أصناف عقارات دمشق وأسعارها

هي دمشق، كرة نار مشتعلة، وخرائب تحيط بها من كل الجهات، الجهات الأربع المدمرة من هول حمم الطائرات التي تقصفها منذ خمس سنوات، وحولت سياجها الأخضر إلى كومة اسمنت محطمة بينما ما زالت أحياؤها المنتصبة استثماراً كبيراً للعصابات التي تسكن المؤسسات، وتلك الني تركب الأسلحة، وتطرد أهلها إلى الشتات.

والنظام الذي اعتاد الاستيلاء على ممتلكات المواطنين بدءاً من التأميم وانتهاءً بمشاريع التوسع واستثمارات إعاد الإعمار، ما يزال يخطط لطرد كل سكانها خارجها وتحويلها إلى مستوطنة شيعية ببيع عقاراتها إلى الإيرانيين القادمين للثأر لزينب والانتقام من معاوية وابنه.


محيط العاصمة الجنوبي هو أول من ثار على النظام وهو اليوم يدفع الثمن أولاً، ببيع بيوت الأهالي والأحياء بأكملها للشيعة من أجل تأمين حماية المقدسات في السيدة زينب، وذلك بمنع أهالي الحسينية والذيابية والحجر الأسود من العودة إليها، وجلب الشيعة وتوطينهم لتكون مستوطنة جديدة ترفع راية الانتقام.

هذا في جهة، ولكن ما الذي يجري في تلك الجهات الباقية؟

مشروع خلف الرازي

وهنا تبدأ معركة النظام لطرد سياج ثوري يسمى حي خلف الرازي، الذي ثار في وجه النظام مع جيرانه في كفرسوسة وداريا، ليلقن أهله درساً في الطرد بالقانون، وبحجة بناء مجمعات سكنية لهم، حضارية، غير البيوت العربية التي خرج منها الثوار، وعقوبة لأهاليهم وإعادة رسم جغرافية بشرية جديدة عبر منح هؤلاء بيوتاً في ضواحي العاصمة، في تهجير ناعم لهم، وتعويضهم بقروش بدل الملايين التي تساويها عقاراتهم، وهم يتحدثون عن تجارب سابقة حصلت مع أهالي حي كفرسوسة عندما سلبت بساتينهم وهدمت ديارهم ومنحوا بيوتاً صغيرة في ضاحية قدسيا والحسينية وأفضلهم حظاً حصل على عقار وحيد في تنظيم كفرسوسة الذي وصل سعر الشقة فيه إلى 152 مليون ليرة حالياً.

المشروع الذي أُقر بما يعرف بالمرسوم  66 كما يصفه معدوه، (مدة التنفيذ خمس سنوات، ويوفر 400000 فرصة عمل – 2 مركز صحي- 33 محضر استثماري- 50 طابقاً- 168 برجاً سكنياً من 11-22 طابق- 4 محطات وقود- 4 مراكز للجهات الحكومية- 5 دور عبادة بينها كنيسة واحدة- 12 محضراً لتخديم التنظيم- 17 منشأة تربوية).

وليست هذه المشاريع سوى إرادة إيرانية ومال إيراني يراد منها تغيير وجه دمشق الأموي، وهذا ما تم عبر سلسلة من الاستملاكات أُفشل بعضها كشارع الملك فيصل، الذي أُريد منه هدم جزء كبير من دمشق القديمة، وإبراز العتبات الشيعية، وهدم مساجد السنة، لكنه لم يمرر بضغط شعبي، في حين نجحوا بهدم السوق العتيق وتحويله حالياً إلى حديقة بائسة ينام فيها المهجرون من أحياء العاصمة وريفها والمحافظات الشرقية.

نهب مدروس

في بداية الثورة، عمدت قوات الأمن إلى تدمير البيوت أو حرقها، ومن ثم بعد، إحكام سيطرة على أحياء العاصمة والريف بدأت تتبع سياسة جديدة، اعتمدت على إغلاق وتشميع بيوت المعارضين والمهجرين، ومن ثم وضع اليد عليها وتحويلها إلى ثكنات لجنودها الذين لم يتورعوا عن تخريبها وانهاكها.

المرحلة الأخطر جاءت فيما بعد، ومع استمرار الصراع، بقيام هذه الأجهزة بإسكان عناصرها في هذه البيوت، وتزوير ملكياتها وتحويلها باسم الموالين، وتنظيم عقود شراء وهمية، ومن ثم بيعها بأرخص الأثمان خصوصاً بيوت الأحياء الجنوبية لدمشق وذلك لمنع الأهالي من التفكير بالعودة إطلاقاً.

طرق بيع وشراء تمت عن بعد في مناطق أخرى، فقد أجبر بعض مهجري (حرستا) الذين فروا إلى دمشق وريفها وتحت تهديد الاعتقال، على بيع عقاراتهم بأسعار رخيصة، فبيعت شقق سكنية بـ 700 ألف ليرة وهي تساوي ما بين 2-3 مليون ليرة، عندما كان الدولار يساوي 50 ليرة، كما تقول إحدى النساء التي هُددت بزج أولادها في السجن مع أبيهم المعتقل، إذا لم تبع بيتها في حي (السيل).

أسعار في الحضيض

 تنقسم العاصمة وريفها إلى سعرين عقاريين متناقضين، ففي حين ترتفع أسعار عقارات بعض أحياء العاصمة، مثل المزة والمالكي، بفعل ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية، بقيت أسعار بعض عقارات الأحياء الفقيرة التي انتفضت على النظام بسعرها العادي بل إن بعضها (الأحياء القديمة) لا يوجد إقبال على شرائها، لما شهدته من أحداث دموية وخشية من عودة الصراع إليها.

مناطق بيادر نادر والدحاديل، التي تشهد اكتظاظاً بشرياً سببه الهجرة من المناطق الشرقية، تشهد حركة بيع ضمني بين الأقارب خصوصاً، بعد رغبة الكثيرين بالهجرة، وكذلك بساتين كفرسوسة التي شهدت اشتباكات عنيفة تكاد تخلو من حركة بيع وشراء ،  وأسعار العقارات هناك لا تتعدى المليون للبيت العربي الذي يقع على أرض مساحتها 150 متراً ولحدود المليونين للشقق التي لا تتجاوز مساحتها 120 متراً.

في الريف الغربي للعاصمة، لا استقرار حقيقي للمدن الواقعة تحت سيطرة النظام، وشهدت دماراً كبيراً في الكثير من أحيائها، وأسعار العقارات فيها منخفضة، والكثير منها تمت مصادرته، أو اتخاذه مقرات للجنود، وبعض الأهالي قاموا بإسكان ذويهم المهجرين فيها كي لا تقوم قوات النظام بالتصرف فيها.

بعض الضواحي في الريف نشطة إلى حد ما، كضاحية قدسيا وجديدة عرطوز، فيما تراجع نشاط ضاحية حرستا إلى الحضيض بسبب الأعمال العسكرية في محيطها.

أسعار جنونية

سبق وأن صنفا دمشق كثالث مدن العالم غلاءً، بعد نيويورك وطوكيو، وهي كذلك حتى في أزمتها الحالية، فعقارات المالكي والمزة وتنظيم كفرسوسة تتواصل فيها الارتفاعات وبعضها كما يقول التجار يباع بـ (السنتيمتر)، وذلك لوقوعه في المناطق التي  يفرض عليها النظام حراسة مشددة، وكذلك المحال الواقعة في الأسواق الكبرى كالحميدية والصالحية والجسر الأبيض.

سعر الشقة مساحة 120 متراً في تنظيم كفرسوسة ما بين 100-150 مليون ليرة سورية، في المزة فيلات غربية تتراوح الشقة بنفس المساحة بين 70- 150 مليون ليرة، وأما في المالكي فتتراوح حسب كسوتها وموقعها بين 150-250 مليون ليرة.

في سوق الحميدية، فروغ المحل يصل ما بين  70 - 150 مليون ليرة سورية، حسب موقعه، وهنا لا بد الاشارة إلى أن أغلبها يتم تحويله إلى مطاعم في تغيير جوهري لمهن وبنية المالكين، والضغط عليهم لإخراجهم من الأسواق.

في حين أحياء مثل، ركن الدين والميدان، توقفت فيها حركة البيع بسبب نشاطها في الثورة السورية، وهي تعاني من ضغط الحواجز والقبضة ألأمنية والاعتقالات المتكررة.

دمشق عقار محتل

دمشق بكل أحيائها ومحيطها، ليست سوى مدينة مستولى عليها حالياً، وليس لدى أي من ساكنيها أي شعور بالأمان، فمن يملك فيها بيتاً، من الممكن أن يكون خارجه في أي وقت.

الأوضاع المضطربة ستنتج بالضرورة سوقاً مضطربة، وكذلك هيمنة النظام وأتباعه من شبيحة واستيلائهم على عقارات المعارضين والفارين من الموت، رتبت خللاً كبيراً في إمكانية تقدير أسعارها، ودفعت لإنتاج سوق حرب تتحكم فيه القوى التي تستولي عليه،  وتسيطر على الأرض.

ترك تعليق

التعليق