حريق دمشق القديمة.. ماذا يقول التجار؟


استفاقت دمشق، السبت، على حريق هائل التهم معظم سوق "العصرونية" الشهير في دمشق القديمة. وبحسب مصادر رسمية تابعة للنظام فالحريق تسبب بتدمير أكثر من 80 من المحال التجارية، فضلاً عن دمار جزئي في السوق الأثري، من دون وقوع خسائر بشرية، لأن الحريق نشب في وقت مبكر من صباح السبت.

استمر الحريق لأكثر من ساعتين، قبل بدء فرق الدفاع المدني والإطفاء إخماده، مع العلم أن فوج إطفاء في شارع النصر لا يبعد سوى كيلومترين عن موقع الحريق، فضلاً عن انتشار كبير للعناصر المسلحة التابعة لمليشيات النظام، والتي فرضت طوقاً أمنياً على السوق حال دون وصول أصحاب الرزق إلى محالهم التجارية.

أحد تجار المنطقة أكد لـ"المدن" أن سرعة إنتشار الحريق بهذا الشكل هو أمر طبيعي، نتيجة طبيعة بضائع المحال التجارية التي تحوي موادَ قابلة للاشتعال، وألعاب أطفال بلاستيكية، فضلاً عن الجدران والأسقف الخشبية، وانفجار بعض "جرات الغاز" المنزلي.

وقالت مصادر رسمية إن سبب الحريق هو "احتكاك كهربائي" أدى إلى اشتعال أول محل تجاري في السوق، نتيجة وصول الكهرباء بعد انقطاعها بسبب التقنين، فيما يؤكد أحد أهالي المنطقة أن هذا الكلام عارٍ عن الصحة، وأن الكهرباء لم تنقطع في منطقتهم منذ العاشرة ليلاً، أي قبل ساعات طويلة من إندلاع الحريق. ما يضع الشكوك بأن الحريق مفتعل، وبأيد خفية تعمدت إحراق السوق.

وراح ناشطون ومحللون سياسيون يضعون إيران والمليشيات التابعة لها في محيط مقام السيدة رقية المجاور للسوق، محل الشك، حول إفتعال الحريق، مستشهدين بروايات لم تثبت صحتها حتى الآن، بأن تجار المنطقة امتنعوا عن بيع عقاراتهم لإيران في الأشهر الأخيرة، لإكمال توسعة محيط السيدة رقية.

ويؤكد خالد، وهو صاحب محل لبيع الألبسة في العصرونية، أن الكلام الذي يتم تداوله مؤخراً عن مضايقات للتجار لإجبارهم على بيع محالهم التجارية عار من الصحة، وأن ما جرى بحسب ما وصفه هو "لعبة تجار ودولار"، مشيراً إلى أن الحريق مفتعل بأيدٍ تابعة لكبار التجار المقربين من النظام، لتحريك السوق الراكد منذ شهر تقريباً، بعدما قارب الدولار 500 ليرة سورية. ولا يخفي خالد أن لإيران دوراً في استملاك كثير من المنازل، وجلب عوائل شيعية للسكن في محيط السيدة رقية وغيرها من الأحياء المحببة لهم، لكنه يستبعد أن يكون لها يد في افتعال الحريق.

ويعيد ناشطون التذكير بمشروع إيران الذي تم توقيعه مع النظام السوري قبل بداية الثورة بسنوات، والذي عُرف بمشروع "شارع الملك فيصل". وأعلنت محافظة دمشق حينها عن نيتها هدم أسواق العمارة والمناخلية، كي تظهر أبواب دمشق وسورها القديم، ضمن ما يعرف بمشروع "كشف سور دمشق"، وتوسعة جديدة تشمل مقام السيدة رقية لينافس المسجد الأموي الكبير. ولكن المشروع سرعان ما توقف بعد اعتراض كثير من تجار المنطقة والأهالي ومنظمة اليونسكو، على تدمير المنطقة الأثرية في دمشق القديمة وتشريد ما يزيد عن 5 آلاف عائلة وأكثر من 1000 محل تجاري.

ويقول سمير، رجل الأعمال في دمشق القديمة: "أملك مطعماً وفندقاً ومنزلاً قديماً في القيمرية والشاغور، وكنت قد عرضتها للبيع منذ ثلاث سنوات، ولكن لم يطرق بابي سوري أو إيراني ليشتري تلك العقارات مني. ربما يكون ما جرى معي صدفة، لكني لم اسمع شخصياً عن القيام بعمليات شراء بالإجبار في مناطق معينة، مع أنني اقطن هنا منذ عشرات السنين".

ويصر محمد، صاحب متجر لبيع ألعاب الأطفال في السوق المتضرر، أن هذا الفعل تم بأيد إيرانية وبالاشتراك مع كبار رجال الأعمال في النظام السوري، لإخضاع السوق لسيطرتهم، "بعد خسارتنا المليارات خلال ساعات، فأنا الآن على الحديدة، لا أملك سوى ما يكفيني لإزالة الركام من محلي المدمر بشكل كلي، وعلى الأرجح أن أبيع متجري المتآكل بالنيران لأول زبون، وأرحل عن هذه البلد". بحسب محمد، "الرسالة باتت واضحة، أنها سياسة التهجير العلني لسكان دمشق القديمة"، ويرجح أن يكون الفعل القادم في سوق المناخلية، عبر حريق أو تفجير يهجّر من تبقى من سكان وتجار المنطقة.

وتحدث أبو ياسر، تاجر ألبسة في سوق الحريقة، عن أن الحريق مفتعل من قبل المتحكمين بسعر صرف الدولار، ودخول وخروج البضائع من وإلى سوريا، فالشارع محتقن، والتجار باتوا لا يشترون إلا كميات قليلة من البضائع، بسبب ارتفاع أسعار الجمارك وزيادة الضرائب. وكما أن تقييد التجار بسعر صرف الدولار بحسب "المصرف المركزي"، يتسبب بخسائر كبيرة للتجار، إذ يختلف سعر الصرف الرسمي عن السوق السوداء بحدود 75 ليرة سورية للدولار الواحد، الأمر الذي تسبب بخسارات كبيرة لدى تجار المنطقة عموماً.

ولأن العصرونية من أكثر الأسواق التي من الممكن أن تلتهمها النيران سريعاً، بسبب احتوائه على البضائع البلاستيكية سريعة الاشتعال، جاءت الرسالة واضحة. فالحريق، بحسب أبو ياسر، لم يفرق بين تاجر شيعي وتاجر سني، وأكبر المتضررين من الحريق هو تاجر دمشقي شيعي من آل نظام. ولا يستبعد أبو ياسر أن يكون الحريق هو اتفاق لإكمال المشروع الإيراني مع التجار الكبار، لضرب عصفورين بحجر واحد، فـ"كل شيء في زمن الحرب ممكن".

وقالت مصادر خاصة لـ"المدن"، إن صاحب "وكالة قنوص" بسام قنوص (أكبر وكالات سوق العصرونية، وأول المحال التي بدأت بالاحتراق) مختفٍ منذ ثلاثة أيام، وما من أحد يعرف مكانه، فيما ترجح المصادر أن يكون اختفاؤه نتيجة خلاف شخصي مع كبار تجار النظام وضباط مخابراته، الأمر الذي دعا لمعاقبته عبر إحراق محله، ما تسبب في امتداد الحريق ليشمل السوق كاملاً.

ويقول أحد تجار سوق الصاغة، البعيد نسبياً عن العصرونية، إن ما سيجري في الأيام القادمة عند البدء بإعادة الإعمار والترميم، سيكشف كل شيء، و"لا داعي للعجلة حالياً، فالأسماء التي ستمول الترميم وستأخذ مناقصات إعادة الإعمار من المحافظة، وستقوم بمساعدة من لا يملك ثمن ترميم محله، هي التي ستدلنا على الفاعل الحقيقي للحريق".

ترك تعليق

التعليق