زراعة الكرمة في درعا.. مساحات واسعة باتت "أثراً بعد عين"


شهدت زراعة الكرمة في محافظة درعا خلال السنوات الخمس الماضية تراجعاً ملحوظاً، وذلك بسبب الأعمال العسكرية التي طالت معظم ريف المحافظة، وما نتج عنها من حركات نزوح ولجوء نحو المناطق الآمنة، يضاف إلى ذلك الخسائر المتلاحقة التي مُني بها المزارعون، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية، وشح الأدوية الزراعية، وعدم وجود أسواق تصريف، وعدم قدرة المنتجين على الوصول إلى الأسواق المعروفة، بسبب كثرة الحواجز والملاحقات الأمنية للناس، فضلاً عن إغلاق المعابر والمنافذ الحدودية في وجه عمليات التصدير إلى الأردن ودول الخليج العربي، بعد أن سيطرت عليها قوى المعارضة في الجنوب السوري. 

ويقول المهندس الزراعي أحمد أبو صلاح، إن زراعة الكرمة في المحافظة كانت تعتبر من أهم زراعات الأشجار المثمرة، وتحتل المرتبة الثانية من حيث المساحات المزروعة والإنتاج بعد زراعة الزيتون، مشيراً إلى الإقبال الكبير الذي شهدته هذه الزراعة قبل نحو عشر سنين، باعتبارها من الزراعات الاقتصادية الرابحة، التي أسهمت في تحسين الوضع الاقتصادي لكثير من مزارعي الكرمة بشكل خاص، ولنسبة كبيرة من أهالي المحافظة بشكل عام، بعد أن وفرت العشرات من فرص العمل.

وأضاف أبو صلاح أن "مزارع الكرمة تنتشر في معظم مناطق المحافظة بسبب توفر الظروف المناخية والتربة الخصبة الملائمة لإنجاح هذه الزراعة"، مشيراً إلى أن هذه الزراعة تتركز بشكل خاص في ريف درعا الغربي، في مناطق المزيريب وزيزون وتلشهاب وطفس والعجمي ونوى، وفي معظم قرى حوض اليرموك، حيث تكثر مصادر المياه والآبار، وتتوفر كميات المياه اللازمة لري هذه الزراعات.

وأشار إلى أن "المساحات المزروعة بأشجار الكرمة في فترة ما قبل الثورة وصلت في جميع مناطق المحافظة إلى نحو 29 ألف دونم، معظمها مروي على الآبار ومصادر المياه، ضمت أكثر من مليون و600 ألف شجرة كرمة أغلبها من الصنفين البلدي والحلواني إنتاجها السنوي يربو عن 60 ألف طن، من أنواع العنب المائدي والعصيري والتصديري".

من جهته، أكد المهندس الزراعي "قصي"، وهو موظف سابق، أن "زراعة الكرمة في ظل الظروف التي تشهدها سوريا انحسرت وتراجعت بشكل ملحوظ، وذلك بسبب هجرة أصحاب المزارع إلى خارج البلاد، وعدم قدرة من تبقى من أصحاب المزارع على الوصول إلى مزارعهم نتيجة استهدافها من قبل قوات النظام، يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج والأدوية الزراعية وإصابة الكثير من المزارع بمرض الفولكسيرا، وعدم القدرة على علاجها، هذا فضلاً عن عدم وجود أسواق تصريف، كل ذلك دفع المزارعين إلى الإحجام عن العناية بالمزارع وتركها على حالها".

ولفت إلى أن "العنب المنتج في حوران كان يعد من أفضل الأنواع المنتجة في سوريا، بالنسبة لجمال اللون، وحجم العناقيد، ونضارة الثمار، وذلك بسبب نظافة المياه، وخلوها من الملوثات، وتعرض الثمار إلى كفايتها من أشعة الشمس في فترة النضوج، وبسبب معرفة المزارعين الجيدة بهذا النوع من الزراعة، واستخدامهم طرق الري الحديثة، وتقنيات العناية بشجرة العنب"، مشيراً إلى أن الإنتاج السنوي خلال سنوات الثورة تراجع إلى أقل من النصف تقريباً، للأسباب آنفة الذكر.

ويشير المزارع أبو خالد إلى أن "ارتفاع  تكاليف الإنتاج وعدم توفر المبيدات الحشرية وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وعدم الشعور بالأمان، كل ذلك دفع به إلى إزالة مزرعته البالغة مساحتها نحو 10 دونمات"، لافتاً إلى أنه أصبح  يزرع تلك المساحة بالمحاصيل الحقلية منذ عامين، ريثما يتمكن من تأمين غراس الرمان الجيدة لزراعة هذه المساحة.

وأضاف أن الكثير من المزارعين في منطقته قاموا بهذه الخطوة لذات الأسباب، مؤكداً أن زراعة العنب لم تعد مربحة في ظل غياب العناية التي تحتاجها، وبسبب عدم توفر المياه، وقلة الأمطار، نتيجة الظروف المناخية التي  شهدتها المحافظة خلال العامين الماضيين، والتي أدت إلى جفاف عدد من السدود.

فيما أكد المزارع حميد أنه ترك مزرعته البالغ مساحتها 8 دونمات بسبب وقوعها على خط التماس بين قوات النظام وبين فصائل الثوار"، مشيراً إلى أنه رغم وجود بئر مياه  فيها، فإنه لا يستطيع استثمار أرضه التي أصبحت عرائش العنب فيها حطباً، نتيجة عدم العناية وإصابتها بالأمراض، وذلك بعدما كانت تؤمن له ولعائلته مصدر دخل جيد وعدة فرص عمل لأبنائه.

ويشير حميد إلى أن "هناك العديد من مزارع العنب المهجورة نتيجة هجرة أصحابها، وعدم وجود من يهتم ويعتني بها"، لافتاً إلى أن منطقته كانت مشهورة بمزارع العنب الممتدة على مساحات خضراء واسعة بعد الهبة الزراعية التي شهدتها المحافظة قبل أكثر من عشر سنوات، لكنها الآن أصبحت أثراً بعد عين، حسب وصفه.

ترك تعليق

التعليق