خبير نفطي: نفط الساحل السوري أكذوبة وهذه هي الأدلة

يعرض "اقتصاد" مقالاً كتبه عبدو حسام الدين، معاون وزير النفط السوري المنشق، يؤكد فيه أكذوبة مقولة "بحر النفط والغاز" الذي يعوم عليه الساحل السوري، موثقاً كلامه بالأدلة التحليلية المناسبة بحكم خبرته الطويلة في قطاع النفط السوري.

وينفرد "اقتصاد" بنشر مقال عبدو حسام الدين، كما كتبه صاحبه، دون أي تعديلات.

نشير إلى أن عبدو حسام الدين، انشق عن حكومة النظام السوري في آذار عام 2012، وكان حينها معاوناً لوزير النفط. ويمتلك عبدو حسام الدين خبرة إدارية طويلة في قطاع النفط السوري عمرها 33 عاماً.



***


عاد الشبيح فوزي الشعيبي للحديث عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية بطريقة توحي بأن سوريا مستهدفة لأنها تملك مخزونات هائلة من النفط في المياه الإقليمية السورية (وتزاود عليه المذيعة بأن ما اكتشف في جنوب المتوسط يعادل فقط ١٠٪ مما تملك سوريا).

 والحقيقة إن تكرار الحديث عن الموضوع من قبل النظام وشبيحته هدفه سياسي بحت لترسيخ بأن ما حدث في سوريا ليس ثورة شعبية تريد إسقاط النظام، بل هو مؤامرة كونية تستهدف "سوريا الأسد" كما يدعي النظام لأنها ستصبح دولة نفطية مثل الكويت.

وتأكيد ذلك هو أن الشعيبي ختم قوله بتساؤل "هل سيسمحون لدولة مثل سوريا أن تملك هذا الكم الهائل من النفط؟".

وتوضيحاً أود أن أضيء على بعض النقاط التي تبين كذب إدعاءات الشعيبي وشبيحة النظام الآخرين الذين تصوروا فعلاً أنهم يعومون على بحر من النفط:

1-    أجرت شركة إنسز تيرا النرويجية مسح سيزمي للمياه الإقليمية والدولية، وتبين وجود تراكيب بسيطة قبالة الساحل السوري، وتشير التفسيرات الأولية إلى أنها ربما تكون تراكيب غازية – أؤكد تراكيب غازية- وليست نفطية.

2-    أعلنت سوريا في عام ٢٠١٠ عن أربع بلوكات بحرية للتنقيب والاستثمار، واشترت المعطيات الفنية شركات عديدة، إلا أنه ورد عرض وحيد ومن شركة غير معروفة، وهذا يدل على عدم اهتمام الشركات العالمية المعروفة التي تعمل بالتنقيب البحري بها (أي أن المعطيات المتوفرة ليست جاذبة للاستثمار).

3-    تم إعادة توزيع البلوكات (مناطق الاستثمار) ودمجها في ثلاثة بلوكات بدل أربعة، وأعلن عنها للمرة الثانية في عام ٢٠١١ وكانت الثورة قد بدأت، ورحلت حتى الشركات العالمية التي كانت تعمل في القطر، فلم تتقدم أي شركة.

4-    في نهاية عام ٢٠١٣ قام النظام بالتعاقد بالتراضي (مباشرة) مع شركة روسية تدعى سويوز نفتا غاز في البلوك رقم ٢ وهي شركة غير مؤهلة عند المؤسسة العامة للنفط للتنقيب في البحر، ضمن صفقة مع النظام الروسي، وهو التعاقد الذي طنطن له النظام، لأنه كسر عزلته، وهو في الحقيقة مكافأة للحكومة الروسية في دعمها لنظام الأسد لقتل شعبه.

5-    كانت الشركة السورية للنفط قد أجرت مسوحات وحفرت عدة آبار عميقة وصلت إلى أربعة آلاف متر على اليابسة في محيط مدينة اللاذقية- بناء على أوامر شخصية من بشار الأسد، لاستماتتهم في إيجاد النفط في الساحل السوري- وأيضاً تم حفر بئر عميق في قلب مدينة اللاذقية ولم يوجد نفط.

6-    كانت الحكومة التركية قد حفرت في مياه البحر الأبيض المتوسط قبالة ساحل إسكندرون، ولم تحقق اكتشافات نفطية أو غازية.

7-    المتتبع للاكتشافات الغازية في البحر الأبيض المتوسط يعرف أن هناك حوضاً على شكل مثلث قاعدته في جنوب المتوسط قبالة مصر وفلسطين (إسرائيل) ورأسه يصل إلى منطقة بانياس على الساحل السوري (لا يكمل حتى اللاذقية) ويحتوي مجموعة تراكيب غازية صغيرة وكبيرة، وقد تم اكتشاف بعضها من قبل إسرائيل ومصر، كما أعلنت قبرص عن ١٢ بلوكاً في مياهها الجنوبية. الدراسات الموثقة تؤكد أن التراكيب المأمول وجود الغاز فيها هي جنوب المتوسط وتتناقص باتجاه الشمال مروراً بالمياه الإقليمية والدولية لقبرص ولبنان، وهي تراكيب غازية بمعظمها وليست نفطية، وبناء على المعطيات الجيولوجية ونتائج المسوحات فإن احتمالية وجود تراكيب الغاز في المياه اللبنانية أكثر من السورية.

8-    كان هناك خطط لإيصال الغاز إلى أوروبا من مصادر أخرى غير الغاز الروسي –الذي تتخذه روسيا سيفاً مسلطاً على رقبة أوروبا وتلوح بقطعه كلما دب خلاف بينهم- إلا أن روسيا أجهضتها، وأكثر من ذلك، وحتى تبقي سيطرتها على شبكات الغاز المتجهة إلى أوروبا، وبعد الاكتشافات الغازية الهائلة قبالة إسرائيل وفلسطين، والتخطيط لتصدير الغاز إلى أوروبا إما براً  عبر سوريا وتركيا، أو بحراً عبر قبرص واليونان، قامت روسيا عن طريق ذراعها، شركة غاز بروم العملاقة، بالتعاقد مع شركة ليفانت الإسرائيلية لمدة ٢٠ سنة لشراء الغاز من حقل تمار البحري، وتعاقدت مع حكومة غزة لاستثمار الغاز من حقولها، وكذلك تقدمت بعرض لحكومة قبرص لاستثمار وشراء الغاز المحتمل اكتشافه في البحر، وأخيراً تعاقدت روسيا مع حكومة النظام عن طريق شركة سيوز نفتا غاز لاستثمار الغاز من الشاطئ السوري في حال اكتشافه. أي أن روسيا فعلياً ضمنت واستولت على مصادر الغاز في شرق المتوسط المكتشفة والقابلة للاكتشاف، وكذلك خطوط الغاز المخطط وصولها لأوروبا من المتوسط. وهي بذلك تقول لأوروبا "مازلت ممسكة بمصادر الطاقة عندكم سواء عن طريق أوكرانيا أو عن طريق المتوسط".

9-    لا أعلم من أين أتى "أبو مسيلمة" الشعيبي بكميات النفط التي تفوق إنتاج الكويت. علماً أنه جرى مسح سيزمي فقط وأعطى تصورات أولية على وجود تراكيب غازية وليست نفطية، ومثل هذه المسوحات لا تحدد أرقاماً للاحتياطي ولا للإنتاج ، ولا يمكن تقديرها سواء كانت نفط أو غاز إلا بعد حفر عدة آبار، يقيم على أساسها المخزون /الاحتياطي/ وتوضع خطط الإنتاج ومقدار الإنتاج. والحفر بطبيعته مكلف في المياه العميقة (في البحر الأبيض المتوسط قبالة سوريا لا يقل عن ١٥٠٠ متر)، وتكلفة البئر الواحدة تفوق ١٠٠ مليون دولار وتصل إلى ١٥٠ مليون، وفي حال اكتشافات غازية تجارية فتحتاج إلى منشآت وخطوط نقل ومستهلكين، أي أن الاستثمار سيكون مكلفاً جداً. علماً أن قيمة العقد مع شركة سيوز نفتا غاز الروسية هي ١٠٠ مليون دولار، وعملياً هي لا تكفي لحفر بئر واحدة، وحتى ولو افتراضياً حفرت فلن تعطي أرقاماً صحيحة عن المخزون والإنتاج.
 
10-    إذا كانت سوريا فعلاً تمتلك كميات هائلة من النفط قبالة شواطئها –كما يدعي الشعيبي- فلماذا لم تتقدم شركات عالمية أخرى من دول غير مطبقة للعقوبات على النظام، مثل الصين والهند وماليزيا وفنزويلا، للتنقيب في البلوكين الآخرين؟، بل لماذا لم تأخذها شركات روسية طالما هي مضمونة الإنتاج بهذا القدر؟

11-    لأن العقد بين النظام وشركة سويوز نفتا غاز المملوكة للحكومة الروسية هدفه سياسي إعلامي، فكان من غير المتوقع أن تباشر بأية أعمال فعلية من حفر وغيره خلال المرحلة المقبلة، وخاصة مع عدم استقرار الأوضاع في سوريا وتخلخل النظام. وفعلاً فقد صرح رئيس مجلس إدارة شركة سيوز نفتا غاز أن الشركة تخلت عن خطط للتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل سوريا بسبب الصراع هناك. أي أن العقد انتهى في ضربة أليمة للنظام الذي طالما تغنى بهذا التعاقد.


أخيراً أود الإشارة إلى أنه مجرد أن يتصدى للموضوع شخص مثل فوزي الشعيبي فهو ذو طابع سياسي وفيه الكثير من الدجل، فلماذا لم يظهر أحد من جهابذة النفط في النظام ليتحدث عن الموضوع بشكل علمي وأوكل للشعيبي، ليصرح بهذه الترهات التي لا يقبلها سوى الجهلة وليقنع بها أتباع النظام؟!

هدف حديث الشعيبي ومن ورائه النظام هو الإيحاء بأن الدويلة العلوية قادرة على الحياة ولديها نفط أكثر من الكويت، وسيصبح الناس فيها–مليونيرية- ويعيشون أفضل من الكويتية. وبالتأكيد لا يمكن دعم نظام متهاوي ولا اقتصاد مدمر، بالأكاذيب.

وللذين يقولون إن هدف روسيا النفط السوري، أقول لا ليس النفط السوري الذي تحدث عنه الشعيبي، بل جزء من أهدافها-وهو هدف رئيسي- هو استلام زمام الغاز في منطقة الشرق الأوسط وخاصة شرق البحر الأبيض المتوسط، بهدف محاصرة أوروبا. أي هدف روسيا الاستراتيجي هو التحكم بالطاقة في أوروبا، والإجهاض المسبق لأي احتمالات ممكنة لكسر احتكار روسيا للغاز في أوروبا، وليست سوريا بالنسبة لروسيا سوى بوابة مهمة بحكم موقعها الاستراتيجي المميز، ولهذا أقدمت على احتلالها لتثبت أنها موجودة وثابتة في المنطقة. وفي الوقت الذي تضيق أوروبا الخناق على روسيا بالعقوبات الاقتصادية، فإن روسيا تضيق الخناق على أوروبا بالطاقة.

كنت فعلاً أتمنى أن تصدق التخرصات الإعلامية للشعيبي وأن يكون الساحل يعوم على بحر من النفط في سوريا الحرة ولصالح الشعب السوري كله وليس كدعاية كاذبة لدويلة علوية، ولكن الواقع غير ما ادعى.. والمياه تكذب الغطاس.

٣٠ أيلول ٢٠١٥

ترك تعليق

التعليق