السكر بات حلماً في الحسكة.. وإغلاق المعابر والدولار وضرائب "الديمقراطي الكردي" تتحالف معاً


تواصل الأسعار تحليقها في أسواق الحسكة، خلال الأيام الماضية، بالتوازي مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، فيما يحول إغلاق الطرق والمعابر المؤدية إلى المحافظة، دون توفر المواد الغذائية بالكميات المناسبة، حتى بات حلم كل مواطن أن يجد "سكر الشاي" أو "الخضار" في متجر بقريته.

وأفادت سيدة من بلدة "السفح"، طلبت عدم ذكر اسمها، بأن سعر 1 كغ من سكر الشاي بات يفوق 1000 ليرة سورية، بينما كنّا متعودين في القرى شراء كيس كامل من السكر 5كغ، وقد أمسى سعره اليوم في مدينة رأس العين 55 ألف ليرة، وفي سوق مدينة الحسكة 60 ألف ليرة، فكيف لنا أن نشتريه.

وقالت السيدة لـ"اقتصاد" إن زوجها اشترى 3 كغ من مجلس "الكومين" التابع لـ"الآبوجية" (PYD)، منذ ثلاثة أيام، واليوم صنعت لأطفالها الخمسة، شاياً في الصباح، لكنها تتوقع أن ينتهي ما لديها يوم غد، ولا تعرف إن كانوا سيستطيعون شراء غيره، حتى أن المجلس لا يعطيهم كامل الكمية المخصصة لهم وهي 5 كغ.

وأضافت السيدة، أنها اشترت بـ 1000 ليرة 1،5 كغ من البطاطا قبل يومين، لكنها لم تكفِ سوى وجبة الغداء للأولاد، ليعودوا في المساء لأكل الخبز لوحده، واليوم سعر البطاطا التركية 350 ليرة ويعتبر رخيصاً مقارنة بالأيام السابقة، رغم ذلك نحن لا نستطيع الشراء بهذه الأسعار لأن عملنا هو الزراعة ونملك عدداً من رؤوس الأغنام، وهذا العمل لا ينتج المال بشكل يومي، كما لا نستطيع أن نبيع كل يوم ما نملك لنأكل.

سيدة تعمل في التجارة، التقاها "اقتصاد" في سوق "السبت" ببلدة "أبو رأسين" شمال الحسكة، قالت إنها تبيع قطعة القماش بين 1900 إلى 2000 ليرة، وهذا سعر غال على الناس، لذلك لم تعد تستطيع بيع الكثير من بضاعتها، ورغم أنها تتمنى أن تبيع القطعة بـ 500 كما في السابق، لكنها اليوم تشتريها بـ1800 ما يجبرها على رفع السعر قليلاً لتحقيق هامش من الربح.

وأشارت التاجرة إلى أنها في ساعات العصر ستعود إلى منزلها ويجب أن تشتري لأطفالها الطعام، فالسوق يأتي كل أسبوع إلى البلدة وأسعاره تعد الأكثر انخفاضاً بالأسواق، مضيفة: "البندورة مفقودة لم أرها اليوم في السوق، وسعر الثوم 350، الكوسا 250 وهي سيئة النوعية، فيما يباع "المعلاق" (الكبد) بـ 4 آلاف ليرة، وحذاء البلاستيك 700 ليرة، ومسحوق الغسيل (نوع رديء) 700 ليرة سورية، فليس التاجر بمعزل عن الضرر".

فتش عن الدولار

وعزت "هيئة التموين" في الإدارة الذاتية الكردية، هذا الارتفاع بالأسعار إلى الحصار الخانق المفروض على المنطقة عامة والحسكة خاصة، المتمثل بإغلاق حكومة إقليم كردستان العراق معبر "فيش خابور" منذ شهرين، ومنع تنظيم "الدولة" في مدينة الرقة دخول المواد من جهة أخرى، كل ذلك أدى إلى نفاذ المواد المتواجدة في المنطقة، وفق ما ذكرت في بيان لها.

وقالت الهيئة أيضاً، إن "شراء المواد بالدولار إن دخلت للمنطقة، وعدم استقراره أمام الليرة السورية، يؤدي إلى ارتفاع في سعر المواد"، مشيرة إلى أنها تعمل على كسر الحصار بتحضير إنتاج خضار من بيوت بلاستيكية، وزراعة جميع أنواع الخضار والفواكه للتقليل من هذه الأزمة، إلى جانب مراقبة الأسعار.

ويرى الناشط "محمود الأحمد"، من القامشلي، أن الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، أوقعت المنطقة بهذا المأزق، لأنها منعت دخول البضائع والمواد إلى المحافظة من الطرق المعروفة، وحصرتها بما تسميه "نقطة المبروكة الحرة"، حيث اعتبرت نفسها دولة مستقلة عن جوارها، فأخذت تجبر الشاحنات التي تريد العبور إلى المحافظة على الخضوع لتفتيش دقيق في المبروكة، ثم تفرض عليها "ضرائب جمركية"، ما يسهم في رفع أسعار المواد القليلة أصلاً.

وتحدث الناشط لـ"اقتصاد" قائلاً إن الأسعار تضاعفت بشكل موازٍ لصعود سعر الدولار الأمريكي مقابل الليرة، فمثلاً كان الدولار قبل شهرين يُصرف بأقل من 400 ليرة سورية، اليوم بات يصرف بما يقارب 700 ليرة، وهذا يعني أن أسعار المواد تضاعفت خلال شهرين، فيما تزيد ندرتها من سعرها، خاصة بعد إغلاق معبر "فيش خابور" مع شمال العراق، والذي كان ممراً للمواد الأساسية باتجاه سوريا كما يعتبر منفذاً لبضائع التجار من ريف حلب الشمالي والمحافظات السورية إلى العراق.

سوق حرة بين الحشد الشعبي ومناطق (PYD)

وتحدث "الأحمد" عن إنشاء ما يشبه "سوق حرة" في قرية الإسكندريون في ناحية تل حميس قرب الحدود العراقية السورية، بعد ازدياد نشاط تهريب المواد هناك، فيما يتم التعامل في هذه السوق، التي تكونت دون تخطيط، بالدولار الأمريكي حصراً، وبأسعار مرتفعة رغم توفر جميع المواد الغذائية فيها.

وأشار الناشط إلى أن مساحة السوق صغيرة، يقوم عليه تجار عراقيون ويزيديون من سنجار العراق، حيث تسيطر الميليشيات اليزيدية المرتبطة بالحشد "الشعبي" العراقي، ونادراً ما يشتري من السكان، فالبيع بالجملة للتجار فقط، ولا يوجد بيع تجزئة.

ويعتبر هذا السوق الصغير، تعويضاً لمناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) عن معبر "فيش خابور" المائي مع إقليم كردستان العراق، الذي أغلقه الإقليم في آذار/مارس الماضي، ما يعني أن حزب الاتحاد الديمقراطي يبحت عن معبر تسيطر عليه قوات يتفق معها كحزب العمال الكردستاني (PKK) والحشد الشعبي التابع للحكومة العراقية، حتى لا يجبر على استخدام المعابر الخاضعة لسيطرة قوات البيشمركة الكردية، التي يعتبرها منافسة له في العراق وسوريا.

لماذا السكر؟!

أمسى البحث عن السكر الهاجس اليومي لكل صاحب أسرة في الحسكة، وخاصة في قرى الريف البعيد. لكن كميات جيدة تصل إلى القرى الحدودية مع العراق في ناحية "جزعة" القريبة من معبر "اليعربية"، وذلك عبر مهربين يزيديين، وتتراوح الأسعار في كل الأحوال والمناطق بين 800 و1300 حسب بعد المنطقة عن الحدود، وفق الناشط "ملاذ اليوسف".

ويرى الناشط الميداني، أن أهمية السكر لدى السكان، تكمن في أنه المكون الأساس لصناعة الشاي، وهو المشروب الأكثر شعبية في سوريا، ويتم تناوله بعد كل وجبة طعام، وفي الصباح وخلال كل جلسة مع الأهل والجيران، كما يقدمونه للضيوف، حتى بات حاجة أساسية وليست كمالية، فيما يدمنه أغلب السكان، حتى أن من يحرم منه ليوم كامل تظهر عليه أعراض تتلخص في الغثيان والصداع والمزاج السيء.

كما تعد أزمة السكر مؤشراً خطيراً على أزمة غذاء من الممكن أن تحدث في حال استمرار إغلاق المعابر، وإن لم تحدث أزمة فقدان مواد غذائية، فهناك مؤشرات على أزمة انعدام القدرة الشرائية، حيث تستنزف الأسعار المرتفعة مدخرات السكان الشحيحة، بالإضافة للفجوة الكبيرة بين دخل الأسرة والتزاماتها المادية تجاه الطعام اليومي فقط، ونادراً ما توجد أسر ليست مدينة بما يفوق قدرتها على السداد، وهذا ما قد يهدد ملكية الأهالي لعقاراتهم ومواشيهم، لشراء الغذاء، حسب "اليوسف".

ترك تعليق

التعليق