الخطوة "الأكثر حُمقاً" على طريق تحرير أسعار المشتقات النفطية

وصفتها إحدى المواقع المؤيدة بأنها "الخطوة الأجرأ حتى الآن على طريق تحرير المشتقات النفطية"، لكن معلقاً على الموقع ذاته وصفها بـ "الخطوة الأكثر حُمقاً"، فالضحية الوحيدة لقرار حكومة النظام الأخير سيكون المواطن ذو الدخل المحدود، وليس الصناعي أو التجاري أو صاحب المنشأة السياحية أو الصحية الخاصة.

فقد ضاعفت وزارة النفط، في حكومة النظام، أسعار كل من مادتي المازوت والفيول للقطاع الخاص، وأبقت سعر البنزين على حاله. وصدرت الأسعار الجديدة في النشرة الأولى، التي ستصدر أسبوعياً عن وزارة التجارة الداخلية، والتي أرفقت الأسعار الجديدة بقرارٍ مفاده أن أسعار المشتقات النفطية باتت في حكم "المُحررة"، وسيتم تعديلها أسبوعياً، حسب الأسعار العالمية، وأسعار الدولار محلياً، أو سيتم تمديد النشرة السابقة، حسب ما ترتأي وزارة التجارة الداخلية.

وتضمن القرار الذي صدر بصيغة كتابٍ موجهٍ من وزارة النفط إلى وزارة التجارة الداخلية، تحديد سعر المازوت بـ 150 ليرة لليتر بدلاً من 80 ليرة، والفيول بـ 105 آلاف ليرة للطن بدلاً من 50 ألف ليرة، فيما بقي سعر البنزين بـ 140 ليرة.

القرار المذكور آنفاً ينطبق على جميع القطاعات الخاصة، "القطاع الصناعي والتجاري الخاص والسياحي والصحي الخاص والتعليمي والتربوي الخاص إضافة إلى المناطق الحرة والمؤسسات المالية الخاصة والسفارات والهيئات الدبلوماسية والمنظمات العالمية".

وبذلك تضرب حكومة النظام بعرض الحائط، كل طلبات و"توسلات" الصناعيين وأصحاب المنشآت الاستثمارية الخاصة، وفي مقدمتهم، رئيس غرفة صناعة حلب، فارس الشهابي، الذي كان حذر من كارثة ستحيق بالقطاع الصناعي في حلب، إذا تم تسعير المشتقات النفطية بالأسعار العالمية.

وكان أُشيع بعيد "توسلات" الشهابي أن حكومة النظام ستستجيب لها، لكن قرار وزارة النفط الأخير يؤكد أن الشهابي، المُقرب من النظام، والذي سبق أن اتخذ عشرات الإجراءات وأطلق العديد من التصريحات التي تؤكد ولاءه للنظام، لا يستطيع أن يؤثر إطلاقاً على توجهات النظام، حتى حينما يطال مصالحه، ومصالح الشريحة التي يمثلها من صناعيي حلب، أو بعضهم على الأقل.

وكان الشهابي طلب تسعير المازوت للمدينة الصناعية في حلب، الشيخ نجار، بحدود الـ 100 ليرة، كي تتمكن المنشآت الصناعية من العمل بجدوى اقتصادية معقولة، لكن طلبه لم يلقَ أُذناً صاغية، وسُعّر المازوت بـ 150 ليرة.

بكل الأحوال، يُجمع المراقبون على أن قرار رفع أسعار المشتقات النفطية للقطاع الخاص، لن يُضرّ بالأخير، بل سيُوضع حمله على عاتق المواطن ذي الدخل المحدود، وسينقل الصناعيون وأصحاب المنشآت التجارية والسياحية والصحية الخاصة، عبء التكلفة الجديدة إلى السعر النهائي للسلعة المُباعة للمواطن. مما يعني أننا على عتبة نقلة نوعية جديدة في أسعار كل السلع والخدمات، بما فيها الخدمات الصحية في المستشفيات الخاصة.

ما سبق أكده أمين سر غرفة صناعة دمشق وريفها، الذي أكد لصحيفة حكومية، وبصراحة، أن الصناعيين سيرفعون أسعار منتجاتهم، مُلمحاً، ضمنياً، إلى أن المستهلك سيدفع الثمن.

القرار الأخير كان قد سبقه قرار جريء آخر، صدر قبيل عيد الأضحى، رفعت حكومة النظام فيه أسعار المازوت والبنزين المخصصة للاستهلاك المنزلي والفردي.

لكن ما يجعل القرار الأخير أخطر من سابقه، أنه ترافق مع قرار تحرير أسعار المشتقات النفطية المُباعة للقطاع الخاص، على اختلاف مجالات عمله. وستتعرض هذه الأسعار للمراجعة أسبوعياً، من جانب وزارة التجارة الداخلية.

وهكذا، ومع كل الأعباء المُلقاة على عاتق السوريين من ذوي الدخل المحدود، وهم الغالبية العظمى من المجتمع، تُضاف الآن أعباء جسيمة أخرى. إذ يعتقد المراقبون أن القرار الأخير سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار كل السلع والخدمات، وإلى انتعاش السوق السوداء للمشتقات النفطية، التي بدأت مظاهر تفاقمها تظهر للعيان، إذ سجّل مراقبون في الداخل ارتفاع سعر المازوت المُباع للاستهلاك الفردي إلى 150 ليرة لليتر في دمشق، و180 ليرة في ريف دمشق، وسط صعوبة بالغة في تأمينه.

والجانب الخطير الآخر لقرار حكومة النظام الأخير، أنه سيؤثر بصورة كبيرة على أسعار الخدمات الصحية الخاصة، مما سيُقلص من الشريحة القادرة على الدخول للمستشفيات الخاصة، وسيزيد من الضغط على المستشفيات الحكومية التي تعاني أصلاً من ضغط مُزمن على مرافقها بسبب الكم الكبير من جرحى جيش النظام وشبيحته ورجال أمنه الذين يحتاجون للإسعاف بصورة يومية.

وكخلاصة، تتفاقم صعوبة عيش السوريين داخل البلد، فيما يبدو أن حكومة النظام تستقيل من معظم أدوارها الاجتماعية والاقتصادية، وسط تراجعٍ لقدراتها على ضبط الأمن حتى في قلب العاصمة دمشق، بعد أن تكررت حوادث الاشتباك المسلح بين الميليشيات المقاتلة إلى جانب الأسد، والتي أدت خلال الأسبوع الماضي إلى سقوط مدنيين، في حادثين مسجلين حتى الآن. ناهيك عن تكرر حوادث اختراق المعارضة المسلحة لمناطق في قلب العاصمة في عمليات خاطفة تُنذر بأن "المنطقة الخضراء" التي أسسها نظام الأسد في دمشق، ليست محصنة على الاختراق.

وهكذا يبدو أن المشهد الاقتصادي – الاجتماعي في الداخل السوري، مُرشحٌ للمزيد من التفاقم، وسط تفاقم الوضع الأمني سوءاً في معظم الجبهات.

 

ترك تعليق

التعليق