أردوغان يلوح لبوتين من الدوحة

قد تخسر روسيا أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي منها، وهي تركيا، التي أرسل رئيسها رسالة واضحة المعالم من العاصمة القطرية، الدوحة، في ثاني أيام زيارته إليها، حينما أعلن عن اتفاق جديد لشراء الغاز الطبيعي المسال من قطر، دون أن يورد تفاصيل أخرى.

قطر، أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، وقفت على الحياد الدبلوماسي حيال أزمة إسقاط الطائرة الروسية من جانب تركيا، وعبّر وزير خارجيتها عن ثقته أن تركيا وروسيا سيجدان حلاً سياسياً لـ "أزمة الطائرة"، لكن مراقبين يعتقدون أن ما يجمع بين قطر وتركيا، أكبر بكثير من مجرد الحياد، نظراً لمصالحهما ومواقفهما المتقاربة جداً في الملفين السوري والمصري.

ورغم الضرر الآني للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها روسيا على تركيا، في مجالي السياحة وتصدير المنتجات الزراعية والغذائية، يبدو أن قضية الغاز تحديداً هي الأشد خطورة على أنقرة، والتي يراقب الشارع التركي مسارها بدقة، فهي تؤثر على حياته اليومية بصورة كارثية، خاصة في فصل الشتاء.

وتُورّد روسيا لتركيا أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز بواقع حوالي 30 مليار متر مكعب من أصل 50 مليار سنوياً.

وتستورد تركيا الغاز من روسيا عبر خطي أنابيب، ويعتقد خبراء في القطاع الخاص التركي أن البنية التحتية لمنشآت الطاقة بتركيا تناسب استيراد الغاز الروسي تحديداً، وأن استيراد الغاز من مصادر أخرى سيزيد التكلفة على تركيا، التي تتكلف سنوياً 50 مليار دولار أمريكي لاستيراد معظم حاجاتها من النفط والغاز.

في المقابل، يرى فريق آخر من المراقبين أن تركيا قادرة على إحلال الغاز المُسال المنقول في بارجات، محل ذلك القادم إليها عبر الأنابيب من روسيا.

ورغم أن المسؤولين الروس أكدوا أنهم ليسوا في وارد المسّ باتفاقات توريد الغاز لتركيا، إلا أن وسائل إعلام روسية ألمحت لسيناريوهات من هذا القبيل، وهو ما تناولته تركيا بجدية، الأمر الذي يجعل ملف الغاز من أبرز الأولويات في جدول أعمال الرئيس التركي في الدوحة.

وكانت تركيا وقطر قد وقعتا خلال العام الجاري اتفاقية بتوريد 1.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من قطر إلى تركيا، لكن الاتفاقية الجديدة التي أعلن عنها أردوغان، اليوم الأربعاء، في الدوحة، يبدو أنها ستُضاعف هذا الرقم عدة مرات.

ويرى محللون أتراك أن روسيا ستكون الخاسر الأكبر من وقف تعاونها في مجال الغاز مع تركيا، لأن روسيا ليست المنتج الوحيد لهذه السلعة، وفي مقدور تركيا أن تغطي حاجاتها من منتجين آخرين، كقطر وشمال العراق والجزائر ونيجيريا، وربما أيضاً إيران.

وبالفعل صرح مسؤولون بحكومة شمال العراق، "الكردية"، أن باستطاعة أربيل أن تزود تركيا باحتياجاتها من الغاز في حال أوقفت روسيا توريد الغاز لأنقرة.

في هذه الأثناء، يصطحب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وفداً رفيع المستوى إلى الدوحة، يُوحي بحجم وأهمية الملفات التي ستتم مناقشتها، والتي لا بد أن الاقتصاد يحتل في وسطها أولوية كبيرة.

وقطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وبلغت قيمة صادراتها 76.8 مليون طن في عام 2014، فيما تمتلك احتياطياً من الغاز يبلغ 885 تريليون متر مكعب.

وتتمتع العلاقات القطرية التركية بمتانة عالية، إذ شهد البلدان 6 قمم خلال 15 شهراً، في مؤشر على حجم التنسيق المتبادل بين العاصمتين القطرية والتركية.

وفي المجال الاقتصادي، يتوقع أن يبلغ حجم التبادل التجاري 1.5 مليار دولار في العام الجاري، بعد أن كان 800 مليون في 2014، بينما في عام 2000، كان الرقم لا يتجاوز 38 مليون دولار.

وتعمل في قطر أكثر من 60 شركة تركية كبرى، ونحو 150 شركة صغيرة تعمل في مجال المقاولات والإلكترونيات والتجارة والبنية التحتية، باستثمارات يتوقع أن تصل الى 30 مليار دولار، بينما الاستثمارات القطرية المباشرة في تركيا تصل إلى 930 مليون دولار، في مجالات الطاقة والمشاريع العقارية والزراعية والسياحة، وهناك حديث عن دراسات لمشاريع بالمليارات، تعتزم قطر تنفيذها في تركيا خلال المرحلة المقبلة.

ترك تعليق

التعليق