قصص وآراء..."اقتصاد" ترصد أوضاع السوريين في مصر (2-2)

تبقى مصرمناسبة للسوريين الذين لا يملكون قدرات الصمود المالي في بلدان أغلى معيشة

موقف الشارع المصري حيال الفلسطينيين أكثر سلبية

إن كان السوريّ يراهن على العمل كالمصريين والعيش مثلهم، فهو سيتعب كثيراً.

الطبقة الوسطى العليا غزت بكثرة مدينة الرحاب الراقية في ضواحي القاهرة


"محروء قلبي بعد ما ضاعت سنتين من حياتي وكل رفقاتي صاروا بالجامعة"
بهذه العبارات المُشبعة بالمرارة يروي لنا "نجيب" ابن الـ 19 سنة ظروف حياته في منطقة "زايد" قرب القاهرة، بعد أكثر من سنة على مغادرته الأراضي السورية.

"نجيب" مثله مثل عشرات آلاف المراهقين الذين دفعوا أثمانا معنوية غالية جراء الحرب الدائرة في البلاد، فقرر والده أن يترك سوريا بعد أن فقدَ عمله، وبدأ يشعر ببعض التهديدات الأمنية جراء مواقف موالية للثورة سبق أن اتخذها في البدايات.

خسر "نجيب" جراء ذلك الصُحبة والثانوية الزاخرة بالمعارف والحي القديم الذي تربى فيه وتدرج خلال سنوات طفولته. كان في الحادي عشر العلمي حينما قرر والده أن يترك البلاد باتجاه مصر، وحينما وصلوا هنا تعرضت كل مخططات الوالد للانتكاس، ولم يستطع ترتيب العمل الذي خطط له، فقد اكتشف أن حساباته المالية لم تكن دقيقة، وصرف جزءاً كبيراً من مدخراته على رحلة السفر واستئجار الشقة وفرشها وتأمين مستلزمات الاستقرار، فاضطر الابن المراهق للاستغناء عن فكرة الالتحاق بالمدرسة لعامٍ على الأقل، أو هكذا ظن، واتجه للعمل، ليكتشف لاحقاً أن خط الدراسة بات بعيداً عنه، بسبب حاجة الأسرة لعمله، وحاجته هو نفسه لأن يعمل كي لا يثقل كاهل والده بمسؤوليته المالية.

العمل في العتالة

عمل "نجيب" لفترة في نادٍ رياضي، لكن تغيير مكان سكنهم إلى "زايد" قرب "6 أكتوبر"، مستودع السوريين المكاني قرب القاهرة، أفقده عمله السابق، الجيد نسبياً، فاضطر بعد بحثٍ مضنٍ للعمل في "العتالة"، في معمل للرز والسكر، كل يوم ينزل بـ 8 طن. ويقبض "نجيب" على القطعة، أي بقدر ما "يعتّل" يقبض، وكانت النتيجة أن أصابته آلام حادة في الظهر، وبدأ يخشى على نفسه من الإصابة بالديسك، وقرر في نهاية المطاف أن يترك هذا العمل، بانتظار نادٍ رياضي جديد، من المرتقب أن يُفتتح قرب مكان سكنه، ونال وعداً من صاحبه بأن يشغله لديه.

"كل أصحابي تجاوزوا البكالوريا في ثانويتي القديمة، وأنا خسرت السنة الماضية والسنة الحالية، ولا يبدو لدي أي أفق للالتحاق بالتعليم من جديد".

مشكلة "نجيب" الرئيسية حالياً هي تجديد الإقامة، فلم يجددوها له، لذا يخشى نجيب من التحرك خارج منطقة "زايد"، وإن كان معظم الناس نصحوه بالتسجيل في مدرسة حكومية مصرية، لأن مجرد التسجيل في المدرسة سيكفل له الإقامة دون شك، إلا أنه ما يزال يشعر بالحاجة للعمل، ويخشى أن يُثقل على كاهل والده بمسؤوليات إضافية.

انتهاء صلاحية جواز السفر
"أسامة" حالة أخرى تقترب من حالة "نجيب"، فهو فقد ميزات البيئة الأصيلة التي ولد وترعرع في ظلها، بعد لجوء أهله لمصر، لكن مشكلته عويصة أكثر، فلجوء أهله كانت بغاية الفرار به من الخدمة العسكرية التي كاد أن يُساق إليها. خرج "أسامة" من سوريا "تهريباً"، وبعد وصوله إلى مصر بمدة، انتهت صلاحية جواز سفره، وهو لا يستطيع أن يجدده، لأنه مطلوب للخدمة العسكرية، وبالتالي لن تجدد السفارة السورية جواز سفره، الأمر الذي عقّد إقامته في مصر، فحركته تتم بحذر شديد بين "الكمائن" التي تشبه الحواجز الأمنية المنتشرة بكثافة بين المناطق والمحافظات المصرية، ولأن جواز سفره منتهي الصلاحية، يخشى أن يتقدم لطلب الإقامة فيتم ترحيله، لذا يسعى والده لأن يسفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عبر عمّه، المقيم هناك، والذي يعمل على تأمين منحة تعليمية لابن أخيه، كي يتمكن من جلبه للأراضي الأمريكية، لكنه لم يفلح حتى الآن.

تردي مستويات الدخل

يعاني السوريون في مصر اليوم من مشكلات مرتبطة بتدهور الأوضاع الأمنية وبالتالي الاقتصادية، ومن تردي مستويات الدخل عموماً، فأولئك الذين قدموا إلى مصر دون رأس مال يعينيهم على نوائب الأيام هنا، وأخذوا يبحثون عن فرصة عمل تقييهم الحاجة للجميعات الخيرية، فُجِعوا بالدخول المنخفضة للغاية في مصر.

"حسام" بعد بحثٍ دائم لثلاثة أشهر كان أكبر دخل تحصّل عليه 1200 جنيه مصري (150 دولار)، كان عليه أن يدفع 700 جنيه منها إيجارا للبيت، ما يعني أن عليه أن يحيا بقية الشهر على الكفاف، لذا قرر أخيراً العودة إلى دمشق، مفضلاً صوت القذائف والقصف، واحتمالات الموت المرتبطة بها، وضنك المعيشة في الوطن، على ضنكها وضيقها في الغربة.
ولاء تعمل في روضة للأطفال في الغردقة المصرية، من الساعة 9 صباحاً حتى 8 مساء بمرتب 1000 جنيه فقط، علماً أنها بدأت بمرتب 600 جنيه، لكن نشاطها في العمل دفع أربابه إلى رفع مرتبها ليصبح ألف جنيه.

ويعمل زوج ولاء في مجال السياحة، ليحصد 1400 جنيه. كانت الرواتب في مجال السياحة أفضل قبل الانقلاب وما تلاه من توترات أمنية أدت إلى تراجع أعداد السياح، خُفّض راتب خالد من 2800 إلى 1400 جنيه، يدفعهم كاملين إيجاراً للبيت، ليعتمد على راتب ولاء (ألف جنيه) في تأمين تكاليف معيشة الشهر في ظروف قاسية من شد الحزام.

ارتياح نسبي للأغنياء
بطبيعة الحال، يختلف المشهد من زاوية أصحاب رؤوس الأموال من السوريين، أو على الأقل، الطبقة الوسطى العليا، التي سبق أن غزت بكثرة مدينة الرحاب الراقية في ضواحي العاصمة المصرية، والتي ارتفعت إيجاراتها لتصل إلى أكثر من ألف دولار أمريكي شهرياً.

في الغردقة المصرية، التقت "اقتصاد" جلال الذي افتتح مطعماً ومنتزهاً في أرقى أحياء المدينة السياحية المطلة على البحر الأحمر. أخبرنا أنه مرتاح نسبياً هنا، لكنه بسبب التوترات الأمنية والمخاوف من تطورها وتفاقمها، بعيد الانقلاب مطلع الصيف الماضي، أرسل زوجته (يونانية الجنسية) وأولاده إلى اليونان، بصورة مؤقتة، ويتابع هو أعماله هنا.

مشروع جلال في معمله الصغير للحلويات الدمشقية باء بالفشل، ومطعمه، رغم استمراره يواجه مشكلة متعلقة بثقافة الطعام، فالمصريون لا يتقلبون بمجملهم الطعام السوري، وهو يعتمد في مطعمه على طاقم عمل سوري بالمجمل.

يشرح حسن، الشيف الرئيسي في مطعم جلال مشكلتهم الرئيسية: "تختلف المقادير وطريقة الإعداد في الوجبات الرئيسية بين الذوق السائد بين المصريين، وذلك السائد بين السوريين، ولأن زبائننا بين الجنسيتين، بحكم أن منطقة الكوثر التي نحن فيها تتضمن أكبر تجمعٍ للسوريين هنا، بتنا في حيرة، هل نعتمد النمط المصري أم السوري في إعداد الطعام".

قد تكون مشكلة جلال والعاملين السوريين في مطعمه بسيطة مقارنة بسواهم، فقد كان الشارع المار قرب السنترال والمتفرع من شارع الشيراتون الرئيسي في قلب الغردقة، زاخراً بالمطاعم السورية، التي أقفلت جميعها، وبقي منها اثنان صامدان، مطعم للمعجنات وآخر للبوظة والأجبان والألبان.

يقول صاحب المحل الأخير، أيهم: "أفلس الجميع هنا تقريباً، صرفوا كل ما معهم، وجاءت الضائقة التي ترافقت مع أحداث الانقلاب في مصر لتقضي على قدرتهم على الصمود تماماً".

ويضيف أيهم: "كل من جاء إلى هنا برأسمال متواضع فشل، يجب أن يتمتع الشخص بإمكانية مالية متينة للصمود فترة كافية كي يسجّل حضوراً ثابتاً له في السوق".

أيهم ذاته يخبرنا أنه يخشى من الإفلاس أيضاً، فهو يعتمد على السوريين المقيمين في منطقته للتسوق من محله للأجبان والألبان، فالمصريون لا يحبذون بمعظمهم نمط الجبن واللبن المعدّ وفق الطريقة السورية، والسوريون هنا تتناقص أعدادهم، فالممتلئون مالياً منهم يرحلون إلى تركيا، والذين لديهم إمكانية العودة إلى سوريا عادوا بالفعل، ولم يبقَ هنا إلا المضطر، أو من استطاع الاندماج وتأسيس موقع له في السوق أو في مجال عملٍ راسخٍ.

المصريون شعب بسيط وطيب

يلخص أيهم لـ "اقتصاد" رؤيته حول أوضاع السوريين في مصر فيقول: "المصريون شعب بسيط وطيب، ويرحب كثيراً بالغريب ويتقبله بسرعة، لذا فأية مواقف شعبية سلبية تجاه السوريين هي مؤقتة، سرعان ما تزول، فالمصريون يحبون السوريين عموماً، لكن المشكلة هي أن معيشة المصريين ومستويات دخولهم أدنى كثيراً مما تعودنا عليه في سوريا، لذا إن لم يكن لدى السوريّ قدرة للصمود المالي هنا، أو التأسيس لعملٍ راسخٍ، وإن كان يراهن على العمل كالمصريين والعيش مثلهم، فهو سيتعب كثيراً".

لكن وضع الفلسطينيين السوريين يختلف عن وضع السوريين عموماً، فموقف الشارع المصري حيال الفلسطينيين أكثر سلبية، يقول "يعقوب"، وهو فلسطيني سوري مقيم في القاهرة: "لا أقول لأحد أنني فلسطيني، إلا إذا اضطررت، فقد واجهت الكثير من المواقف التي تشجعني على إخفاء هويتي الأصلية، وأذكر أن سائق ميكرو باص سألني مرة إن كنت فلسطيني أم سوري، فقلت له إنني سوري، فقال لي، لو كنت فلسطينياً لأنزلت من الميكرو".
تبقى مصرمناسبة للسوريين الذين لا يملكون قدرات الصمود المالي في بلدان أغلى معيشة
موقف الشارع المصري حيال الفلسطينيين أكثر سلبية
إن كان السوريّ يراهن على العمل كالمصريين والعيش مثلهم، فهو سيتعب كثيراً.
الطبقة الوسطى العليا غزت بكثرة مدينة الرحاب الراقية في ضواحي القاهرة

"محروء قلبي بعد ما ضاعت سنتين من حياتي وكل رفقاتي صاروا بالجامعة"
بهذه العبارات المُشبعة بالمرارة يروي لنا "نجيب" ابن الـ 19 سنة ظروف حياته في منطقة "زايد" قرب القاهرة، بعد أكثر من سنة على مغادرته الأراضي السورية.

"نجيب" مثله مثل عشرات آلاف المراهقين الذين دفعوا أثمانا معنوية غالية جراء الحرب الدائرة في البلاد، فقرر والده أن يترك سوريا بعد أن فقدَ عمله، وبدأ يشعر ببعض التهديدات الأمنية جراء مواقف موالية للثورة سبق أن اتخذها في البدايات.

خسر "نجيب" جراء ذلك الصُحبة والثانوية الزاخرة بالمعارف والحي القديم الذي تربى فيه وتدرج خلال سنوات طفولته. كان في الحادي عشر العلمي حينما قرر والده أن يترك البلاد باتجاه مصر، وحينما وصلوا هنا تعرضت كل مخططات الوالد للانتكاس، ولم يستطع ترتيب العمل الذي خطط له، فقد اكتشف أن حساباته المالية لم تكن دقيقة، وصرف جزءاً كبيراً من مدخراته على رحلة السفر واستئجار الشقة وفرشها وتأمين مستلزمات الاستقرار، فاضطر الابن المراهق للاستغناء عن فكرة الالتحاق بالمدرسة لعامٍ على الأقل، أو هكذا ظن، واتجه للعمل، ليكتشف لاحقاً أن خط الدراسة بات بعيداً عنه، بسبب حاجة الأسرة لعمله، وحاجته هو نفسه لأن يعمل كي لا يثقل كاهل والده بمسؤوليته المالية.

العمل في العتالة
عمل "نجيب" لفترة في نادٍ رياضي، لكن تغيير مكان سكنهم إلى "زايد" قرب "6 أكتوبر"، مستودع السوريين المكاني قرب القاهرة، أفقده عمله السابق، الجيد نسبياً، فاضطر بعد بحثٍ مضنٍ للعمل في "العتالة"، في معمل للرز والسكر، كل يوم ينزل بـ 8 طن. ويقبض "نجيب" على القطعة، أي بقدر ما "يعتّل" يقبض، وكانت النتيجة أن أصابته آلام حادة في الظهر، وبدأ يخشى على نفسه من الإصابة بالديسك، وقرر في نهاية المطاف أن يترك هذا العمل، بانتظار نادٍ رياضي جديد، من المرتقب أن يُفتتح قرب مكان سكنه، ونال وعداً من صاحبه بأن يشغله لديه.

"كل أصحابي تجاوزوا البكالوريا في ثانويتي القديمة، وأنا خسرت السنة الماضية والسنة الحالية، ولا يبدو لدي أي أفق للالتحاق بالتعليم من جديد".

مشكلة "نجيب" الرئيسية حالياً هي تجديد الإقامة، فلم يجددوها له، لذا يخشى نجيب من التحرك خارج منطقة "زايد"، وإن كان معظم الناس نصحوه بالتسجيل في مدرسة حكومية مصرية، لأن مجرد التسجيل في المدرسة سيكفل له الإقامة دون شك، إلا أنه ما يزال يشعر بالحاجة للعمل، ويخشى أن يُثقل على كاهل والده بمسؤوليات إضافية.

انتهاء صلاحية جواز السفر
"أسامة" حالة أخرى تقترب من حالة "نجيب"، فهو فقد ميزات البيئة الأصيلة التي ولد وترعرع في ظلها، بعد لجوء أهله لمصر، لكن مشكلته عويصة أكثر، فلجوء أهله كانت بغاية الفرار به من الخدمة العسكرية التي كاد أن يُساق إليها. خرج "أسامة" من سوريا "تهريباً"، وبعد وصوله إلى مصر بمدة، انتهت صلاحية جواز سفره، وهو لا يستطيع أن يجدده، لأنه مطلوب للخدمة العسكرية، وبالتالي لن تجدد السفارة السورية جواز سفره، الأمر الذي عقّد إقامته في مصر، فحركته تتم بحذر شديد بين "الكمائن" التي تشبه الحواجز الأمنية المنتشرة بكثافة بين المناطق والمحافظات المصرية، ولأن جواز سفره منتهي الصلاحية، يخشى أن يتقدم لطلب الإقامة فيتم ترحيله، لذا يسعى والده لأن يسفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عبر عمّه، المقيم هناك، والذي يعمل على تأمين منحة تعليمية لابن أخيه، كي يتمكن من جلبه للأراضي الأمريكية، لكنه لم يفلح حتى الآن.

تردي مستويات الدخل
يعاني السوريون في مصر اليوم من مشكلات مرتبطة بتدهور الأوضاع الأمنية وبالتالي الاقتصادية، ومن تردي مستويات الدخل عموماً، فأولئك الذين قدموا إلى مصر دون رأس مال يعينيهم على نوائب الأيام هنا، وأخذوا يبحثون عن فرصة عمل تقييهم الحاجة للجميعات الخيرية، فُجِعوا بالدخول المنخفضة للغاية في مصر.

"حسام" بعد بحثٍ دائم لثلاثة أشهر كان أكبر دخل تحصّل عليه 1200 جنيه مصري (150 دولار)، كان عليه أن يدفع 700 جنيه منها إيجارا للبيت، ما يعني أن عليه أن يحيا بقية الشهر على الكفاف، لذا قرر أخيراً العودة إلى دمشق، مفضلاً صوت القذائف والقصف، واحتمالات الموت المرتبطة بها، وضنك المعيشة في الوطن، على ضنكها وضيقها في الغربة.
ولاء تعمل في روضة للأطفال في الغردقة المصرية، من الساعة 9 صباحاً حتى 8 مساء بمرتب 1000 جنيه فقط، علماً أنها بدأت بمرتب 600 جنيه، لكن نشاطها في العمل دفع أربابه إلى رفع مرتبها ليصبح ألف جنيه.

ويعمل زوج ولاء في مجال السياحة، ليحصد 1400 جنيه. كانت الرواتب في مجال السياحة أفضل قبل الانقلاب وما تلاه من توترات أمنية أدت إلى تراجع أعداد السياح، خُفّض راتب خالد من 2800 إلى 1400 جنيه، يدفعهم كاملين إيجاراً للبيت، ليعتمد على راتب ولاء (ألف جنيه) في تأمين تكاليف معيشة الشهر في ظروف قاسية من شد الحزام.

ارتياح نسبي للأغنياء
بطبيعة الحال، يختلف المشهد من زاوية أصحاب رؤوس الأموال من السوريين، أو على الأقل، الطبقة الوسطى العليا، التي سبق أن غزت بكثرة مدينة الرحاب الراقية في ضواحي العاصمة المصرية، والتي ارتفعت إيجاراتها لتصل إلى أكثر من ألف دولار أمريكي شهرياً.

في الغردقة المصرية، التقت "اقتصاد" جلال الذي افتتح مطعماً ومنتزهاً في أرقى أحياء المدينة السياحية المطلة على البحر الأحمر. أخبرنا أنه مرتاح نسبياً هنا، لكنه بسبب التوترات الأمنية والمخاوف من تطورها وتفاقمها، بعيد الانقلاب مطلع الصيف الماضي، أرسل زوجته (يونانية الجنسية) وأولاده إلى اليونان، بصورة مؤقتة، ويتابع هو أعماله هنا.

مشروع جلال في معمله الصغير للحلويات الدمشقية باء بالفشل، ومطعمه، رغم استمراره يواجه مشكلة متعلقة بثقافة الطعام، فالمصريون لا يتقلبون بمجملهم الطعام السوري، وهو يعتمد في مطعمه على طاقم عمل سوري بالمجمل.

يشرح حسن، الشيف الرئيسي في مطعم جلال مشكلتهم الرئيسية: "تختلف المقادير وطريقة الإعداد في الوجبات الرئيسية بين الذوق السائد بين المصريين، وذلك السائد بين السوريين، ولأن زبائننا بين الجنسيتين، بحكم أن منطقة الكوثر التي نحن فيها تتضمن أكبر تجمعٍ للسوريين هنا، بتنا في حيرة، هل نعتمد النمط المصري أم السوري في إعداد الطعام".

قد تكون مشكلة جلال والعاملين السوريين في مطعمه بسيطة مقارنة بسواهم، فقد كان الشارع المار قرب السنترال والمتفرع من شارع الشيراتون الرئيسي في قلب الغردقة، زاخراً بالمطاعم السورية، التي أقفلت جميعها، وبقي منها اثنان صامدان، مطعم للمعجنات وآخر للبوظة والأجبان والألبان.

يقول صاحب المحل الأخير، أيهم: "أفلس الجميع هنا تقريباً، صرفوا كل ما معهم، وجاءت الضائقة التي ترافقت مع أحداث الانقلاب في مصر لتقضي على قدرتهم على الصمود تماماً".

ويضيف أيهم: "كل من جاء إلى هنا برأسمال متواضع فشل، يجب أن يتمتع الشخص بإمكانية مالية متينة للصمود فترة كافية كي يسجّل حضوراً ثابتاً له في السوق".

أيهم ذاته يخبرنا أنه يخشى من الإفلاس أيضاً، فهو يعتمد على السوريين المقيمين في منطقته للتسوق من محله للأجبان والألبان، فالمصريون لا يحبذون بمعظمهم نمط الجبن واللبن المعدّ وفق الطريقة السورية، والسوريون هنا تتناقص أعدادهم، فالممتلئون مالياً منهم يرحلون إلى تركيا، والذين لديهم إمكانية العودة إلى سوريا عادوا بالفعل، ولم يبقَ هنا إلا المضطر، أو من استطاع الاندماج وتأسيس موقع له في السوق أو في مجال عملٍ راسخٍ.

المصريون شعب بسيط وطيب
يلخص أيهم لـ "اقتصاد" رؤيته حول أوضاع السوريين في مصر فيقول: "المصريون شعب بسيط وطيب، ويرحب كثيراً بالغريب ويتقبله بسرعة، لذا فأية مواقف شعبية سلبية تجاه السوريين هي مؤقتة، سرعان ما تزول، فالمصريون يحبون السوريين عموماً، لكن المشكلة هي أن معيشة المصريين ومستويات دخولهم أدنى كثيراً مما تعودنا عليه في سوريا، لذا إن لم يكن لدى السوريّ قدرة للصمود المالي هنا، أو التأسيس لعملٍ راسخٍ، وإن كان يراهن على العمل كالمصريين والعيش مثلهم، فهو سيتعب كثيراً".

لكن وضع الفلسطينيين السوريين يختلف عن وضع السوريين عموماً، فموقف الشارع المصري حيال الفلسطينيين أكثر سلبية، يقول "يعقوب"، وهو فلسطيني سوري مقيم في القاهرة: "لا أقول لأحد أنني فلسطيني، إلا إذا اضطررت، فقد واجهت الكثير من المواقف التي تشجعني على إخفاء هويتي الأصلية، وأذكر أن سائق ميكرو باص سألني مرة إن كنت فلسطيني أم سوري، فقلت له إنني سوري، فقال لي، لو كنت فلسطينياً لأنزلت من الميكرو".

عموماً، تبقى مصر، حسب أيهم ويعقوب وآخرين ممن حاورناهم، مناسبة للكثير من السوريين الذين لا يملكون قدرات الصمود المالي في بلدان أغلى معيشة، ناهيك عن أن تقبل المصريين شعبياً للسوريين ما يزال أفضل مقارنة ببلدان أخرى كلبنان والأردن، لذا يبدو أن على أكثر من 200 ألف لاجئ سوري في مصر، حسب الأرقام الرسمية، التأقلم مع المجتمع المصري وظروفه السياسية والاقتصادية والمعيشية، خاصة أن أفق العودة إلى البلاد يبدو بعيد المنال، على المدى القريب على الأقل، حتى الآن.


بحث

قصص وآراء..."اقتصاد" ترصد أوضاع السوريين في مصر (1-2)

يعاني السوريون بصورة كبيرة من سوء سويّة التدريس في المدارس الحكومية المصرية مدارس اللغات الخاصة أسعارها عالية نسبياً فالقسط في معظمها لا يقلّ عن ألف دولار ليس التعليم هو أكبر مشكلات السوريين بل نيل .. المزيد






ترك تعليق

التعليق