تزايد الأعداد ونقص التمويل يلقيان ظلالاً قاتمة على مستقبل اللاجئين السوريين...

 150 ألف طفل من اللاجئين السوريين في الأردن لاتتوفر لهم المدارس.
نقل المياه للاجئي مخيم الزعتري فقط، يكلف 12 ألف دولار يومياً.
المفوضية السامية : النزوح السوري أكبر أزمة لاجئين قبالشرق الأوسط في التاريخ الحديث.


كشف تقرير لشبكة "إيرين" التابعة للأمم المتحدة عن صعوبات بالغة في توفير التمويل اللازم لمواجهة أزمة اللاجئين السوريين، التي تكبر يوما بعد يوم، بشكل تجاوز كل التوقعات.


وقال تقرير للشبكة: ،أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها، في 7 يونيو/حزيران ،أكبر نداء لتمويل المساعدات الإنسانية في التاريخ.. 4.4 مليار دولار لمساعدة اللاجئين والأشخاص المحتاجين داخل سوريا، فضلاً عن 830 مليون دولار لمساعدة الحكومتين الأردنية واللبنانية على التكيف مع هذه الأزمة طوال عام 2013. وسيحل هذا النداء محل نداء سابق لجمع 1.5 مليار دولار لعمليات الإغاثة في النصف الأول من العام.

"تم تجاوز جميع السيناريوهات الأسوأ التي كنا نتوقعها في سوريا خلال الأشهر الأربعة الأخيرة،" كما أفاد أندرو هاربر، رئيس مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في الأردن، الذي أصبح موطناً لأكثر من نصف مليون لاجئ سوري، وفقاً لتقديرات الحكومة. وتقول المفوضية أن عدد اللاجئين السوريين في جميع أنحاء المنطقة ( 1.6 مليون الآن)، يمكن أن يرتفع إلى 3.5 مليون شخص بحلول نهاية العام.

وقد عانت الاستجابة الإنسانية بالفعل لتأمين تمويل كاف خلال العامين الماضيين من الصراع في سوريا. وإذا استمر الوضع في التدهور واستمر تزايد الاحتياجات، كما يتوقع عمال الإغاثة، فهل ستصبح الاستجابة الإنسانية التي تكلف 5 مليارات دولار سنوياً مستدامة؟

"لا، غالباً لن تكون كذلك،" كما أجاب إدوارد رودير، الذي ينسق الاستجابة الإقليمية لدائرة المساعدات الإنسانية التابعة للمفوضية الأوروبية (إيكو)، موضحاً أنه "لن يكون هناك ما يكفي من المال".

دومينيك هايد، رئيسة مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الأردن، أفادت أن "الجهات المانحة ببساطة ليست قادرة على تلبية الاحتياجات، وهذا ليس نقداً، بل هي حقيقة واقعة".

أموال أكثر ونسبة أقل

وقد اجتذبت الأزمة السورية أموالاً أكثر من أي أزمة أخرى تقريباً. فقد ساهمت دائرة المساعدات الإنسانية التابعة للمفوضية الأوروبية، على سبيل المثال، بأكثر من نصف مليار يورو لمواجهة الأزمة السورية في الـ 18 شهراً الماضية. وقال رودير: "لم نتمكن قط من حشد كل هذا المال في فترة زمنية قصيرة كهذه".مع ذلك، فمن حيث النسبة المئوية من الاحتياجات، لا يزال التمويل أقل من العديد من حالات الطوارئ الأخرى.

ووفقاً لخدمة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة (FTS)، لم تحصل الأمم المتحدة وشركاؤها سوى على 28 بالمئة من الأموال التي يحتاجون إليها لتنفيذ عملياتهم طوال عام 2013 داخل سوريا وفي الدول المجاورة التي تؤوي اللاجئين. وأشارت تقديرات إحدى الجهات المانحة أن نسبة تمويل النداء الجديد لن تتجاوز 40 بالمئة بحلول نهاية العام.

وأضاف هاربر أن "هذا يكلفنا مبلغاً ضخماً من المال في الوقت الراهن، لكن علينا أن ننفق أكثر مما ننفقه حالياً، كيف يمكننا أن ننفذ برامج أرخص بينما نحن لا نفعل ما فيه الكفاية؟"

وقد تم بالفعل إلغاء العديد من الخدمات أو تأجيلها، إذ لا تستطيع "يونيسف" في الأردن بناء مدرسة ثالثة للأطفال السوريين في مخيم الزعتري . وتدفع مفوضية اللاجئين مساعدات نقدية لثلث الأسر السورية "المعوزة للغاية" فقط، والتي تستأجر شققاً صغيرة في المدن الأردنية ولكن المفوضية لا تعرف كيف ستدفع إيجار الشهر المقبل، أما المخيم الجديد المخطط إنشاؤه الذي يسمى "الأزرق" فلن يتجاوز المرحلة الأولى ما لم يتوفر تمويل إضافي.

وتساءل هاربر قائلاً: "هل يمكننا أن نفعل ما هو أفضل؟ نعم، هل كان بإمكاننا عمل أشياء أفضل باستخدام الموارد التي توفرت لدينا؟ على الأرجح لا".وقال هاربر وغيره أنه على الرغم من أن هذا النداء الأخير المنسق من قبل الأمم المتحدة هو الأكبر في التاريخ، إلا أنه استند إلى أدنى التوقعات الممكنة.

"في نهاية المطاف، لا يمكنك إدارة عملية في الأردن تنطوي على دعم 500 ألف شخص وتقول أنها لن تكلف كمية هائلة من المال" كما رأى هاربر.مع ذلك فإن الإنهاك باد على المانحين التقليديين في العواصم الغربية.

"بيت فون دانيكن"، المدير الإقليمي للوكالة السويسرية للتنمية والتعاون (SDC) في عمّان، قال: "لا يمكن حل هذه الأزمة إلا بالطرق السياسية، تتصور الجهات المانحة التقليدية أن الكثير قد تم إنجازه بالفعل، وأن الأموال الإنسانية قد بلغت أقصى مدى ممكن".

وبالمثل، بعد إعلان المفوضية الأوروبية مؤخراً عن تمويل إضافي قدره 400 مليون يورو، من غير المرجح أن تمنح المزيد من المال للعمليات الدائرة في سوريا هذا العام، كما أوضح رودير.

تنويع مصادر التمويل
وقد أرغمت هذه القيود المالية وكالات الأمم المتحدة على البحث عن خيارات أخرى، بما في ذلك مصادر متنوعة للتمويل. في وقت سابق من هذا العام، قدمت الكويت 300 مليون دولار لوكالات الأمم المتحدة للاستجابة للأزمة السورية، وأرسلت عدة دول خليجية بيوتاً متنقلة وخياماً وغيرها من اللوازم إلى مخيمات اللاجئين في الأردن وتركيا. كما شيدت دولة الإمارات العربية المتحدة مخيماً في الأردن، وتخطط المملكة العربية السعودية لعمل الشيء نفسه في تركيا.

وقالت هايد أن "يونيسف" تحاول التواصل مع كوكا كولا، شريكتها في مصر، لتوصيل مياه الشرب المأمونة للمنازل، ومع شركات خاصة أخرى أيضاً، ولكن هذا النهج له تحدياته الخاصة.وأضافت: "إنها حالة طوارئ، يصعب إقناع القطاع الخاص بها، لأنه ينظر إليها على أنها أزمة سياسية".

وقال أحد المانحين الغربيين إن "الاحتياجات تتزايد والجهات التي تستجيب لحالة الطوارئ لا يمكنها دفع الفواتير طوال الوقت. لقد أصبحت عملية مكلفة للغاية ونحن لا نستطيع التعامل معها. ولن تستطيع أي جهة مانحة أخرى - أو ممولو الطوارئ بشكل عام - عمل ما يكفي في هذه الحالة".

ومع أخذ كل هذا بعين الاعتبار، يقوم البنك الدولي بإعداد قرض قيمته 150 مليون دولار ، هو مجرد "قطرة في بحر" وفقاً لحنين السيد، منسقة برامج البنك في مجال التنمية البشرية في لبنان والأردن وسوريا، ومن المقرر أن يسهم القرض بمساعدة الحكومة الأردنية على توفير الخدمات الأساسية، مثل زيارات المستشفيات ودعم الخبز، التي فرض اللاجئون السوريون عبئاً متزايداً عليها.

وقالت السيد: "هذا يتجاوز الأمور الإنسانية، إنه يؤثر على التنمية في جميع البلدان المتضررة، وهنا تمتزج التنمية بالمعونة الإنسانية".

بشكل مختلف
وداخل سوريا، حيث تواجه عملية الإغاثة العديد من القيود، يعتبر إيجاد طرق أكثر فعالية للعمل تحدياً كبيراً. ولكن في سياقات اللاجئين "هناك أسئلة كثيرة بشأن الفعالية،" كما قال "فون دانيكن"، الذي حث وكالات الإغاثة على دراسة فعالية تكلفة العمليات المختلفة وتقاسم الخيارات مع الجهات المانحة.

وفي مخيم الزعتري للاجئين، المدينة المترامية الأطراف التي أصبحت الآن خامس أكبر مدينة في الأردن وباتت إدارته تكلف نصف مليون دولار يومياً، وفقاً لهاربر، هناك في الواقع مجال لتنفيذ الأشياء بشكل مختلف.

ويتصور مدير المخيم "كيليان كلاينشميت" نقلاً تدريجياً لإدارة توصيل الخدمات (الغذاء والماء والخيام والرعاية الصحية والتعليم لنحو 120 ألف لاجئ) إلى وزارات الحكومة الأردنية المختصة.

وأوضح أن "الاستمرار في إدارة مخيم الزعتري كعملية إنسانية بحتة لفترة أطول ليس مستداماً، من المهم أن نقوم بتعميم هذا... فمن المحتمل أن يفتح ذلك الباب أمام دعم مخيم الزعتري كجزء من خطة تطوير المنطقة بشكل عام، إذا لم تنته هذه الأزمة في المستقبل القريب".

وتشارك الوزارات الأردنية بالفعل في إقامة المدارس والمستشفيات والبنية التحتية في المخيم بدعم من وكالات الإغاثة. والفكرة هي أنها في نهاية المطاف ستبدأ إضافة إدارة المخيم، الذي أصبح مدينة بحكم الواقع، إلى ميزانياتها.

وأضاف كلينشميت : "لقد أنقذنا حياة الكثيرين وقدمنا المعايير الإنسانية الأساسية، أما الآن، فالأمر يتعلق باستدامة الخدمات وفعالية التكاليف، وإلى حد ما تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية أيضاً".

وفي محاولة لجعل العملية أكثر فعالية من حيث التكلفة، سوف تبدأ "يونيسف" اعتباراً من الأول من يوليو/تموز القادم التعامل بشكل مباشر مع الشركات الخاصة التي تنقل المياه بالشاحنات إلى مخيم الزعتري، بدلاً من التعاقد معها من خلال منظمة غير حكومية.

وتأمل أيضاً في الاستعاضة عن نظام نقل المياه بالشاحنات، الذي يكلف 12 ألف دولار يومياً، بحفر الآبار وإنشاء شبكة من الأنابيب. ومن شأن ذلك -ما إذ تم تنفيذه في جميع أنحاء المخيم- خفض تكلفة توفير المياه بنسبة 30 بالمئة، بحسب تقديرات خبير المياه والصرف الصحي في "يونيسيف" كيتكا غويول.

وفي أحد أجزاء المخيم، بدأت منظمة أوكسفام بالفعل استغلال الجاذبية الأرضية لنقل المياه بالأنابيب من أحد الخزانات إلى صنابير الحمامات بتكلفة أقل بكثير.

تحديد الأولويات
ولكن في نهاية المطاف، بدأ عمال الإغاثة بالفعل عملية تحديد الأولويات. وقال رودير من دائرة المساعدات الإنسانية التابعة للمفوضية الأوروبية (إيكو): "إن محاولة الاختيار من بين هذه الاحتياجات -وكلها احتياجات أساسية- لتحديد تلك التي سيتم التخلي عنها أمر مؤلم للغاية، هذا مثل القيام بفرز الإصابات، إنها ممارسة رهيبة".

وفي السياق نفسه، قالت هايد من "يونيسف"، في إشارة إلى الاحتياجات المنقذة للحياة مثل الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية: "هناك بعض الأشياء التي نعلم أنها ستستمر مهما حدث". ومن بين الأرقام "المذهلة" في النداء، تمنح خطة الاستجابة الإقليمية الأخيرة الأولوية للحماية والوافدين الجدد والتأهب لحالات الطوارئ وتقديم المساعدة إلى اللاجئين في المناطق الحضرية والمجتمعات المضيفة.

ولكن بالنسبة للجهات المانحة، ستهبط أنشطة بناء القدرات والتخطيط للطوارئ وبعض أنشطة الحماية أسفل القائمة. وفي الأردن، على سبيل المثال، لا يذهب ما يقرب من 150 ألف طفل من أطفال اللاجئين السوريين إلى المدرسة، حسبما ذكرت "يونيسف".

وأضافت هايد أن "الكثير من الأعمال التي نقوم بها ليست من الأولويات الرئيسية، ماذا يعني ذلك بالنسبة لمستقبل هؤلاء الأطفال؟"

وتوجد قائمة تضم "احتياجات التمويل ذات الأولوية" على لوح أبيض في قاعة الاجتماعات في مخيم الزعتري، وأضيف إليها للتو الحفاضات، وكانت "يونيسف" قد اضطرت لوقف توزيع الحفاضات نظراً لنقص الأموال.

وتقوم بوابة معلومات المفوضية الخاصة باللاجئين السوريين الآن بالعد التنازلي للأيام المتبقية حتى تتوقف الخدمات إذا لم يصل تمويل جديد، ويشير العداد إلى أن مخزون المفوضية من الخيام - الذي يكفي حالياً لإيواء 5 آلاف لاجئ جديد يومياً في جميع أنحاء المنطقة- سينفد في 19 يونيو.

وقال هاربر من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن النزوح السوري هو الآن أكبر أزمة لاجئين تشهدها منطقة الشرق الأوسط في التاريخ الحديث.

ترك تعليق

التعليق