دراسة خاصة بـ "اقتصاد": الحد الأدنى للمعيشة في سوريا


أصبحت الثورة السورية في النصف الثاني من عمرها، وكلّ يوم يمضي من عمر الثورة السورية تزداد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية سوءاً وعلى صعيد المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية جميعها..

ومن حيث النتيجة الذي يدفع الضريبة هو المواطن السوري الذي أصبح ضحيّة لهذه الأحداث، وبكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معاني..

وفي هذا المقال سنعرض دراسة عن المستوى المعيشي للمواطن السوري، نبين من خلالها المستوى الأدنى للمعيشة، وعلاقة ذلك بخط الفقر والفقر المدقع، وسلوك حكومة النظام تجاه المستوى المعيشي للمواطنين السوريين، وكيف يسدّ المواطن السوري عجزه، وما هي الآثار الكارثية لتدهور مستوى المعيشة في سوريا..

ولنبدأ بالموضوع:

أولاً ـ تعريف الحد الأدنى لمستوى المعيشة وعلاقته بجودة الحياة:

الحد الأدنى لمستوى المعيشة: هو أدنى كمية من النقد يمكن للفرد من خلالها تأمين الحد الأدنى من السلع والخدمات؛ من أجل تأمين الحاجات الضرورية المادية مثل الطعام والشراب والملبس والمسكن، والحاجات الضرورية غير المادية مثل التعليم والصحة والنقل..

أما جودة الحياة فهي تأمين أشياء أخرى فوق الحد الأدنى لمستوى المعيشة، مثل الراحة والأمان والحرية والموارد الثقافية والحياة الاجتماعية والصحة النفسية والبدنية وغيرها من مؤشرات الرفاهية..

وبالتالي دراستنا لا تتعلق بجودة الحياة؛ بل بالحد الأدنى لمستوى المعيشة.

ثانياً ـ المستوى الأدنى للمعيشة في سوريا:

عند دراستنا لمستوى المعيشة في سوريا اعتمدنا على المؤشرات الآتية: الغذاء، المياه، اللباس، الكهرباء، الوقود، مصاريف النقل، الصحة، التعليم، السكن، الاتصالات، مصاريف ضرورية أخرى.

وقد راعينا في هذه الدراسة التفاوت الموجود في المناطق السورية، خصوصاً في موضوع السكن والغذاء والوقود، وأخذنا الوسط الحسابي لعموم المناطق السورية.

وافترضا أنّ عدد أفراد الأسرة خمسة فقط.

وقد تبين لنا أنّ المستوى الأدنى الشهري لمستوى المعيشة للأسرة في سوريا هو /143000/ ل.س وهو ما يعادل /275/ دولاراً بسعر صرف 520 ليرة للدولار.

وكانت نسب توزيعه على المؤشرات كالآتي: 46% على الغذاء، 10.5% على اللباس، 4.2% على الكهرباء، 2.7% على المياه، 3.4% وقود، 2.4% نقل، 4.5% صحة، 4.1% تعليم، 11.8% سكن، 2% اتصالات، 10.4 مصاريف ضرورية أخرى.

من خلال هذه الأرقام نلاحظ ما يلي:

1 ـ إنّ مستوى إنفاق الأسرة على الغذاء يمثل 46% من دخلها وهذا مؤشر خطير؛ لأنّه كلما ازدادت هذه النسبة يدل على زيادة انخفاض مستوى المعيشة لدى الأسرة..

2 ـ بينما الغذاء مع اللباس والسكن يمثل 68.3% من دخلها الشهري، مما يعني أنّ الأسرة السورية تعيش لتحصيل الغذاء واللباس والسكن على حساب الحاجات الأخرى الضرورية كالتعليم والصحة...وهذا يعزز الانحدار في مستوى المعيشة...!!

3 ـ إنّ متوسط الدخل الشهري للموظف في سوريا هو /30000/ ليرة سورية، ما يعادل 58 دولاراً، وهذا يعني أنّ هناك عجزاً في ميزانية الأسرة الشهري بمبلغ قدره /113000/ليرة سورية، بما يعادل /217/ دولاراً في كل شهر؛ أي أنّ نسبة العجز تبلغ 79%.

ثالثاً ـ المواطن السوري يعيش تحت خط الفقر:

وفق المقاييس الدولية، يكون المواطن دون خط الفقر إذا كان لا يستطيع تأمين المستوى الأدنى للمعيشة، ومن خلال ما رأينا أنّ المواطن السوري لديه فجوة شهرية تعادل 113000 ليرة سورية، وهذا يعني أنّ المواطن السوري يعيش دون خط الفقر، بل يعيش ضمن الفقر المدقع؛ لأنّه لا يستطيع تأمين نصف ما يستطيع من حاجاته الضرورية، وبالحقيقة لا يوجد إحصائية رسمية إلى الآن تُظهر نسبة المواطنين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر أو ضمن الفقر المدقع، لكن من المتوقع أنّ أكثر من 85% من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر، وأكثر من نصف هذه النسبة تعيش في الفقر المدقع...

ووفق مؤشر "الإيكونومست" لمستوى المعيشة عالمياً الذي صدر عام 2015م، فقد أشار البيان إلى أنّ سوريا احتلت المرتبة الأسوأ، حيث جاءت الأخيرة في المؤشر الذي يضم 140 دولة، تلتها بنغلادش في المرتبة 139، ثم غينيا الجديدة 138، ثم نيجريا 137، ثم ليبيا 136.

رابعاً ـ ماذا قدمّ النظام السوري من حلول؟!

بالحقيقة لم يقدّم النظام السوري من خلال حكوماته حلولاً لمشكلة المستوى المعيشي للمواطنين، فالسياسة النقدية أو المالية لم تسعفه بحل يُذكر؛ بل مازال التضخم مستمراً ودخل المواطن الحقيقي في انخفاض، وأكثر ما فعلوه هو صدور مرسوم رئاسي رقم 13 في 18/6/2016 يقضي إضافة /7500/ ليرة سورية كتعويض معيشي.

فالأمر الحقيقي أنّ النّظام وصل إلى مرحلة العجز في تقديم الحلول؛ بل تحوّل إلى تاجر يربح من خلال مواطنيه، ففي عام 2016 تم رفع أسعار المحروقات بنسبة 37% تقريباً ليحقق أرباحاً كبيرة من المواطنين، فحسب تصريح وزير النفط السوري ربحت الحكومة من بيع المشتقات النفطية /160/ مليار ليرة سورية عن النصف الأوّل من عام 2016م، فالحكومة تستورد النفط لتبيعه للمواطن السوري ـ الذي يعيش دون خط الفقرـ بربح كبير؛ فحكومة النظام تاجر، وتربح على حساب استغلال فقرائها...

وحكومة النظام لا تترك فرصة لتحصيل الأموال إلا وتتبعها، فالمهم هو تحصيل الأموال لتغطية اقتصاد الحرب، وليس المواطن الذي يعيش الفقر المدقع، فوصل الأمر إلى حدّ أنّ المواطن الذي يسافر خارج القطر ليهرب من فقره زادوا عليه الضرائب، فصدر المرسوم 24 لعام 2016 والذي يقضي بزيادة ضرائب المغادرة إلى خارج سوريا لتصبح:

5000 ل.س لكل شخص يغادر القطر عن طريق المطارات السورية.
2000 ل.س لكل شخص يغادر القطر عن طريق المنافذ البرية والبحرية.
10000 ل.س لكل سيارة خاصة تغادر القطر.

خامساً ـ كيف يسد المواطن السوري عجزه المعيشي؟!

أهم الموارد التي يحاول من خلالها المواطن السوري سدّ عجزه هي:

1 ـ الاعتماد على الحوالات الخارجية التي تأتي المواطن من أبنائه وأقاربه المهاجرين.
2 ـ محاولة الجمع بين أكثر من عمل.
3 ـ عمالة الأطفال والنساء.
4 ـ بيع الممتلكات.
5 ـ الديون.
6 ـ مساعدات الإغاثة الدولية والمحلّية.
7 ـ التسوّل.
8 ـ الحصول على الموارد من طرق غير مشروعة.

وعلى الرغم من هذه الموارد، فقليل من الأسر تستطيع أن تصل إلى المستوى الأدنى المعيشي الذي أشرنا إليه؛ وتبقى الصيغة الغالبة هي العيش ضمن خط الفقر أو الفقر المدقع...!!

سادساً ـ ما هي الآثار الاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة؟!

هناك العديد من الآثار الخطيرة، نذكر أهمها:

1 ـ زيادة التدهور الاقتصادي: فهذا التدهور في الدخل يقود إلى انخفاض الطلب الفعال في الاقتصاد، مما يقود إلى تدهور الاستثمارات في مختلف قطاعات الاقتصاد، مما يوقع الاقتصاد في حلقة مفرغة من التدهور والنمو السالب...

2 ـ اختفاء الطبقة المتوسطة وتحولها إلى طبقة فقيرة؛ مما يحرم المجتمع في المستقبل من تحقيق التنمية السريعة...

3 ـ المساهمة في زيادة ظاهرة الهجرة.

4 ـ تدهور المستوى التعليمي: فنسبة الالتحاق بالمدارس والجامعات باتت متدنية...

5 ـ تدهور المستوى الصحي...

6 ـ تدهور مستوى الخدمات...

7 ـ المساهمة في زيادة الفساد الأخلاقي وانتشار الجريمة...

8 ـ انتشار المشاكل الأمنية...

ترك تعليق

التعليق