في جزءٍ أولٍ من حوارٍ شاملٍ...د. أسامة قاضي يتحدث لـ "اقتصاد" عن حكومة المعارضة

الغرض من وجود حكومة سورية مؤقتة هو السعي ما أمكن لتنظيم الفوضى الإغاثية والعسكرية.

وصول دعم الأشقاء القطريين مؤخراً للحكومة المؤقتة، والأمل بقرب وصول دعم بقية الأشقاء والأصدقاء، سيبث الروح في وجود الحكومة على الأرض.

وحدة تنسيق الدعم هامة للغاية كونها الذراع الإغاثي الرئيسي للمعارضة السورية.

لازال وزير الدفاع يعمل ما بوسعه من جهد لحشد الدعم لوزارة الدفاع.

لو استطاعت الحكومة السيطرة مبدئياً على نصف المعابر ونصف آبار النفط، وتسييرها بشفافية، فإن الشعب السوري سيصله مبالغ تكفي حاجته الإغاثية والثورية في الحد الأدنى.

 

يحتل مواقع عديدة حيوية في المجالين الاقتصادي والإغاثي السوري، ويلعب أدوراً مفصليةً في ملفي التنظير الاقتصادي لمستقبل سوريا، وتشبيك العلاقات مع المهتمين الإقليميين والدوليين في اقتصاد بلادنا المستقبلي، مما يُوحي بقدرته العالية على تعبئة إمكاناته ومعارفه وخبراته في خدمة الثورة السورية التي اختار الانتظام في صفوف داعمييها والفاعلين فيها منذ مراحلها الأولى.


د.أسامة قاضي، مساعد رئيس الحكومة السورية المؤقتة للشؤون الاقتصادية، التي يترأسها الدكتور أحمد طعمة. وفي الوقت نفسه، الرئيس التنفيذي لوحدة تنسيق الدعم الإغاثي والإنساني التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة. وهو يترأس أيضاً "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" في الإمارات العربية المتحدة، التي تنكب منذ أكثر من سنة على إعداد الخارطة الاقتصادية لسوريا المستقبل. كما ويترأس المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن. وهو المسؤول السوري عن مجموعة الإصلاح الاقتصادي والقطاع الخاص بالتنسيق مع مجموعة "أصدقاء سوريا".

في سيرته الذاتية، ساهم د.أسامة قاضي في تأسيس عدة فرق مسرحية وأخرج بعضها ومثّل في أخرى في كندا والولايات المتحدة، وكان لديه برنامج إذاعي في ولاية ميشغان الأمريكية لمدة سنتين، كما درّس في جامعاتها علم الاقتصاد، ولديه العديد من المؤلفات كاتباً ومحرراً، وساهم مع منظمات الأمم المتحدة في كتابة أكثر من تقرير، وحاز على جائزة دار سعاد الصباح للإبداع العلمي عام 1994.

ترأس أسامة قاضي كل الوفود في المؤتمرات الاقتصادية الدولية الخاصة بسوريا منذ اندلاع الثورة، مما أكسبه خبرة عملية كبيرة، وشبكة علاقات واسعة، الأمر الذي دفع إلى ترشيح اسمه بقوة لرئاسة الحكومة المؤقتة، مرتين، لكنه اعتذر، وهو مستقل سياسياً، ولم ينتسب لأي حزبٍ في حياته. معروف بأنه محافظ سياسياً، وليبرالي اقتصادياً.

حظيت "اقتصاد" بحيزٍ من وقته المزدحم بصورة هائلة، وأجرت معه حواراً شاملاً حول رؤيته في العديد من الملفات التي يعدّ من الفاعلين الرئيسيين فيها. وتم اتخاذ القرار بنشر الحوار في جزئين، سنعرض في الجزء الأول منه المحاور المتعلقة بالحكومة السورية المؤقتة، بكل ما تُثيره من جدل، حول جدواها، وتمويلها، وفاعليتها، وأداء مسؤولييها، ومدى ضرورتها لتحقيق أهداف الثورة.

نص الحوار


الغرض من حكومة المعارضة

* يصف البعض المهمات المُلقاة على عاتق حكومة المعارضة المؤقتة بالمهمات المستحيلة، في ظل ظروف صعبة منها ضرورات العمل من خارج البلاد، وبالتالي ضعف التواصل مع الواقع، والفوضى الميدانية، وتعدد الجهات المسلحة الفاعلة على الأرض وتنوع رؤاها بتنوع داعميها ومموليها، ومحدودية التمويل المقدّم لحكومة المعارضة مقابل المهام الجسام المُنتظرة منها، ناهيك عن انحصار النفوذ العملي للمؤسسات الممثلة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، على أرض الواقع السوري....أمام كل ما سبق من وقائع وظروف...ما الغرض من الحكومة السورية المؤقتة، من وجهة نظرك؟


إن الغرض من وجود حكومة سورية مؤقتة هو السعي ما أمكن لتنظيم الفوضى الإغاثية والعسكرية، ومساعدة الدول الصديقة للتعامل مع أشخاص محددين في القطاعات الاقتصادية والإغاثية المختلفة. فقد أثمرت سنون الثورة عن ظهور العديد من الجهات التي حاولت، مشكورةً، التصدي للفراغ الإغاثي والإنساني والعسكري، مما تسبب بفوضى في التعامل مع المجالس المحلية للمحافظات، وكذلك التعامل مع المنظمات الكثيرة. بينما مع وجود حكومة أصبح التعامل مع وزارة الإدارة المحلية، وأصبح أي دعم يتم من خلال الوزارة. ولا يكتمل عمل الوزارة حتى تستطيع تأمين رواتب للعاملين في مجالس المحافظات والمدن، بحيث تظل مرجعية المجالس للوزارة، لأن أكثر ما نحتاجه اليوم أمام الفوضى القائمة هو نوع مقبول من الإدارة المركزية توطّن مفهوم الدولة بعد أن كادت تتشظى.

مبررات المراهنة على الحكومة المؤقتة

* يعتقد البعض بأن المُراهنة على أهمية ودور حكومة المعارضة المؤقتة لم تكن في مكانها، وأن نفوذها العملي على أرض الواقع، وُلد ميتاً، مما يدفع الكثيرين إلى الاستغراب حول مبررات تحمس البعض لهذه المؤسسة التي تُضيف أعباء مالية وسياسية على كاهل المعارضة السورية، دون أن تُؤسس على مقومات تجعلها قادرة على تحقيق المُهام المُنتظرة منها....كيف تقيّم هذه القراءة في رأيك؟

لاشك أن الحكومة السورية المؤقتة ولدت متأخرة أكثر من سنة، وأن ولادتها كانت عسيرة، وأن توقيت ولادتها قبيل محادثات جنيف زاد من صعوبة عملها وأخّر دعم الأصدقاء لها ظناً منهم بأنها قد تكون عثرة في وجه المفاوضات. لكن أعتقد أن وصول دعم الأشقاء القطريين مؤخراً للحكومة المؤقتة، والأمل بقرب وصول دعم بقية الأشقاء والأصدقاء، سيبث الروح في وجود الحكومة على الأرض، بعد التعقيدات العسكرية الأخيرة. وأحب أن أؤكد أن رمزية وجود حكومة يعزز ويدعم الثورة، حيث إن الحكومات ترغب في التعامل مع رمزية الحكومة، خذ على سبيل المثال الإخوة الأتراك أصدروا قانوناً يمنع تصدير النفط السوري إلا بموافقة وزارة النفط في الحكومة المؤقتة، ما دعا بعض الشركات للتواصل مع الحكومة المؤقتة لهذا الغرض، مما سيدرّ دخلاً على الثورة يدعم صمودها وينظّم الفوضى القائمة، وكان هناك وعد سابق من الأشقاء القطريين برفع تجميد الأموال التابعة للنظام السوري الموجودة في المصارف القطرية في حال تشكل حكومة مؤقتة، ولو تم ذلك فسيعطي دفعة هائلة للحكومة المؤقتة.

الأدوار المُنتظرة من حكومة المعارضة

* بحكم موقعك الحالي، كمساعد لرئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية، والرئيس التنفيذي لوحدة تنسيق الدعم في الائتلاف، فإن ذلك يعني أنك مقتنع بجدوى وأهمية هذه المؤسسة –الحكومة- في المساهمة بتحقيق تطلعات الشعب السوري ببناء سوريا موحدة وقوية تمثّل جميع السوريين، وترتقي فيها قيم الحرية وتداول السلطات عالياً لتكون أساساً ترتكز عليه، فهل يمكن لك أن توضح لنا، من وجهة نظرك، ما الأدوار المُنتظرة من حكومة المعارضة في الظرف الراهن من تاريخ السوريين؟

يأتي على رأس أولويات الحكومة السورية المؤقتة تنظيم عمل الإغاثة من خلال وزارة الإدارة المحلية، وتأمين الاكتفاء الذاتي ما أمكن من خلال استلام ملفي النفط والمعابر، وهذا ما يتم العمل عليه، وأعتقد أن الأيام القادمة ستشهد تطوراً لافتاً في هذين الملفين بعد الوصول لتفاهمات مقبولة جداً مع مسيري المعابر ومعظم القوى التي تقع آبار النفط تحت سيطرتها.
إضافة إلى أن وحدة تنسيق الدعم ضبطت مسنناتها على مسننات الحكومة، بحيث بات التنسيق على أعلى مستوى، من حيث عرض المشاريع القادمة للوحدة على الوزراء المختصين، للتأكد من تناغمها مع رؤيتهم الاستراتيجية للقطاع، وهذا الانسجام بين عمل الوحدة والحكومة بقيادة الائتلاف أظهر المعارضة في أقوى صور التماسك ووحدة الصف نحو خدمة أهلنا، والتي أول ما تجلت في مؤتمر كوريا الأخير لأصدقاء الشعب السوري، حيث قمنا بشرح العلاقة بين الحكومة والوحدة، الأمر الذي لاقى ترحيباً كبيراً من أكثر من سبعين دولة حاضرة.
أعتقد أن وحدة تنسيق الدعم هامة للغاية كونها الذراع الإغاثي الرئيسي للمعارضة السورية، والحفاظ عليه وتقوية علاقته مع المنظمات الدولية ضروري للغاية، لإغاثة شعبنا المنكوبين.

وأدعو الأصدقاء في الائتلاف وخاصة وفد مفاوضات جنيف أن يطلبوا من الأمم المتحدة رسمياً في الجولة الثانية من المفاوضات اعتبار وحدة تنسيق الدعم جسماً معترفاً به من الأمم المتحدة، ينسّق لدخول الإغاثات للداخل السوري بدل أن تحصر الأمم المتحدة صرف المعونات المتعهد بتقديمها في مؤتمر الكويت فقط عن طريق النظام السوري والهلال الأحمر السوري الذي يقع تحت سيطرة النظام، والذي لايملك من أمره شيئاً أمام تعنت الأجهزة الأمنية التي تجوّع أهلنا في المناطق المحاصرة وتقتلهم جوعاً. من حق الشعب السوري أن يحصل على المعونات المخصصة للشعب السوري.

الرهان على وزارة الدفاع

* هل من استراتيجية اقتصادية واضحة لديكم حيال كيفية التعامل مع واقع المناطق المحررة في سوريا، معيشياً واقتصادياً؟، هل يمكن أن توجزها لنا؟

لقد وضع الوزراء، كلٌّ في قطاعه، رؤية استراتيجية عملية ما أمكن للتعامل مع المناطق المحررة، ولكن التعقيدات العسكرية الدينامية أخّرت الكثير من المشاريع، ما وضع عبئاً كبيراً على وزارة الدفاع التي لازالت تسعى لدعم دولي لتنظيم العمل العسكري، وتأخّر دعمها ينعكس سلباً على وصول المساعدات من جهة، وعلى ترتيب البيت الداخلي السوري على الأرض من جهة أخرى. ولازال وزير الدفاع يعمل ما بوسعه من جهد لحشد الدعم لوزارة الدفاع، وهو ملف معقّد بشكل كبير، وتتداخل فيه قوى إقليمية كبيرة، وليس من السهل فكفكة عقده، ولكنني واثق أنه طالما وُجدت الوزارة فإنه سيأتي يوم – ولعله قريب- تقتنع فيه الدول الشقيقة والصديقة أن تنظيم العمل العسكري عن طريق الوزارة هو الطريق الوحيد الأكثر جدوى باتجاه ضبط الفوضى وتحقيق أجواء ملائمة لتأمين الإغاثات للمناطق المحررة والمحاصرة، فبدون تحقيق حد أدنى من الأمن والتنظيم المسلح على الأرض سيظل عمل الحكومة قاصراً ومتعثراً.

التفاؤل بتعنت النظام في جنيف

* هل حظيت حكومة المعارضة، في تقديرك، بالتمويل المطلوب الذي يمكّنها من أداء أعمالها بالصورة التي تأملها؟

للأسف لم تحظ بالدعم المطلوب، ولكن بدأت بشائر دعم الأشقاء تظهر، ولعل زخمها سيكون كبيراً في المراحل القادمة، والحكومة تحتاج في الحد الأدنى 200 مليون دولار شهرياً، كي تستطيع خلق نوع من الإدارة المركزية، وهذا لم يتحقق بعد، ولكن الحكومة متفائلة بأن تعنت النظام في جنيف سيجعل أصدقاء الشعب السوري أكثر حماساً لتقوية شوكة الحكومة المؤقتة كأداة تنفيذية لسياسات الائتلاف، ودعم وحدة تنسيق الدعم لإغاثة الشعب السوري المنكوب.

معادلة "نصف المعابر ونصف آبار النفط"

* هل يمكن أن يكون للاقتصاد دور فاعل في تعزيز قدرات حكومة المعارضة على فرض نفوذها في الداخل السوري بالصورة المأمولة؟، أم العكس؟ وكيف ذلك؟

لعله من نافلة القول أنه ليس بالشعارات يحيا الإنسان، والوعود والآمال لا تنقذ مريضاً أو تغيث ملهوفاً، إنما بحجم الدعم المادي والعيني العملي الذي يصل الداخل السوري، لذا فإن الاقتصاد هو محرك الثورة، فلو استطاعت الحكومة بالتعاون مع القوى على الأرض ودعم وزارة الدفاع والداخلية السيطرة مبدئياً على نصف المعابر ونصف آبار النفط، وتسييرها بشفافية، وإيداع الأموال بأمانة لوزارة المالية، وتوزيعها عن طريق وزارة الإدارة المحلية والإغاثة واللاجئين فإن الشعب السوري سيصله مبالغ تكفي حاجته الإغاثية والثورية في الحد الأدنى، وتقوّي شوكة الثورة وصمودها.

ترك تعليق

التعليق