قصة أوروبا مع اللجوء السوري بالأرقام.. تقاعس وتشديد واستضافة في حدودها الدنيا

• لبنان الصغير بإمكاناته ومساحته يستقبل حوالي 20 ضعف الأعداد التي استقبلتها دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة!

• منحت اليونان صفة اللاجئ لاثنين فقط من أصل 275 سورياً في 2012. بينما احتجزت قرابة 8 آلاف سوري في نفس العام

• القنوات القانونية التي تسمح بدخول السوريين إلى الاتحاد الأوروبي شبه معدومة

قال تقرير حديث إن أوروبا لم تظهر ترحيبا يذكر باللاجئين السوريين، وإنها لم تستضف رغم قربها من سوريا سوى بضع عشرات الآلاف من بين أكثر من مليوني لاجئ، مع إن بلدا مثل لبنان الصغير بإمكاناته ومساحته يستقبل قرابة 800 ألف لاجئ سوري، أي حوالي 20 ضعف الأعداد التي استقبلتها دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة!
التقرير الذي أوردته الشبكة التابعة لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، أبان أنه رغم أن الاتحاد الأوروبي التزم بتقديم 1.75 مليار دولار لجهود الإغاثة في سوريا والمنطقة المحيطة بها، ما يجعله أكبر المانحين الدوليين، إلا أن "الاتحاد" لم يبد تضامناً يذكر مع دول مثل تركيا والأردن ولبنان، من حيث المساعدة على تحمل عبء اللاجئين الذي يخرج عن إطار السيطرة بشكل متزايد. 

وأوضح التقرير أن أوروبا رغم من قربها النسبي من سوريا، فإن القارة العجوز لم تستضف سوى 41 ألفا فقط من طالبي من طالبي اللجوء السوريين، غالبيتهم العظمى في بلدين فقط، هما ألمانيا والسويد. 

ولفت التقرير إلى أن التقاعس الأوروبي لا يقف عند هذا الحد، بل إن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى سياسة مشتركة لتنظيم معاملة طالبي اللجوء السوريين وحمايتهم في الدول الأعضاء، فضلا عن أن حدود أوروبا تشبه القلعة الحصينة ما يجعل وصول السوريين إلى أراضي الاتحاد الأوروبي أمراً في غاية الصعوبة.

ويشير تقرير أصدره المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين (ECRE) في وقت سابق من هذا الشهر إلى أن "الوصول إلى أوروبا أصبح صعباً على نحو متزايد، والقنوات القانونية التي تسمح بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي شبه معدومة، خاصة بعد أن أغلقت الدول الأعضاء سفاراتها في سوريا".

حتى التهريب بات صعبا
وانطلاقا من هذه التعقيدات فإن الخيار الوحيد بالنسبة للكثير من اللاجئين، بات دفع أموال للمهربين لكي يساعدوهم على دخول أراضي الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني، ولكن حتى هذا الأمر أصبح أكثر صعوبة.

فقد كانت الحدود اليونانية التركية التي يبلغ طولها 206 كيلومترات تمثل نقطة الدخول الرئيسية إلى الاتحاد الأوروبي بالنسبة للمهاجرين وطالبي اللجوء، ولكن في شهر أغسطس/آب 2012، قامت الحكومة اليونانية، بمساعدة من وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس) بتشديد الإجراءات الأمنية بشكل ملحوظ على الحدود، بما في ذلك إقامة سياج يمتد بطول 12 كيلومتراً عند واحدة من نقاط العبور الأكثر تفضيلا. 

ويلجأ معظم طالبي اللجوء السوريين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا الآن إلى السفر عبر طرق بحرية أكثر خطورة بكثير تربط بين تركيا والجزر اليونانية، وبين مصر والساحل الجنوبي لإيطاليا. وفي حين تم الإبلاغ عن عدد من الوفيات الناجمة عن الغرق والجفاف، تشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وصول 4600 سوري إلى إيطاليا عن طريق البحر خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أوائل سبتمبر/ أيلول عام 2013، ووصل ثلثاهم في شهر أغسطس/آب وحده. 

وفي السياق نفسه، تدخل أعداد متزايدة إلى أوروبا عبر بلغاريا أيضاً، وقد وصلت مراكز الاستقبال هناك إلى طاقتها الاستيعابية القصوى. ويجري حالياً التحفظ على عدد غير معروف من طالبي اللجوء في مركزين للاعتقال انتظاراً للبت في طلبات اللجوء الخاصة بهم، وهي إجراءات يمكن أن تستغرق عاماً كاملاً. 

خلال اجتماع لمجلس العدالة والشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي في شهر يوليو/تموز الماضي، قال أنطونيو غوتيريس المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة: "في الماضي، حث الاتحاد الأوروبي تركيا على استمرار فتح حدودها أمام السوريين الذين يرغبون في طلب اللجوء، ولكن في الوقت نفسه خصص معظم موارده للسيطرة على الدخول غير النظامي عند حدوده الخارجية". 

وأضاف غوتيريس: "رغم أن إدارة الحدود تعد حقاً سياديا وأولوية مشروعة للدول، لابد من إيجاد وسائل لضمان قدرة السوريين الذين يلتمسون الحماية عند حدود الاتحاد الأوروبي على الوصول إلى الأراضي والإجراءات والسلامة". معربا عن قلقه إزاء عدم الاتساق بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بالبت في طلبات اللجوء المقدمة من قبل السوريين، وأنواع الحماية التي يتم منحها.

اثنان فقط
لا يزال على الاتحاد الأوروبي أن يقطع شوطاً طويلاً قبل تنفيذ نظام لجوء أوروبي مشترك، وبعض الدول أقل استعداداً لمنح وضع اللاجئ من غيرها. فاليونان، على سبيل المثال، لديها نظام لجوء مختل وظيفياً بشكل ملحوظ، ومنحت صفة اللاجئ لاثنين فقط من أصل 275 سورياً تقدموا بطلبات في عام 2012، وفقاً للمفوضية. وفي العام نفسه، تم اعتقال واحتجاز ما يقرب من 8 آلاف سوري لدخولهم إلى اليونان أو إقامتهم فيها بصورة غير شرعية.

ورغم أن وزارة النظام العام اليونانية أمرت منذ ذلك الحين بعدم احتجاز السوريين إلا لحين التحقق من هويتهم ثم إطلاق سراحهم، فإن معظم السوريين الذين يملكون القدرة على الانتقال إلى دول أخرى يفعلون ذلك بحثاً عن فرصة أفضل لتلقي الحماية. ومقارنة باليونان، تعد معدلات الاعتراف بطالبي اللجوء السوريين أعلى بصفة عامة في أماكن أخرى في أوروبا، ولكن تقرير المجلس الأوروبي المعني باللاجئين والمنفيين يشير إلى أن عدداً من البلدان تمنح حماية فرعية أو إنسانية بدلاً من وضع اللجوء، على الرغم من حقيقة أن "الأشخاص الفارين من سوريا يندرجون تماماً في إطار اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وينبغي منحهم الحماية وفقاً لذلك" كما أوضح غوتيريس. 

وعادة ما يتم منح السوريين الحاصلين على حماية فرعية أو إنسانية تصاريح إقامة صالحة لمدة سنة واحدة فقط (مقابل 3 سنوات للاجئين)، وقد لا يتمتعون بحق الرعاية الاجتماعية.

وقد أرست السويد مؤخراً ما تأمل جماعات حقوق اللاجئين أن تكون سابقة عندما منحت حق الإقامة الدائمة لما يقرب من 8 آلاف طالب لجوء سوريين يقيمون في البلاد بتصاريح إقامة مؤقتة.

وبالاضافة الى منح السوريين وضع اللاجئين، فإن الخيار الآخر الذي تحث مفوضية اللاجئين على تطبيقه هو أن تقبل الدول الأعضاء اللاجئين السوريين في إطار إعادة التوطين في حالات الطوارئ أو القبول الإنساني (وهو نوع من الحماية مؤقت أكثر من وضع اللجوء).

وفي شهر مارس/آذار، أعلنت ألمانيا عن برنامج القبول الإنساني الذي سيستضيف 5 آلاف سوري لمدة عامين، مع إعطاء الأولوية لأولئك المسجلين بالفعل في لبنان أو الذين لديهم عائلات في ألمانيا.

"قبول" لا يحظى بالقبول!
وأعلنت مفوضية اللاجئين أنها تسعى لتحقيق القبول الإنساني لـ 10 آلاف لاجئ سوري، وإعادة التوطين لألفي لاجئ آخرين ممن هم بحاجة ماسة إلى ذلك. وحتى الآن، تعهدت 10 دول (7 منها في أوروبا) بتوفير ما مجموعه 1650 فرصة لإعادة التوطين، ووافقت النمسا فقط على منح 500 سوري حق اللجوء الإنساني.

وفي سياق الصراع الذي يولد 5 آلاف لاجئ جديد كل يوم، انتقدت جماعات حقوقية التزامات الحد الأدنى هذه. وتبدو الأرقام ضئيلة أيضاً بالمقارنة مع عشرات الآلاف من اللاجئين الذين قبلتهم بعض البلدان أثناء فترات الصراع في كل من كوسوفو والبوسنة. 

وتعزو جوليا زلفينسكايا من المجلس الأوروبي المعني باللاجئين والمنفيين تلك الاستجابة المخيبة للآمال إلى المناخ السياسي السلبي بشكل عام الذي يخيم على المهاجرين واللاجئين في أوروبا في الوقت الراهن.

وأكدت " زلفينسكايا" أن "عددا قليلاً فقط من القادة الأوروبيين يقولون أنهم يرحبون باللاجئين. وتعبر بعض الدول عن استعدادها لإعادة توطين 30 شخصاً فقط، وعندما تقارن ذلك بالأرقام التي تستضيفها البلدان المجاورة مثل الأردن ولبنان، فإن هذا لا يظهر أي تقاسم حقيقي للمسؤولية". 

من جهته، دعا تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا (ALDE)، وهو حزب سياسي في البرلمان الأوروبي، إلى عقد مؤتمر إنساني لمناقشة مسألة تسهيل الوصول إلى الاتحاد الأوروبي بشكل مؤقت بالنسبة للأشخاص الفارين من النزاع. 

ويمكن تنفيذ نظام حماية مؤقتة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي باستخدام التوجيه المعتمد في عام 2001 في أعقاب الصراع في كوسوفو، ولكن هذا سيتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء. 

غيوم ماكلافلين، مستشار السياسة في "ALDE"، قال: لدينا أدوات يمكن أن نستخدمها إذا قررنا نشرها، ولكنك بحاجة إلى إرادة سياسية للقيام بذلك. لقد شهدنا الكثير من البيانات المنمقة حول هذه القضية، ولكن دون اتخاذ إجراءات عملية. 

وبينما رأت "زلفينسكايا" أنه قد يكون من السابق لأوانه تنفيذ توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن الحماية المؤقتة، نظراً إلى أن أعداد طالبي اللجوء السوريين الذين يصلون إلى أوروبا لا تزال صغيرة نسبياً، يمكن بدلاً من ذلك اتخاذ تدابير لفتح القنوات القانونية التي تتيح دخول الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، عن طريق تخفيف القيود الحالية التي تعرقل الحصول على تأشيرة دخول وقواعد جمع شمل الأسرة للسوريين، وإصدار التأشيرات الإنسانية من خلال السفارات في البلدان المجاورة.

فيضان 
بدأت هجرة السكان من سوريا بأعداد هزيلة في النصف الأخير من عام 2011، ثم تحولت إلى تدفق مستمر في عام 2012، ثم إلى إلى فيضان في عام 2013. وتشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى فرار 5 آلاف سوري من بلدهم يومياً في المتوسط، وإلى أنه بحلول منتصف سبتمبر، كان حوالي 2.1 مليون سوري يعيشون كلاجئين، معظمهم في البلدان المجاورة. وقد استوعب لبنان وحده 752 ألف لاجئ سوري، بينما قبل الأردن وتركيا والعراق ومصر دخول مئات الآلاف من السوريين أيضاً. 

وتقول الحكومة التركية أنها أنفقت 2 مليار دولار للاستجابة لتدفق اللاجئين من سوريا، في حين أنفق الأردن مبلغاً مماثلاً خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2013 فقط. وتوقع تقرير حديث للبنك الدولي أن يكون الصراع وموجات اللجوء التي نتجت عنه قد ضاعفت معدل البطالة في لبنان، وخفضت نمو الناتج المحلي الإجمالي، وفرضت ضغوطاً على نظم الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي حتى أوصلتها إلى نقطة الانهيار.

ترك تعليق

التعليق