موسم جديد للخيام في "عرسال" بعد الهجوم على قارة واللاجئون السوريون أكثر من سكان البلدة

بدوية : نعيش على التسول لكن لن نرجع إلى سوريا ما لم يرحل بشار 
 
في شوارع عرسال الواقعة في شرق لبنان على الحدود مع سوريا، تصادف سوريين أكثر من اللبنانيين، كل منزل من منازل البلدة يستضيف عائلة سورية أو أكثر، وفي بؤر متفرقة من أرضها نبتت عشرات المخيمات الصغيرة التي تضم آلاف اللاجئين.

ويقول عضو المجلس البلدي في عرسال وفيق خلف وهو يشير إلى مخيم جديد نشأ قبل عشرين يوما تقريبا ويضم حوالى خمسين خيمة "لم تعد لدينا أمكنة تتسع للنازحين في المنازل. استضفنا العدد الأكبر من القادمين الجدد في خيم مستحدثة وفي صالتي أفراح وفي مساجد".

وبحسب الأمم المتحدة، يبلغ عدد سكان البلدة حوالى 35 ألف شخص، انضم إليهم منذ بدء الأزمة في سوريا في منتصف آذار/مارس 2011، اكثر من 25 ألف سوري، بينهم ستة آلاف وصلوا منذ 15 تشرين الثاني/نوفمبر، مع بدء الهجوم على بلدة قارة في ريف دمشق.

إلا أن البلدية تؤكد أن هناك الآلاف الآخرين من اللاجئين في البلدة لم يتسجلوا، وأن العدد الإجمالي للاجئين يفوق عدد سكان عرسال.

ويشكل هذا الوجود عبئا ثقيلا على البلدة، كما بالنسبة إلى وجود أكثر من 800 ألف لاجىء سوري في كل لبنان، البلد ذي الموارد المحدودة والتركيبة السياسية الهشة. 
ولا تقتصر تداعيات النزاع السوري على الشق الاقتصادي، بل تتعداه إلى توترات أمنية متنقلة وخطيرة كان آخرها أمس الثلاثاء تفجيران انتحاريان في الضاحية الجنوبية لبيروت حصدا 23 قتيلا وحوالى 150 جريحا.
وكما السكن، كذلك تضيق الموارد. في المخيمات المستحدثة، لا كميات كافية من الماء والكهرباء، ولا متطلبات الحياة الأساسية.

وتقول بدوية عبده (37 عاما) "لدي سبعة أولاد. زوجي استشهد في سوريا في قذيفة، وشقيقي استشهد أثناء قتاله مع الجيش الحر. أحتاج إلى ملابس لأولادي، إلى مأوى لا تدخل إليه مياه الأمطار. نركض من مكتب مساعدات إلى آخر لنشحذ الطعام، وننتظر ربطة الخبز التي توزع علينا".

على باب بلدية عرسال، تم تعليق ورقة كتب عليها: "أيها الإخوة النازحون، يرجى عدم استخدام الكهرباء لإشعال الدفايات والاكتفاء بضوء واحد في الغرفة تحت طائلة قطع التيار الكهربائي".

ويوضح البيان أن كمية الكهرباء التي تصل إلى البلدة لا تكفي جميع سكانها المتعاظم عددهم، وأن التعليق على الخطوط يولد أعطالا وانقطاعات في التيار.

وتقول ليلى المنقبة فوق فستان أحمر طويل "كل 20 خيمة لديها حمام واحد، وكل خيمة فيها أحيانا أكثر من عائلة. كل أسبوع يأتي دور فرد في العائلة للاستحمام. وندفع ثمن المياه التي تنقل إلينا بالخزانات وهي غير نظيفة".

داخل كل خيمة سجادة وفرش وبطانيات... وبعض الأدوات المطبخية.

وتقول آمنة (40 عاما) وهي تجلس أرضا تقشر البطاطا "لم نذق طعم اللحم منذ وصلنا".
في حي البابير، وقفت طوابير طويلة من النساء والرجال جاؤوا لتسجيل عائلاتهم لدى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وقالت ممثلة الأمم المتحدة في بيروت نينيت كيلي لوكالة فرانس برس خلال تفقدها المركز "إنه وضع صعب جدا. هؤلاء الناس اضطروا إلى مغادرة بلدهم بشكل غير متوقع ووصلوا إلى هنا من دون أي شيء. يحتاجون إلى مساعدة سريعة، إلى طعام ومأوى وبطانيات. نبذل كل ما في وسعنا ليحصلوا على الدعم اللازم".

وأضافت أن المفوضية تعمل أيضا على مساعدة العائلات اللبنانية التي تستضيف السوريين، مضيفة "لبنان يعاني، اللبنانيون يعانون، واللاجئون يعانون بدرجة أكبر".

المرارة بادية على كل وجوه الواقفين في الطوابير أو الجالسين يستمعون إلى شابات يعملن مع الأمم المتحدة ومع عدد من المنظمات الدولية الأخرى في حملة التسجيل والدعم، ويعطين الإرشادات حول كيفية تسليم المساعدات.
البعض يرفض أن يتم التقاط صور له: "أرجوكم، كفانا إذلالا"، تقول إحدى السيدات والدموع في عينيها.

وتحمل أخرى، أمل (45 عاما)، بطاقتها الثمينة، وتقول قبل أن تغادر المكان بمرارة "نسكن تحت الدرج لدى عائلة عرسالية. نحن عشرة أشخاص مع زوجي وأولادي وبينهم ابنتان متزوجتان وأحفادي. كل ما أتمناه أن 
نعود إلى وطننا
العائلات العرسالية تستضيف زوارها من دون تذمر، علما أن معظم سكان البلدة من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة حتى، يعملون في الكسارات والزراعة.

ويقول خلف "نحن متضامنون مع جيراننا وأهلنا. استقبالهم واجب، بيننا وبينهم صداقات وعلاقات عائلية واجتماعية".

ويبدي خشيته بعد سقوط قارة أمس الأربعاء، من مواصلة جيش  النظام السوري هجومه على منطقة القلمون الحدودية مع لبنان، ما قد يحمل الآلاف الآخرين على النزوح.

قبل الحرب السورية، كان تهريب السلع على اختلافها عبر الحدود أحد الموارد الأساسية لسكان عرسال. طرق التهريب اليوم باتت طرق النجاة الوحيدة لآلاف السوريين الهاربين من جحيم القصف والحرب، وهي طرق وعرة غير قانونية ممتدة على مسافة حوالى ستين كيلومترا.

ويقول محمد الجاسم قرب مخيم آخر جديد تقوم مجموعة من الشبان والرجال السوريين بصب الاسمنت وتركيز الأخشاب فيه لنصب الخيم "منذ السبت أنام وزوجتي الستينية في السيارة"، مشيرا إلى شاحنة صغيرة متوقفة في المكان.

ويروي قصة هروبه مع زوجته "من القصير (في ريف حمص، سقطت في حزيران/يونيو)، وصولا إلى قارة. نهرب لأن هناك مطلوبين في كل عائلاتنا. النظام يعتبرنا إرهابيين".

في بلدة سنية متعاطفة بغالبيتها مع المعارضة السورية، لا يجد اللاجئون مشكلة في التعبير عن رأيهم السياسي.
وتقول بدوية "خسرنا، تعرضنا للإذلال، نعيش على التسول، لكن لن نرجع إلى سوريا ما لم يرحل بشار الأسد".

ترك تعليق

التعليق