مناطق حوران.. الانفلات الأمني يعود بقوة، ويخيّم بظلاله السوداوية على حياة الناس


بعد انحسار وتيرتها لفترة طويلة نسبياً، عادت أعمال العنف والاغتيالات إلى واجهة الأحداث في محافظة درعا  من جديد، متسببة بإزهاق أرواح عشرات من القادة العسكريين والمدنيين والناشطين.

ويشير المحامي، عبد المنعم الخليل، إلى أن الانفلات الأمني الذي تعيشه مناطق درعا المحررة، بما يترافق  مع  تداعيات وظواهر اجتماعية سلبية، هو نتيجة طبيعية لأي  ثورة، بسبب انتشار السلاح والفوضى العارمة التي تسود معظم مناطق درعا المحررة، لافتاً إلى أن انتشار السلاح وعدم الشعور بالمسؤولية لدى البعض، واستمراء عمليات القتل من خلال تصفية الحسابات، "باتت للأسف طاغية في مجتمع كان إلى أمد بعيد يحارب كل أشكال القتل والعدوان على الأرواح والممتلكات، مهما كانت أسبابها ودوافعها، وذلك انطلاقاً من الالتزام بالعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية والسلوكية".

وأضاف أن "السبب في انتشار ظاهرة الاغتيالات في محافظة درعا، وزيادة حدتها، هو انتشار الجماعات المسلحة مختلفة المناهج والرؤى، التي تبيح قتل من يخالفها الرأي"، مشيراً إلى أن السبيل إلى إيقاف هذه الظاهرة والحد منها، هو توحيد الفصائل المسلحة، وإنشاء مؤسسة عسكرية واحدة، تضع قوانين وأنظمة وتعليمات صارمة، حول استخدامات السلاح وحمله، وتمنع إبقاء السلاح بيد العناصر خارج أوقات المعارك والاشتباكات، إضافة إلى إنشاء ضابطة أمنية، ومخافر للشرطة لها القوة التنفيذية، تتكفل بحفظ الأمن، وملاحقة المجرمين واللصوص، وتقدم المخالفين إلى المحاكم الثورية المختصة لينالوا عقابهم العادل".

الناشط، أبو محمد الدرعاوي، أكد أن "المواطن في محافظة درعا أصبح فاقداً للأمن والأمان لهول ما يحدث في بعض مناطقها"، مشيراً إلى أن القتل والخطف والاغتيالات أصبحت ظاهرة متفشية، ولاسيما في مناطق الريف الشرقي، الذي يشهد يومياً عدة حوادث في هذا الإطار.

ولفت إلى أن "استهداف القادة العسكريين والنشطاء الإعلاميين والإغاثيين، يؤكد أن يد النظام هي وراء هذه الاغتيالات، التي تنفذها بعض خلاياه النائمة في المناطق المحررة، والتي  تنشط بناءاً على تعليمات فروع النظام الأمنية"، حسب وصفه. 

وأردف: "هذا لا يعني أن كل حالات الاغتيال تتم على أيدي خلايا النظام، بل هناك الكثير من الاغتيالات كانت أسبابها تصفية حسابات شخصية، وخلافات فكرية بين الجماعات المسلحة"، لافتاً إلى أن أساليب الاغتيال تراوحت ما بين الهجوم بالبنادق الآلية، أو لصق عبوات متفجرة في أسفل السيارات، أو التفجير عن بعد من خلال وضع المتفجرات على طرق اعتادت الشخصيات المستهدفة سلوكها.

مكتب توثيق الشهداء في درعا أكد أن نسبة الاغتيالات تتزايد بين عام وآخر، لافتاً إلى أن المكتب وثّق خلال العام المنصرم 2016، مقتل 169 ضحية نتيجة عمليات الاغتيال بارتفاع بلغت نسبته 159% عن ذات الحوادث خلال العام الماضي 2015، لافتاً إلى أن أبرز عمليات الاغتيال استهدفت قياديين وعناصر في الفصائل المسلحة للجيش الحر، حيث وثّق المكتب مقتل 93 مقاتلاً في الجيش الحر، بينهم 33 قيادياً، في المقابل، وثّق المكتب مقتل 13 مقاتلاً في جبهة فتح الشام، ووثّق مقتل 4 مقاتلين  في حركة أحرار الشام، بينما وثّق مقتل 1 مقاتل في جيش خالد بن الوليد.

وطالت عمليات الاغتيال ناشطين إعلاميين، حيث وثّق المكتب مقتل 3 ناشطين إعلاميين، إضافة إلى توثيق عشرات حوادث الاغتيال خلال الفترة المنصرمة من العام الحالي.

الناشط الإعلامي، سيف الحوراني، أكد أنه في زحمة الاغتيالات هذه لم يعد من الممكن لأي ناشط أن يعمل بشكل علني، أو البقاء في أجواء غير صحية، فحياة الناشط أو من يحاول أن ينتقد أو يعترض تنتهي برصاصة، لافتاً إلى أنه توقف عن الظهور والعمل بشكل علني، منذ أكثر من عام، خوفاً من أن تغتاله "الأيادي الآثمة"، التي اغتالت الكثير من الناشطين قبله دون وجه حق، حسب وصفه.

وأضاف: "لقد تنقلت وسكنت في عدة مناطق، بحثاً عن الأمان وعملت بأسماء مستعارة بعد أن أصبح الناشطون أهدافاً سهلة لخفافيش الظلام"، مشيراً إلى أن عمله الذي كان يتم في العلن مع انطلاقة الثورة، ويتباهى به، أصبح يمارسه الآن بمنتهى السرية.

فيما أكد أحد القادة العسكريين وكان قد تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، أن "حركات القادة العسكريين وتنقلاتهم  بين المناطق المحررة أصبحت مقيدة جداً"، لافتاً إلى أنه لم يعد يُعرف من هو عدوك، ومن الذي يستهدفك، كل شيء مخترق، وقد يغتالك إنسان لم تكن تتوقع أن يقوم بهذه الفعلة، حسب تعبيره.

وأضاف أن "درعا بمناطقها المختلفة تشهد وجود مئات الفصائل والجماعات المسلحة، ولكل فصيل أو جماعة توجه وهدف وممول خاص"، لافتاً إلى الانتشار الكبير للسيارات المفيمة، والأشخاص الملثمين الذين لا يمكن معرفتهم أو معرفة انتماءاتهم، مما سهل تنفيذ هذه الأعمال الإجرامية دون معرفة الجاني.

وأشار إلى أن "وقف الاغتيالات والحد منها، يتطلب تسوية كل الخلافات بين الفصائل، والبحث بشكل جدي عن الخلايا النائمة التابعة للنظام ولبعض الفصائل المتشددة، وإقامة الحواجز بين المناطق، وتفتيش السيارات التي تتنقل عبرها، وأن يقوم كل فصيل باتخاذ إجراءات أمنية في مراكز سيطرته، إضافة إلى منع اللثام وتفييم السيارات، وذلك بالاتفاق والتنسيق بين الفصائل المسلحة ومحكمة دار العدل في المحافظة، والجهات الفعالة الأخرى.

يشار إلى أن الاغتيالات وأعمال القتل التي شهدتها مناطق درعا، أفقدت عشرات الأسر، معيلها الأساسي، في السنوات الثلاث الأخيرة من عمر الثورة السورية، كما تسببت في إزهاق أرواح العديد من أبناء المحافظة دون أسباب مبررة، ما دفع الكثير من الهيئات والمنظمات والشخصيات المحلية إلى رفع الصوت عالياً، للحد من هذه الممارسات.

ترك تعليق

التعليق