في الجزء الثاني من الحوار...د.أسامة قاضي يفصّل لـ "اقتصاد" في قضايا الإغاثة والفساد والتخطيط

تحديد هوية الوحدة، فهنالك انطباع خاطئ بأنها "وحدة الدعم"، والحقيقة أنها "وحدة تنسيق الدعم".


الشركة التي وقع عليها الاختيار، وبعد التواصل مع أكثر من عشر مؤسسات، بكل فخر، هي شركة سورية مسجّلة في مصر.


تقوم الحكومة بالتعاقد مع هيئة محاسبية تفتيشية كطرف ثالث لمراقبة عملية التصرف المالي للوزارات.

يفضّل التعاقد مع شركات إدارية خاصة لقاء أجر معين، لإدارة بعض شركات القطاع العام.


أنجزنا ثلثي الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة من خلال نشر تسعة تقارير اقتصادية معمّقة كُتبت من قبل كبار الباحثين وأصحاب الخبرات وبتمويل فردي من رجال أعمال وطنيين.


نستعرض في الجزء الثاني من حوارنا مع د.أسامة قاضي تفاصيل ما قام به، مع الفريق العامل، في وحدة تنسيق الدعم الإغاثي والإنساني التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، منذ استلامه لإدارتها التنفيذية، في حوالي ستة أسابيع. ومن ثم نتطرق لقضايا الشفافية المالية لدى مسؤولي الحكومة المؤقتة، وكيفية ضبط آفة الفساد المستشري، إدارياً واقتصادياً، في سوريا المستقبل. وأخيراً نضيء على آخر ما وصلت إليه "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" في جهدها الحثيث للتخطيط لاقتصاد سوريا المستقبل في مختلف القطاعات الحيوية.

نص الحوار:

تفاصيل الأسابيع الستة من حياة وحدة تنسيق الدعم

* في حيثية وحدة تنسيق الدعم الإغاثي والإنساني في الائتلاف، وبعد الجدل الإعلامي الذي طال سمعة هذه المؤسسة وبعض الرموز المحسوبة عليها، باتهامات تطال النزاهة المالية، وأخرى تتحدث عن عدم المسؤولية في إدارة الموارد المالية المحوّلة للوحدة، هل من رؤية واضحة لديك حول كيفية معالجة مشكلات هذه المؤسسة الحيوية للسوريين المنكوبين في الداخل وفي مخيمات اللجوء؟

 

عملياً لقد أوكلت إليّ مهمة إدارة دفة الوحدة تنفيذياً منذ ستة أسابيع تخللها الكثير من العطل، ولكن خلال هذا الوقت القصير قمنا بعدة مسائل أساسية:

أُولها: تحديد هوية الوحدة، فهنالك انطباع خاطئ بأنها "وحدة الدعم"، والحقيقة أنها "وحدة تنسيق الدعم"، وكلمة تنسيق تحتها خطان، بمعنى أن مهمة الوحدة هي أن تصل أصحاب المشاريع التنموية والإغاثية بالجهات المانحة من منظمات دولية وغيرها، يعني الوحدة وحدة تنسيق وليست وحدة دعم مادي، لأن البعض يتصل بالوحدة عندما يكون لديه حاجة مادية أو جريح، بيدَ أن الوحدة لا يمكنها القيام بهذا الدور، فهي قد تساعد مؤسسة طبية ما في إيجاد المانح لدعمها، وتكون الوسيط بينهما، وتقوم بالتوثيق والتقييم في المرحلة اللاحقة. لذا يجد بعض موظفي الوحدة حرجاً في عدم تلبية طلبات إخوتهم آسفين، ولكن طبيعة الوحدة هي: 1) تنسيق بين الداعم والمجالس المحلية والمنظمات الدولية، 2) توثيق وتقييم المشاريع، 3) جمع المعلومات لتقديم تقارير رقمية وتحليلية للمانحين لمعرفة الاحتياجات والأولويات الإغاثية.

ثانياً: قمنا بالتعاقد مع شركة تدقيق خارجي وهي الشركة المحاسبية الأولى في العالم في التدقيق الخارجي، وسنقوم بوضع كل التوثيقات والفواتير وحجم المبالغ التي تم التعامل معها في عام 2013، بمعنى أنها ستدقق أموال الوحدة منذ تأسيسها وليس فقط من وقت استلمت إدارتها التنفيذية، لأن هذا سيبني الثقة مع السوريين ومع المانحين، وسنضع التقرير بيد الهيئة العامة للائتلاف فور انتهائها.

ثالثاً: قمنا بالتعاقد مع شركة موارد بشرية لتقوم بمساعدتنا بشكل موضوعي في اجتذاب أفضل الخبرات السورية في العالم الذين سيساعدوني في إدارة أقسام الوحدة، وكذلك لرفع كفاءة العاملين الحاليين من خلال إعادة هيكلة الوحدة بطريقة تحقق أعلى إنتاجية ممكنة، وإعادة النظر في الأجور المدفوعة وحجم العمالة اللازمة. وأحب أن أسجّل بأن الشركة التي وقع عليها الاختيار وقدّمت أفضل عرض بكل الأصول القانونية، وبعد التواصل مع أكثر من عشرة مؤسسات، بكل فخر، هي شركة سورية مسجّلة في مصر، ليُثبت السوريون أن لديهم كفاءات مهنية تنافس الشركات العالمية.

رابعاً: نقوم بتجهيز الوحدة بنظام إداري إلكتروني يقوم بتحويل الإجراءات الحالية في الوحدة إلى إجراءات إلكترونية, ومن خلاله نستطيع ربط كافة الإدارات ببعضها البعض. كما يقوم النظام الإداري الإلكتروني بتنسيق جميع الموارد والمعلومات والأنشطة اللازمة لإتمام الإجراءات المالية، الموارد البشرية، المشتريات، إدارة المشاريع في الوحدة.
كما يقوم النظام الإلكتروني بدعم تخطيط موارد المؤسسة من خلال ربط إجراءات الأنظمة التي تدير مجموعة متنوعة من الأعمال التنفيذية، كمهام الموارد البشرية وإدارة الإمدادات والمالية والمشاريع وإدارة علاقات المانحين والشركاء المحليين، كل ذلك في قاعدة بيانات موحّدة.

قمنا بتنفيذ العديد من المشاريع الإغاثية في كل المحافظات، وحتى بعض المناطق المحاصرة، وواحدة من أهم الإنجازات هي القيام بالجولة الأولى من حملة التلقيح ضد شلل الأطفال، حيث قام 8500 متطوع خلال سبعة أيام بتلقيح 1.2 مليون طفل بفضل الله، وانتهينا لتونا بالتعاون الحكومة التركية الصديقة ومنظمات دولية من الجولة الثانية رغم الظروف الأمنية، وقد خسرنا بعض المتطوعين كشهداء من جراء قصف النظام، والحملة لاقت استحسان كل المنظمات الدولية، والآن نعد للقيام ببقية الجولات، وأحب أن أشيد هنا بالدعم الإغاثي القادم من الأشقاء العرب وأصدقاء الشعب السوري والمنظمات الدولية.

تم خلال هذه الأسابيع توزيع الإغاثات في الشمال والجنوب، وكذلك الحملة الشتوية، والحملة السعودية، وحملة نلبي النداء، والمنحة الإغاثية القطرية بأكثر من 10 مليون دولار، وتم الوصول إلى بعض المناطق المحاصرة، كما قمنا بإرسال الإغاثات للاجئين السوريين في أربيل، ونعمل على فتح مكتب هناك للقيام على حاجة أكثر من ربع مليون سوري موجودين هناك.

خلال هذه المدة القصيرة ومن خلال التواصل مع المانحين العالميين استطعنا، بفضل الله، إعادة الثقة بوحدة تنسيق الدعم بشكل كبير، فعبّروا عن إرادتهم في معاودة الدعم للوحدة أثناء زياراتهم لي في مكتبي المتواضع في غازي عنتاب. ونحاول مع فريق الوحدة ترجمة هذه الثقة بالحصول على أكبر حجم من المنح الإغاثية والتي تساهم في الاستقرار في الأشهر القادمة على اعتبار أن هناك بيروقراطية لدى المنظمات الدولية لا يمكن تجاوزها للأسف.

كما قمنا بالتواصل الإعلامي مع السوريين من خلال شبكات التواصل أكثر بأضعاف المرات مما كان عليه في السابق، ولازلنا نشعر بالتقصير، ونعمل على تحسينه لإطلاع الشعب على المشاريع التي نساعد في تنفيذها من خلال مكاتبنا في الأردن ولبنان وغازي عنتاب.

وأنا سعيد بأن الوحدة باتت خلية نحل، ولدينا كوادر جيدة تدفعني للحرص بأن أكون أول شخص يصل الوحدة الساعة 8:30 صباحاً وأخرج تقريباً آخر شخص، وأحياناً بعد أن يُغلق المبنى، وأتابع اجتماعاتي خارج الوحدة في كثير من الأحيان لوقت متأخر ليلاً، وتضطرني طبيعة عملي السفر للعمل على تشبيك العلاقات مع المانحين والقطاع الخاص، ومع مكاتبنا، ومع السوريين في كل مكان، ولكن رغم ذلك أُبقي التواصل مع الموظفين على أعلى مستوى، فعلى سبيل المثال، تجاوز عدد الإيميلات للتواصل مع الموظفين في عائلة وحدة التنسيق والمانحين أكثر من 2100 إيميل خلال هذه الفترة القصيرة، عدا عن عشرات اللقاءات الفردية والجماعية، والمجالس المحلية، والمنظمات الدولية وغيرها. طبعاً هذا أقل شيء نقوم به أمام تضحيات أهلنا المنكوبين، ونحاول جاهدين أن نلبي بإمكانياتنا المتواضعة الحد الأدنى من الاحتياجات اللامتناهية للمجالس المحلية التي تشكل نواة الإدارة المركزية.

في حيثية الشفافية المالية لدى مسؤولي الحكومة

*هل اتخذت حكومة المعارضة، بمسؤوليها، أية إجراءات أو تدابير إدارية تعزّز الشفافية المالية، لتجنب التعرض لهزات متعلقة باتهامات فساد؟

 

تقوم الحكومة بالتعاقد مع هيئة محاسبية تفتيشية كطرف ثالث لمراقبة عملية التصرف المالي للوزارات، وهذا شيء صحي ويجب توفره من أجل ضمان الشفافية. كما تقوم وزارة المالية بتعيين محاسبين متمرسين لدى الوزارات المختصة لضمان التوثيق والفوترة وضبط المصاريف وإتباع أعلى المعايير المحاسبية.

آفة الفساد في سوريا

* من وجهة نظرك كخبير اقتصادي له باع في تجارب الغرب الإدارية والاقتصادية: كيف يمكن الحد من الفساد الاقتصادي والإداري في سوريا المستقبل، بعد أن كانت تلك الآفة، في رأي البعض، السبب الرئيس في انهيار هيبة ومكانة الدولة في نفوس السوريين، وطالت الكثير من قيمهم المجتمعية بالكثير من الأذى؟

 

لابد من توافر شرطين أساسيين: أولاهما الفصل بين السلطات، بأن يكون هناك قضاء مستقل يضمن إنصاف أي مظلوم أو شركة تتعرض لعملية ابتزاز، إضافة لاستقلال الإعلام كسلطة رابعة، بحيث يساهم في إلقاء الضوء على أي شبهة لفساد، والثاني هو وجود نظام إدارة احترافي، وتأمين الأجور المُجزية للعاملين، طبعاً لا شك أن المعضلة تكمن في وجود 1.3 مليون عامل لدى الدوائر الحكومية معظمهم اعتادوا على أجواء قلة الإنتاجية، والتسيب الإداري، إضافة لانتشار المحسوبية والفساد، لذا فإن هناك تحديا هائلا في إدارة القطاع العام ما بعد سقوط النظام، ويفضّل التعاقد مع شركات إدارية خاصة لقاء أجر معين، لإدارة هذا القطاع أو ذاك، كي يعطى الوقت الكافي لتشغيله في شروط صحية بعيدة عن البروقراطية والفساد، ومن ثم يصار للتعامل معه بطريقة لا تؤدي لكوارث اجتماعية.

خارطة اقتصاد سوريا الجديدة

أين وصلتم في رسم الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة عن طريق مجموعة عمل اقتصاد سوريا التي ترأسونها؟ وهل حصلتم على تمويل من الائتلاف لدعم تقاريركم؟

 

الخارطة تعد التقارير الاقتصادية المعمقة الوحيدة تقريبا للثورة السورية ولقد أنجزنا ثلثي الخارطة من خلال نشر تسعة تقارير اقتصادية معمّقة كُتبت من قبل كبار الباحثين وأصحاب الخبرات العملية السوريين عن الزراعة والمياه والإسكان والسياسة المالية والنقدية، والتشريعات الاقتصادية والمالية، والمواصلات، والكهرباء، والنفط. وقريباً سيصدر تقرير جديد ليكمل المسيرة التي ترسم ملامح اقتصاد سوريا في المرحلة الانتقالية من خلال ثلاث خطط إسعافية ولمدة سنتين ولمدة خمس سنوات، والحقيقة لم نحصل على أي تمويل من أصدقائنا في الائتلاف على الإطلاق، والخارطة بتمويل فردي من بعض رجال الأعمال الوطنيين.

ترك تعليق

التعليق