تفاصيل شهادة لاجئ سوريّ: هنغاريا، الكابوس الأسود لكل مهاجر


(ع، ك)، شاب سوري من دير الزور، فقدَ كل سبل الحياة، ومن بينها ركام منزل خلفته قذائف طائرات نظام الأسد...هي "رؤوس أقلام"، كما يقول، قادته مع بعض رفاقه إلى قرار الهجرة "مع الموت"، للوصول إلى أرضٍ قد يستطيعون فيها شق جزء من مستقبل "ينزف".

بدأ الشاب ورفاقه، بجمع ما يملكون، وبيع ما يمكن الاستغناء عنه، وأحياناً بيع ما لا يمكن الاستغناء عنه، وكانت بداية رحلتهم، التي "زفتها دموع فراق الأهل والأصدقاء". وصلوا إلى الحدود التركية السورية، ولم يكن هناك أية فرصةٍ للعبور من باب السلامة، يقول: "فاضطررنا للبحث عن مهرّب، وكنا مجموعة من السوريين والعراقيين، حيث طلب المهرّب من كل شخص عراقي 100 دولار، ومن كل شخص سوري 12000 ليرة (حوالي 40 دولار)، وقمنا بتسليمه النقود فاقتادنا إلى مناطق تحت سيطرة الأحزاب الكردية، "عفرين"، ووصلنا إلى الثغرة الحدودية بعد نحو 3 ساعات، وقام المهرّب بتسليمنا لمهرّب آخر مهمته إدخالنا الأراضي التركية، وحين أوشك منتصف الليل حاولنا الدخول، لكن حرس الحدود التركي كان بالمرصاد، ولم نستطع الدخول، وكانت الحدود مزدحمة بمئات العائلات والنساء والأطفال دون سن العاشرة، وأطفال لم يتجاوز أعمارهم 8 أشهر. وفي ظهيرة اليوم التالي لم يعد هناك من يحتمل، فاجتمع الجميع بعدد تجاوز الـ 1000 شخص، ودخلوا الحدود عنوة، واضطرت السلطات الحدودية التركية إلى إدخالنا من مبدأ إنساني".

بعد عبوره العصيب عبر الحدود التركية، تابع الشاب رحلته مع أصدقائه إلى أزمير، المدينة الساحلية التركية، حيث يجتمع الراغبون بالذهاب إلى اليونان، أولى محطات الهجرة أوروبياً. يقول: "استطعنا الاتفاق مع أحد المهربين بأن يوصلنا إلى جزيرة "متليني"، بمبلغ قدره 1150 دولار، وفي الساعة الثامنة من نفس اليوم اتصل المهرّب وأعطانا إشارة لمغادرة الفندق والتوجه إلى المكان المتفق عليه، ومن ثم أتت السيارة واقتادتنا إلى مركز تجمع المسافرين حيث كان العدد 47 شخصاً، وكل شخص دفع 1150 دولار، والرحلة في "بلم" بحري يُنفخ بالهواء، وكنا قد جهزنا أنفسنا بستر نجاة ودواليب خوفاً من الغرق في "بلم" استطاعته في النقل 20 شخصاً، ويقوم المهرّب بترحيل 47 شخصاً داخله، ومن ثم ذهبنا في سيارات نحو منطقة العبور على شواطئ أزمير، حيث لا وجود لأي إنسان، وهناك كان "البلم"، وكانت الساعة نحو 2,00 بعد منتصف الليل، ومن يقود "البلم" في البحر كان أحد المهاجرين معنا، يقود "البلم" مقابل أن لا يدفع ولا دولار. بدأت الرحلة بدعاء، وكانت ليلة القدر في رمضان، وسرنا في البحر، كنّا نحو 12 شاباً و 15 طفلاً تحت سن العاشرة حتى دون الـ 10 أشهر، و20 امرأة وفتاة، نسير في البحر باتجاه أضواء لا نعرفها، هي نقطة العلام التي حددها لنا المهرّب، وبعد نحو 50 دقيقة من رحلة موفقة وبحر هادئ، أنارت أضواء قوية في منتصف البحر، تسير نحونا بقوة، وإذ بها مركب خفر السواحل اليوناني حيث وقف إلى جانبنا وأمرنا بالوقوف وربط "البلم" بحبال وبدأ ينقلنا إلى مركبه، ومن ثم أمرنا بالجلوس وعدم الكلام ولا التدخين، وذهب بنا نحو جزيرة "متليني" اليونانية، ففرحنا كثيراً، حيث وصلنا وقطعنا ثاني أصعب الخطوات من بعد الحدود التركية".

واستطرد الشاب في شهادته: "أخذونا من الشاطئ نحو كامب لا شيء فيه سوى التراب، واضطررنا لشراء خيمة صغيرة لأربعة أشخاص بـ 35 يورو، وكان الطعام سيئاً للغاية، والحمامات أسوأ، والشاي والقهوة وغيرها تُباع باليورو، حيث سعر كاسة الشاي بلغ 2 يورو، وانتظرنا يومين ومن ثم وزعوا لنا أوراقاً تسمح لنا بالخروج من اليونان، فتوجهنا نحو المرفئ، وحجزنا بسعر 43 يورو إلى العاصمة أثينا، وكانت باخرة ضخمة تجمع المهاجرين من جزر اليونان إلى العاصمة، طبعاً مع وجود بعض المسافرين اليونانيين، ودامت الرحلة إلى أثينا نحو 10 ساعات، ومن توجهنا إلى محطة القطار، للتوجه إلى الحدود المقدونية اليونانية، ووصلنا إلى حدود مقدونيا بعد رحلة طالت نحو 9 ساعات بالقطار، وسرنا على الأقدام بأعداد كبيرة جداً، من نساء وأطفال وشباب نحو الحدود المقدونية، فكان ضباط الحرس الحدود المقدوني متساهلين حيث طلبوا منا أن نقتسم إلى مجموعات، وكل مجموعة 50 شخصاً، وبعد ذلك قاموا بإدخالنا مجموعة تلو الأخرى على مدار 6 ساعات، فدخلنا مقدونيا، وبعد رحلة سير على الأقدام في الغابات قليلة الكثافة طالت نحو ساعة ونصف، وصلنا إلى مدينة جفجيلية حيث محطة القطار، فقمنا بشراء تذاكر مقابل مبلغ 8 يورو، وكانت مهمة القطار ترحيلنا من الحدود المقدونية اليونانية إلى الحدود المقدونية الصربية، وبعد نحو ساعة ركبنا القطار بأعداد هائلة، حيث فقد الكثير من المهاجرين الوعي نتيجة قلة التنفس، بسبب الزحمة المخيفة، وقلة النوافذ، وبعد نحو 3 ساعات، كنّا قد قطعنا مقدونيا ووصلنا إلى الحدود الصربية، وبدأنا نسير على الأقدام نحو ساعة، حيث وصلنا نقطة الدخول، فقسمنا أنفسهم إلى مجموعات صغيرة، وبدأت رحلة جديدة سيراً على الأقدام دامت نحو 3 ساعات، وصلنا بعدها أول قرية، ووجدنا مسجداً ودخلنا ساحته واغتسلنا بعد رحلة طويلة من اليونان إلى مقدونيا فصربيا، ونمنا حتى الصباح، ومن ثم بدأنا السير نحو مكتب اللاجئين بمسافة بلغت نحو 7 كم وقمنا بإجراءات أوراق الخروج من صربيا، ودام الانتظار نحو يومين للحصول عليها، يومان دون مأوى، ومن ثم توجهنا بالبولمان نحو العاصمة بلغراد، ومن ثم نحو المدينة الحدودية مع هنغاريا، جنكازي، حيث وصلنا جنكازي لعبور هنغاريا، الكابوس الأسود لكل مهاجر، حيث تمثل هنغاريا خط الدفاع الأول لأوروبا في وجه موجات النزوح الهائلة".

تابع: "بحثنا عن مهرّب يقودنا إلى النمسا دون أن نتوقف في هنغاريا خوفاً من الحرس الحدودي الذي يتعامل مع اللاجئين بطريقة غير إنسانية للتبصيم الإجباري، حيث أن عواقب التبصيم في هنغاريا تمنع اللاجئ من التمتع بأي حقوق في أي دولة أوروبية، فكان الاتفاق مع المهرّب على الذهاب إلى فيينا مقابل مبلغ قدره 1400 يورو، وفي اليوم التالي بدأت أصعب الرحلات وأخطرها، حيث زودنا أنفسنا بالماء والتمر والموز، غذاء خفيف ومغذي، بدأت الرحلة من الحدود الصربية تمام الساعة 2,30 مساءً، ودخلنا الغابات الحدودية، وكان عددنا نحو 25 شخصاً، ويسير معنا 6 مهربين خوفاً من "التشليح" في الغابات، وزودنا أنفسنا بعصي للدفاع عن أنفسنا، وكان المهرّبين مزودين بأمواس وحربات، وكنا نرى في الغابة بعضاً من اللاجئين الذين نهبت أموالهم، وآخرون هاربون من الحرس الهنغاري، ودامت الرحلة حتى الساعة التاسعة مساءً، سيراً على الأقدام دون أن نتكلم أو نشغل الموبايل خوفاً من الحرس الهنغاري، وحين اقتربنا من الخروج من الغابة بدأنا نغير ملابسنا بعد أن اتسخت، وهيئنا أنفسنا للخروج، وقام المهرب بالاتصال بالسيارات التي مهمتها نقلنا إلى فيينا، العاصمة النمساوية، وبعد نحو نصف ساعة من الانتظار بدأت أضواء الحرس الهنغاري تدور حولنا، وتتجه نحونا، واضطررنا للهروب والاختباء بين أشجار كثيفة، بقينا نحو ساعة، ومن ثم طلب منا المهرب الخروج، ومن ثم التقينا بمهرب آخر مع مجموعة عددها نحو 17 شخصاً، وكان الاتفاق أن تُدفع النقود حينما نركب السيارات، واختلف المهرب وجماعته بهذا الخصوص، حيث طلب النقود لكنهم رفضوا ذلك، وطلبوا أن تأتي السيارة أولاً، وقام المهربون الذين يرافقوننا بالتدخل لصالح المهربين الآخرين، واحتدت أصواتهم، وتطور الأمر إلى اشتباك بالأيدي بين مجموعة من المهاجرين والمهربين المجتمعين، البالغ عددهم نحو ٨ أشخاص، واحتدت الأمور إلى أن وصلت إلى ضرب العصي والسكاكين حيث طعن 3 مهاجرين ومهرب واحد، ومن ثم سحب كل طرف رفاقه، وانتهت المشكلة وكأن شيئاً لم يكن، ومن ثم بعد ذلك بنحو نصف ساعة وصلت السيارات إلى النقطة المتفق عليها، وبعد دفع النقود ركبنا، وبعد ذلك بنحو 4 ساعات وصلنا فيينا حيث المطر الشديد وكانت ملابسنا تلائم أجواء صيف صربيا لا شتاء فيينا، وانتظرنا في البرد الشديد إلى الساعة السابعة بعد أن أخلى الشفير التكسي، وأنزلنا في منطقة تبعد عن فيينا 30 كم، وفي الصباح استطعنا العثور على سيارة وغادرنا خائفين إلى محطة القطار، واشترينا "تكت" قطار إلى ميونخ، حيث هدفنا كان ألمانيا، ووصلنا بسلام ولله الحمد، بعد رحلة لا يمكن للكلام رواية جميع تفاصيلها، فهي رحلة مع "بلم" الموت والغرق، وحدود هنغاريا المرعبة، حيث الغابات الموحشة والسطو على المهاجرين، والوقوع بين أيدي شرطة تُجبرك على التبصيم لتحطم آمالك البعيدة في أوروبا الغربية، لتجد نفسك تائهاً بين العودة إلى بلدك الذي تلتهمه نيران الحرب أو البقاء دون القدرة حتى على جلب طعام يناسبك".

وختم الشاب في حديثه لـ "اقتصاد" بأن "التكلفة كانت من أزمير إلى اليونان 1150 دولار، وممكن أقل لكن ليس أكثر من ذلك، ومن اليونان إلى صربيا تقريباً 250 دولار، ومن صربيا إلى فيينا 1750 دولار، أو من صربيا إلى ألمانيا 2200 دولار".

وأعلمنا الشاب برغبته في نقل شهادته عن رحلة الهجرة التي قام بها، انطلاقاً من دير الزور، وصولاً إلى ألمانيا، كي يستفيد الراغبون من تجربته، سواء من حيث التكاليف، أو من حيث تفاصيل المصاعب التي قد يواجهها المهاجر، والسبل المثلى لمواجهتها.

ترك تعليق

التعليق

  • مابيهم
    2015-08-25
    طيب واذا طلع الاسم خلاص الي بيهمني وصل الصوت