أيمن جابر .. النظام يأكل أولاده، وينزل الجمل من السقيفة


لم يلتفت أحد من الشعب السوري، إلى أن النظام كان يرعى صاحب أخطر مؤلفين، يتهجم فيهما على المذهب السني، وهو نبيل فياض، صاحب كتابي، "أم المؤمنين تأكل أولادها"، ويقصد السيدة عائشة، والكتاب الثاني، "يوم انحدر الجمل من السقيفة"، وفيه يتحدث عن ما أسماه اغتصاب الصحابة للخلافة من علي بن أبي طالب.

ولم يكتف النظام بهذا القدر، بل هو نفسه، نبيل فياض، الذي كان يدعي أنه ملحد، ولا ديني، لم يكن ليجرؤ أن يتناول المذهب الشيعي أو العلوي، بكلمة واحدة، وحتى عندما قال أحد المرات، أنه يحتقر جميع المذاهب الإسلامية، تم اعتقاله، وإلصاق تهمة سياسية له، وتم تهديده بإلصاق تهمة "اللواطة" به، إذا كرر فعلته هذه مرة أخرى، فخرج نبيل فياض من المعتقل وهو أشد بأساً من ذي قبل، وأصبح له ذراع طويلة في أجهزة المخابرات، يطرق أبوابها متى يشاء، وكلمته مسموعة عندها.

لكن للأسف، موضوعنا هنا ليس نبيل فياض، وإنما أيمن جابر، أحد رجالات الطائفة العلوية الأقوياء، واللص الذي جرى تصنيعه بعد العام 2000، من أجل أن يشكل قيمة مضافة للنظام، إلى جانب باقي رجالات الأعمال الذين تم تصنيعهم بنفس الطريقة..

وما استعانتنا باسم أهم مؤلفين لنبيل فياض، بعد الأخبار التي تحدثت، عن مصادرة جميع أملاك أيمن جابر والحد من سلطاته التشبيحية على أبناء مدينته اللاذقية، إلا لدلالتهما التي تشير إلى أن النظام بدأ يأكل أولاده، وها هو استطاع أن ينزل الجمل من السقيفة بعد أن ظن كثيرون، بأن أيمن جابر لا يمكن إنزاله.. فمن يكون أيمن جابر هذا..؟

أيمن جابر هو ابن عائلة فقيرة جداً وغير متعلمة، من قرية الشلباطية في ريف اللاذقية، تعرف على فواز الأسد، واستطاع أن يصبح خلال فترة قصيرة، اليد اليمنى له في أعمال التهريب والبلطجة.
 
بعد أن ساءت العلاقة بين فواز وأيمن جابر بسبب الخلاف على إيرادات ميناء اللاذقية التي كان يتحكم بها الأول، استغل بشار الأسد وشقيقه هذا الأمر لتقريب جابر منهم، وإبعاده عن فواز الذي أصبح قوة ضاربة في اللاذقية.. وتم تزويجه بأحد بنات كمال الأسد، زيادة بالموثوقية به وكبداية لحلف بين الطرفين، بشرط أن يكون جابر ذراعهما الضاربة بدل فواز.

واستطاع جابر أن يستغل هذه العلاقة، لبناء ثروة كبيرة، اخترع لها واجهة، هي تصنيع الحديد.. إذ أنه بنى معملاً في مدينة جبلة أسماه "اسكو" هو الأضخم على مستوى المنطقة العربية، بعد حديد عز في مصر، على مساحة 85 ألف متر مربع.. واستطاع أن يسيطر على تجارة وصناعة الحديد في سوريا، خلال فترة وجيزة مستفيداً من مزايا قربه من عائلة الأسد.

قبل العام 2005، لم يكن جابر اسماً كبيراً في عالم الأعمال السوري، لكنه ظهر فجأة كحوت مالي ضخم، مساهماً في كل المشاريع الاستثمارية إلى جانب غيره من رجال الأعمال الكبار، أمثال رامي مخلوف، وأبناء بهجت سليمان، وسليمان معروف ومحمد حمشو وعمر كركور، والكثيرين غيرهم، ممن أسسوا امبراطورية مالية كبيرة، تحالفت مع النظام، في علاقة قائمة على تبادل المصالح.. وكان لافتاً في العام 2007 دخول أيمن جابر كمساهم أساسي في تلفزيون الدنيا، إذ اعتقد كثيرون أن هذه النوعية من الاستثمارات التي ليس لها مردود مالي، إنما هي حكر على الطبقة الثانية من رجال الأعمال ممن لا يمتون بصلة طائفية للنظام، وكنوع من مستلزمات دفع الأتاوة لهذا النظام..

إلا أنه اتضح فيما بعد أن جابر كان مساهماً بالاسم فقط، ولم يكن مطلوباً منه دفع حصته الشهرية البالغة 150 ألف دولار، لتمويل التلفزيون، وإنما كان على باقي الشركاء دفعها، وهو ما أدى إلى خلافات فيما بينهم، فيما بعد، أدت إلى خروج بعض الشركاء، أمثال نبيل طعمة، وعماد غريواتي، بينما تعهد محمد حمشو ونجيب ميقاتي، بتغطية حصة أيمن جابر دون أن يدفعها.

عند بدء الثورة السورية عام 2011 لإسقاط النظام، كان أيمن جابر أول من تصدى لها في اللاذقية، وشكل فرق الشبيحة على نفقته، من أجل قمع المظاهرات التي خرجت من الأحياء السنية، ثم أخذ ينمو ويكبر إلى أن أصبح قوة ضاربة في مدينة اللاذقية، يفعل بها ما يشاء، ويقوم بأعمال البلطجة والسيطرة على العقارات، وإجبار أصحاب المحال التجارية على دفع الأتاوات له ولرجاله.

بدأ بشار الأسد ورجالات المخابرات يشعرون بقوة جابر، الذي أخذ يشعر بأن النظام سوف يحاول التخلص منه عاجلاً أم آجلاً.. لهذا منذ تدخلت القوات الروسية نهاية العام 2015، وجدها فرصة لكي يتقرب من الروس ويحتمي بهم، وخصوصاً أنه تربطه علاقات تجارية كبيرة معهم. إلا أن بشار الأسد وماهر أحسا من جهتهما بالأمر، واستدعوه في عام 2016، ونبهوه إلى أن جميع تحركاته تحت المراقبة، وتم إعطاؤه فرصة أخيرة لكي يعاود حساباته، مع منحه الأمان.. إلا أن جابر لم يكن ليثق ببشار وأخيه ماهر، وهما اللذان غدرا بأقرب الناس إليهما، فاستمر بتواصله مع الروس.. وهو ما دفع الأخوين لتأديبه، عبر تخليصه من كل ممتلكاته ومن كل عناصر قوته.. وتركه شريداً في الشارع دون حماية..

لم يكن أحد من أبناء اللاذقية ليتوقع بأن أسطورة أيمن جابر يمكن أن تنتهي بهذه السهولة، وخصوصاً أنه تسلح بقوة كبيرة، كان الكل ينظر على أنه من الصعب تفكيكها.. واليوم بدأت الأنظار تتطلع إلى الكثير من الرؤوس الكبيرة، وبالذات من رجال الأعمال، والذين ساروا على نفس درب أيمن جابر، بأن الدور قادم عليهم لا محالة.. وما أكثرهم هؤلاء، منذ سبع سنوات وحتى اليوم.

ترك تعليق

التعليق