من دمشق إلى حلب.. رحلة الدواء "الأممي" تمر بـ 60 نقطة تفتيش وتستغرق 11 ساعة


الهلال الأحمر:60% من مستشفيات حلب خارج الخدمة

تابعت شبكة "إيرين" مسار نقل الإمدادات الطبية التي تسلم منظمة الصحة العالمية 70% لمؤسسات تابعة للنظام، موضحة أن إيصال شحنة من الأدوية من دمشق إلى حلب استغرق 11 ساعة، مرت خلالها الشاحنة عبر ما يقرب من 60 نقطة تفتيش!
تحقيق الشبكة التابعة لمكتب الشؤون الإنسانية، كشف أن الطرق البرية تبقى الخيار الأفضل رغم سوء الأوضاع الأمنية، وذلك نتيجة الإغلاق المتكرر لمطار دمشق الدولي 
يعد إيصال الإمدادات الإنسانية إلى مناطق النزاع مثل سوريا أمرا لا يستهان به، فهو يتطلب في الغالب مفاوضات مع الأطراف المتحاربة، وتحدياً لحالة انعدام الأمن، بالإضافة إلى مواجهة تأخيرات متكررة وتحديات لوجستية.

لكن عمال الإغاثة قادرون على تحقيق ذلك، ففي أحد الأمثلة الأخيرة وصل خلال الشهر الماضي 54 طناً من الإمدادات الطبية التي تشتد الحاجة إليها في سوريا، والتي تستهدف الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من الخطوط الأمامية للنزاع في مدينة حلب الكبيرة. 
وقال فارس قاضي، المنسق الطبي للهلال الأحمر السوري ومسؤول الاتصال في منظمة الصحة العالمية في حلب، إن "أكثر من 60 بالمئة من المستشفيات في حلب تعتبر خارج نطاق الخدمة، والعديد منها موجود في الخطوط الأمامية وتستخدم من قبل العناصر المسلحة". 
وقد قامت شبكة "إيرين" بتتبع الشحنة، منذ أول اتصال هاتفي من مسؤول منظمة الصحة العالمية في سويسرا، حتى وصلت في 13 إبريل/نيسان إلى الأطباء داخل سوريا. 

سويسرا 
في أكتوبر الماضي، قام أوليكسندر بابانين، مسؤول الإمداد في فريق دعم الأزمات بمنظمة الصحة العالمية في جنيف بإجراء مكالمة مع شركة الإمدادات الطبية في هولندا من أجل طلب لوازم طبية، بهدف تخزين كميات جديدة من الإمدادات الاحتياطية في مستودع الأمم المتحدة للاستجابة للحالات الإنسانية في دبي. 
وأوضح بابانين: عندما تبدأ سلسلة الإمداد اللوجستي غالباً ما لا يُعرف أين ستذهب بالتحديد المساعدات الطبية في النهاية. 
وأضاف: الأمر كله يعتمد على المتطلبات وتوفر المستلزمات، ووظيفتي هي التأكد من أن المخازن ممتلئة ولكنها بالطبع لا تكون أبداً ممتلئة للغاية. 

وتقوم الشبكة الدولية اللوجستية الإنسانية بالتخزين المسبق لمستلزمات الطوارئ في أجزاء رئيسة من العالم، لتسهيل نقلها بسرعة إلى الأماكن التي تحتاج إليها. 
وعدة اللوازم الطبية التي وصلت إلى حلب عبارة عن عبوات موحدة من الأدوية والمعدات الطبية المصممة للاستخدام في مجموعة مختلفة من المناطق والمواقف.
وتتكون عدة لوازم الطوارئ الصحية المشتركة بين الوكالات من حوالي 90 نوعا مختلفا من الأدوية والمعدات الطبية المعبأة في 44 صندوقا. 
وتزن عدة اللوازم الطبية الواحدة ما يزيد عن طن واحد، وتلبي محتوياتها احتياجات 10 آلاف شخص لمدة 3 أشهر. 
وتعد منظمة الصحة العالمية هي سلطة التنسيق في مجال الصحة الدولية داخل نظام الأمم المتحدة، وكل 5 سنوات تقوم لجنة مشتركة بين الوكالات- مكونة من صيادلة وفريق فني من منظمات الإغاثة المختلفة- بتحديد الأدوية الأساسية والمستلزمات الطبية التي سيتم إدراجها في عدة اللوازم الطبية. 
والهدف من هذا الإجراء هو تلبية احتياجات الرعاية الصحية ذات الأولوية للسكان النازحين الذين يفتقرون إلى المرافق الطبية أو السكان الذين تعطلت مرافقهم الطبية. 

هولندا 
في نهاية عام 2012 في مدينة جورينتشيم غرب هولندا، قام موظفو مجموعة "إكسبورت" الطبية، بتعبئة الأدوية وحقن العمود الفقري والمعدات الجراحية وأغراض أخرى، في صناديق مصنفة بحسب محتوياتها.
وكما أكد بابانين من منظمة الصحة العالمية، فإن عمال التعبئة في مجموعة "إكسبورت"، المتخصصة في توفير العبوات الطبية للمنظمات الإنسانية على مستوى العالم، لا يعرفون أيضا الوجهة النهائية للمساعدات. 
وعقب التعبئة تم تحميل عُدة اللوازم الصحية لحالات الطوارئ المشتركة بين الوكالات على متن سفينة في ميناء روتردام على بعد 40 كيلومترا، وشحنها إلى دبي في الإمارات العربية المتحدة. 

الإمارات العربية المتحدة 
وبحلول يناير/كانون الثاني ، وصلت أحدث شحنة طوارئ إلى دبي وبالتحديد إلى مقر مستودع الأمم المتحدة للاستجابة للحالات الإنسانية في الشرق الأوسط الذي يديره برنامج الأغذية العالمي.
وقد ساعدت نيفين عطا الله، وهي صيدلانية تعمل مع مستودع الأمم المتحدة بدبي، في متابعة شحنة المساعدات الطبية التابعة لمنظمة الصحة خلال الجزء التالي من الرحلة. 
وقالت عطا الله إن "الطلب يأتي من خلال صندوق بريد خدمة العملاء التابع لمستودع الأمم المتحدة للاستجابة، ولدعم أي استجابة للحالات الطارئة نقوم بإدارة الإمدادت لكي تكون متاحة بسهولة لنقلها خلال فترة تتراوح بين 24 و48 ساعة". 
وكان على "عطا الله" الحصول على موافقات لهذه الشحنة من وزارة الخارجية الإماراتية ووزارة الصحة ووحدة المخدرات والمواد الكيميائية في العاصمة أبوظبي. كما كانت مسؤولة أيضاً عن تجهيز وثائق برنامج الأغذية العالمي لكل معبر حدودي، وبمجرد أن تم تخليص الشحنة تم تغليف المساعدات لنقلها بواسطة الشاحنات إلى سوريا. 

سوريا 
يبدأ الجزء النهائي والأصعب من الرحلة على متن نحو 6 شاحنات يقودها سائقون سوريون، وهو شرط وضعته حكومة النظام السوري.
.ويوفر 54 طناً من عدة اللوازم الطبية -البالغ عددها 52 مجموعة- أدوية تكفي لإنقاذ الأرواح وإمدادات تغطي الاحتياجات الصحية الطارئة لمدة 3 أشهر لنحو نصف مليون نسمة من السكان. 
ومنذ بداية النزاع، أبلغ برنامج الأغذية العالمي عن أكثر من 20 هجوماً على المخازن والشاحنات والسيارات في سوريا. 
وبدأ سائقو الشاحنات الذين يعملون مع مقاول يتعامل معه برنامج الأغذية العالمي رحلتهم من دبي، وسلكوا طريقاً عبر السعودية فالأردن إلى أن دخلوا سوريا. 
وقالت إليزابيث هوف، رئيس مكتب منظمة الصحة العالمية بدمشق، إن "القافلة بقيت عدة أيام على الحدود الأردنية السورية بسبب القتال العنيف بين دمشق ومحافظة درعا". 
وعبر السائقون وهم في طريقهم إلى العاصمة مناطق تسيطر عليها الحكومة وأخرى يسيطر عليها الثوار، وكثيراً ما تم احتجازهم عند نقاط التفتيش. لكن على الرغم من هذه الصعوبات كان النقل بواسطة الشاحنات هو الخيار الأفضل بسبب الإغلاق المتكرر لمطار دمشق وطول المسار البحري.

وفي 27 مارس/ آذار، وصلت الشاحنات أخيراً إلى مخزن برنامج الأغذية العالمي في الكسوة في ريف دمشق. وقام البرنامج والهلال الأحمر السوري بإجراء تقييم للإمدادات ومن ثم إرسال المساعدات إلى حلب التي تقع على مسافة 360 كيلومتراً إلى الشمال.
تقوم منظمة الصحة العالمية بتوزيع 70 بالمئة من مثل هذه الإمدادات من خلال وزارة الصحة  ووزارة التعليم العالي، و30 بالمئة من خلال المنظمات غير الحكومية. 

وقال قاضي إن "الاحتياجات في حلب في تزايد مستمر. فالنظام الصحي يترنح نتيجة لنقص الدواء والأدوات الطبية- خاصة تلك المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة- ونتيجة لتردي فرص الحصول على خدمات النظام الصحي بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والجغرافية، مما يثير المزيد من التحديات للمأزق السوري". 
ويبلغ عدد سكان محافظة حلب نحو 6 ملايين شخص لكن منذ بدء النزاع، نزح 1.5 مليون شخص إضافي إلى المدينة.
وقال قاضي إنه "عادة ما تستغرق الرحلة من دمشق إلى حلب نحو 4 ساعات. وهذه الأيام تعتبر هذه الطريق مهمة جداً لجميع الأطراف المتحاربة. وقد مرت الشاحنة عبر ما يقرب من 60 نقطة تفتيش واستغرقت 11 ساعة".
وفي يوم 13 إبريل/ نيسان، تم توصيل المستلزمات إلى الوجهة النهائية: مستشفيان رئيسيان في حلب و10 مراكز صحية.

ويأمل قاضي  في الحصول على المزيد من الإمدادات قائلاً إن "فتح مكاتب جديدة للمساعدات الإنسانية، وتجهيز طريق آمن مثل الممر الإنساني إلى حلب سيكون أمراً مهما جدا للحد من معاناة الناس". 
ولكن إمكانية تسليم المزيد من المساعدات من دبي تعد ضئيلة في الوقت الحالي نظراً لانعدام الأمن المتزايد في سوريا. 
وعلى الرغم من أن مسؤولي الأمم المتحدة يحثون باستمرار جميع الأطراف على احترام المبادئ الإنسانية وضمان الوصول الآمن لإمدادات الإغاثة، إلا أنه "في الوقت الحالي لا يتم التخطيط لمزيد من شحنات الأدوية من دبي، نتيجة للوضع الأمني السيء في كامل الجزء الجنوبي من سوريا" طبقاً لما ذكرته هوف.

ترك تعليق

التعليق