منظمة الأمم المتحدة.. هل شكلت الاقتصاد البديل للنظام؟


موظفو المنظمة الدولية في سوريا يتم تعينهم من وزارة الخارجية والجهات الأمنية.
 
الهلال الأحمر "السوري" ذراع فعلي للمخابرات وليس وسيطاً إغاثياً.



تناقلت وسائل إعلام عربية ودولية، تحقيقاً صادماً نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، كشف صفقات بالملايين أبرمتها بعثة المساعدات الأممية مع مقربين من نظام الأسد.
 
ولم يكن هذا التحقيق محض صدفة، بل سبقه العديد من التحقيقات الصادمة التي مازالت تؤرق الأمم المتحدة منذ سنوات، وهي أيضاً واحدة من أكبر الفضائح، حينما اتُهم موظفو بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة عام 2014، رسمياً، بالاعتداء الجنسي أو استغلال 42 مدنياً محلياً، معظمهم من الفتيات القاصرات في إفريقيا الوسطى.

وفي ذلك الوقت وصف الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" الاعتداءات الجنسية لقوات حفظ السلام بأنه "سرطان في نظامنا".

والفضيحة اليوم بين النظام والأمم المتحدة هي إنكارها لمبادئها الممثلة بوكلاء فاسدين في سوريا، في ظل إدارة أمين عام مشكوك بقدراته. ولعل هذا التقرير ليس عن مدى صحة الأرقام وهي مؤكدة، وإنما عن حجم فساد هذه المؤسسة الدولية في سوريا.

2 إلى 3 مليار دولار
 
وهنا يؤكد المحلل والخبير الاقتصادي، د. حسين العماش لـ"اقتصاد"، أن المساعدات المخصصة للمناطق المحررة وهي المتضررة، تمر فقط ضمن مؤسسات النظام، حتى ولو كانت في مناطق بعيدة، مع وجود مراكز حدودية تحت سيطرة المعارضة، وإنكار الأمم المتحدة وعدم الاعتراف بسيطرة المعارضة قد حرمها من تلك المساعدات، وهو يتناقض مع مبادئ الأمم المتحدة الإنسانية، وبذلك تكون تشاركت مع النظام بجريمة الحصار والإغاثة.

وبيّن د. "حسين العماش" أن النظام يشترط دائماً أن يكون الهلال الأحمر السوري، كمنظمة أهلية، الوسيط الإغاثي، لكن مراقبين يعتقدون أن الهلال الأحمر السوري ذراع فعلي للمخابرات، وهي سرقة علنية، إذ بسببه انتهت نسبة كبيرة من المساعدات الأممية إلى مناطق للنظام التي لا تستحق الإعانة، مقارنة بالناس تحت الحصار الجائر.

 ولا نبالغ إذا قدرنا أن تلك المساعدات المنهوبة بصورة رسمية بالشراكة بين النظام ووكلاء الأمم المتحدة بلغت ما بين 2 إلى 3 مليار دولار على الأقل، وهي التي ساهمت باستمرار آلة القتل كل هذه السنوات الخمس.

الأمم المتحدة ملزمة بموافقة النظام

وفي التفاصيل، قال د. حسين العماش لـ"اقتصاد"، إن السبب الرئيسي لهذا الفساد، أكبر من قدرة المعارضة، وينبع أولاً من انحياز منظمات الأمم المتحدة لنظام الإجرام الأسدي، بسبب مراكز القرار فيها، من دول مؤثرة أو متواطئة معه بالسر، وثانياً أن الأمم المتحدة لا تزال تتستر بـ "السيادة" لأن حكومة النظام لا تزال عضواً بالأمم المتحدة، وبالتالي تحظى مؤسسات النظام بالاعتراف والدعم العلني والسري.
 
واستطرد د. "حسين العماش" أن الغارديان تحدثت عن التسرب فيما يسمى بالمساعدات الإنمائية المبرمجة فقط في نيويورك، وعندما تتعاقد الأمم المتحدة محلياً فإنها ملزمة بحصولها على موافقة النظام على الشركات المحلية، وبالطبع لن يحظى بالموافقة سوى المؤسسات والشركات المقربة من النظام السوري وأعوانه.

ويضيف "العماش" أن صحيفة الغارديان قامت بعمل مهني رفيع، وهي لأول مرة تفضح الأمم المتحدة علناً، بينما أغلب الصحف الأمريكية والعربية تنظر بقدسية إلى صنم الأمم المتحدة المزيف.

وتابع "العماش"، "لا أعتقد أن المقصود بهذه الفضيحة هو حجم الأموال المنهوبة نفسها، ولا أظن أنها كبيرة إلى هذا الحد، وإنما المقصود هو فضح تقصير وتهاون الأمم المتحدة في المأساة السورية إلى درجة التواطؤ العلني مع المجرم".

ويرى د. "حسين العماش" أن عدم إصرار الأمم المتحدة على تنفيذ مبادئها الإنسانية في مناطق الحروب هو سرقة للأمانة، وكثير من مسؤوليها يتخفون وراء معايير السيادة والعضوية بغض النظر عن حجم الضرر الواقع على السوريين.

ولو كانت الأمم المتحدة صادقة (وهي في أحيانٍ إغاثية لا تحتاج إلى قرار أممي مسيس)، لعملت على توفير المساعدات حتى ولو كانت ضمن رايتها فقط.

ونوّه العماش إلى أنه لا يوجد عقوبات فعلية على الفاسدين أو المقصرين ضمن منظمات الأمم المتحدة.

وأشار "العماش" إلى أنه ومنذ بدء الثورة، كان يفترض بالأمم المتحدة إيقاف أعمالها المعتادة في سوريا (واقتصارها على إدارة الإغاثة في مناطق الكارثة فقط)، لأنها بالنتيجة ستفيد النظام مالياً بعشرات الملايين، وتعزز شرعيته بنظر أنصاره، وهو خطأ فادح لا يغتفر لهذه القيادة غير الكفوءة، التي وصلت إلى حد التعاقد مع مؤسسات أسماء الأسد، ورامي مخلوف، ومنظمات أهلية هي واجهة للمخابرات.

الفساد العظيم
 
ويوضح د."العماش" أنه يجب التفريق بين نوعين من المساعدات الدولية: النوع الأول وهو المساعدات المؤسسية الإنمائية التي تدرج ضمن ميزانيات المنظمات وتعلن مبالغها مسبقاً، وهي عامة ذات مبالغ محدودة ولكنها مؤثرة.
 
والنوع الثاني هو مساعدات الإغاثة والطوارئ، مثل حالة التهجير والنزوح السورية غير المسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، والمساعدات في هذه الحالة ضخمة جداً، بمليارات الدولارات، وهنا يحدث الفساد العظيم ويبدأ من رأس الأمم المتحدة نفسها التي تقتطع 35% من المبلغ لإدارة المساعدات، ثم الدول المضيفة للاجئين بحدود 30% بما فيها حكومة النظام، ثم ما تبقى وهو لا يزيد عن 40% من الإعانات تصل إلى المستحقين.

ويضيف "العماش": "إن ما يجري من فساد ممارسات منظمات الأمم المتحدة (وحتى الاتحاد الأوروبي) عامة، وفي سوريا خاصة، هو ناجم عن البيروقراطية المعقدة ضمن مفهوم المساعدات الإنمائية، والاغاثية. وقد كنا شهوداً على بعض ممارسات الفساد الأممية الواسعة حتى قبل الثورة بسنوات، وهي كلها معروفة، لكنها من "المسكوت عنه" في ظل الاتفاقيات السيادية الموقعة بين الطرفين، وربما يذكر بعضنا منحتي الدعم المؤسسي عامي 2008 و2009 البالغة نحو 30 مليون دولار، والتي لم يعرف عنها السوريون سوى مكتب بسيط بشارع الفردوس بدمشق وبلوحة عريضة وثلاثة موظفين فقط".
 
وقال د. "حسين العماش"، وبالتحليل عما كشف عنه في عام 2016، فهو ليس مفاجئاً، ولكن يجب أن نلقي بعض اللوم على المعارضة التي يتصدر مؤسساتها المالية، هواة مسلحون بالشتائم، وعديمو الخبرة بالمؤسسية الدولية، بدءاً بمكتب تنسيق الدعم المشهور، وسهير أتاسي وما تبع ذلك من أشخاص، ومن حينها أضاعت المعارضة السياسية والمهنية فرصاً عديدة لتعديل ممارسات الأمم المتحدة وابتعدت عن المهنية المالية الدولية، حسب وصف "العماش".

قاعدة البيانات مشتركة بين المنظمة الدولية والجهات الأمنية
 
من جانبه، أشار "يونس كريم"، كاتب وباحث سوري، في حديث لـ"اقتصاد"، إلى أن أغلب موظفي الأمم المتحدة في سوريا وخلال سنوات الثورة، يتم تعينهم بعد موافقة وزارة الخارجية والجهات الأمنية لدى النظام، حيث تعتبر موافقة الأمن شرط أساسي لتعيين أي موظف.

وأضاف كريم، "من جهة أخرى هناك رشاوى عينية ونقدية تدفع بشكل متبادل بين المسؤولين في النظام والجهات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ومنها منظمة الغذاء العالمي".

وتابع: "كما تقوم الجهات الأمنية بتحديد الأماكن التي ستتم فيها توزيع الإعانة، وكمياتها، والأسماء والمنظمات والأشخاص الذين سيتلقون هذه المساعدات (غذائية، طبية، وإغاثية)"، منوهاً إلى أن منظمات الأمم المتحدة ترفض إدخال أي مساعدات للمناطق المنكوبة إلا عن طريق المعابر التي يسيطر عليها النظام رغم توفر معابر أخرى تعطيهم استقلالية وأقل كلفة، سواء أكانت مقدمة للمناطق الخاضعة لسيطرة الأسد أو تلك المحاصرة.

ويقول يونس الكريم: "إن قاعدة البيانات الخاصة بقوائم التوزيع للمستحقين على كامل الأراضي السورية، تتم مشاركتها بين المنظمة الدولية والجهات الأمنية".

وأوضح الكريم أن المناقصات وشراء السلع يتم عبر صفقات مع رجالات النظام، كما يقوم النظام السوري بتوفير الخدمات والعاملين حيث تمتنع المنظمات عن توظيف أي شخص من المعارضة ولا يحصل على الموافقات الأمنية سالفة الذكر، وهذا الأمر يولد حركة نشاط اقتصادية لدى النظام الذي يعاني من الركود لدرجة أن المنظمات تمتنع عن شراء أي سلعة إلا من خلال رجالات النظام مما يدل على درجة تغلغل النظام بهذه المنظمة (برنامج الغذاء العالمي)، كما أن المدراء هم من أقارب المتنفذين بالنظام، كل هذا يقود إلى أن منظمة الأمم المتحدة شكلت الاقتصاد البديل للنظام.

ترك تعليق

التعليق