحال في الداخل لا يختلف كثيراً عن الحال في الخارج سوى أن الطابور لم يعد يأخذ شكل الخط المستقيم.

فالمراجعون يتكدّسون في ممرات البناء الضيقة وعلى الأدراج الواصلة بين الطوابق الأربعة ويتزاحمون أمام مكاتب الموظفين الذين كلّوا وملّوا من طلب تنظيم الطابور تارة بالرجاء وتارة أخرى بالصراخ. وفي معمعة الازدحام هذه لا تستغرب أن تسمع عبر مكبرات الصوت صوتاً أنثوياً ينادي "الرقم كذا مقابلة طارئة" وأحياناً "مقابلة عاجلة" أحببت أن أعرف السبب في كون هذه المقابلة أو تلك طارئة أوعاجلة ولكن لم أحصل على جواب فالسكوت من ذهب في مثل هذه الأوضاع، رغم أن المفوضية جعلت من محاربة الرشوة والفساد شعاراً لها وكون هذه المنظمة دولية لا ينفي عنها صفة الفساد. فموظفوها يتقاضون رواتب عالية، ولكن هناك احتجاجات من اللاجئين على طرق التعاطي معهم وعلى الانتقائية في التسجيل والفظاظة في التعامل.

ترك تعليق

التعليق