24 ألف مدرّس سوري في تركيا.. هل هناك من يسمع صوتهم؟
يشتكي المدرسون السوريون في تركيا من انخفاض رواتبهم الشهرية خصوصاً بعد قرارات التربية التركية بدمج المدارس السورية الخاصة المؤقتة ضمن المدارس التركية نهاية عام 2016.
تضم تركيا اليوم أكثر من 3 مليون سوري بينهم عشرات آلاف الخريجين من تخصصات أكاديمية مختلفة منهم من كان يعمل في سلك التعليم في سوريا، والبعض الآخر في مجالات أخرى. لكن مع توسع انتشار السوريين في الأراضي التركية خصوصاً في مدن قرب الحدود السورية التركية كالريحانية وأورفا وغازي عنتاب وكلس أو في ولايات كبرى كإسطنبول وبورصة، اضطر قسم كبير من السوريين للعمل بطرق غير شرعية وفي مجالات متعددة منها ما هو بعيد عن تخصصاتهم.
موقع "اقتصاد" التقى المحامي "محمد الشامي" خريج جامعة دمشق والذي جاء إلى تركيا منذ عام 2015 بحثاً عن مستقبل جديد لعائلته فاصطدم بواقع الحياة الصعب في مدينة إسطنبول واللغة غير المألوفة كما أخبرنا، ما اضطره للعمل في مجال التعليم كمدرس لغة عربية بإحدى المدارس السورية في إسطنبول.
وأضاف "الشامي": "لم يكن هناك خيارات كثيرة لمحام عمل أكثر من 10 سنوات بين القصر العدلي والمحاكم في سوريا إلا مهنة التدريس في تركيا، لكن المؤلم أن المدرس على خبرته القليلة في المجال لا ينال مرتباً جيداً يتيح له حياة كريمة في بلدٍ المعيشة فيها مرتفعة".
في العام الدراسي (2015- 2016) وقّعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف (UNICEF) عقداً مع السلطات التركية يقضي بدفع أجور المدرسين في المدارس السورية في عموم تركيا، بعد اعتمادها من وزارة التربية والتعليم التركية كمراكز مؤقتة للتعليم. وخلال هذه المدة تمكنت المنظمة من دعم ما يقارب 13000 مدرس سوري برواتب شهرية بدأت بـ 900 ليرة تركية (240 دولار)، ثم ارتفعت إلى 1300 ليرة (350 دولار) في نهاية العام نفسه.
"عمار حمشو" مدرس سوري وخريج إدارة أعمال من جامعة دمشق عمل في القسم الإداري لعدة مدارس سورية في إسطنبول كان له وجهة نظر مختلفة إذ قال لموقع "اقتصاد": "لقد بدأت المدارس السورية عام 2013 وكانت الرواتب في بعضها ممتازة جداً تصل لـ (900 دولار أمريكي) ما يقارب الـ 1800 ليرة تركية حينها وهو مبلغ جيد جداً في تلك الفترة، لكن فيما بعد بدأت الرواتب بالانخفاض بدل الزيادة".
وأشار "حمشو" إلى أن منظمة اليونيسيف فرضت على المدارس السورية المدعومة بعيد اتفاقها مع التربية التركية منع أخذ أي أقساط شهرية من الطلاب السوريين، في حين أن مدارس عدة استمرت بفرض رسوم شهرية على الطلاب، وعدم إعطاء أغلب المدرسين سوى راتب اليونيسيف، ما جعل الأمر صعباً للغاية معيشياً وأدى في النهاية لإغلاق هذه المدارس.
في العام 2017 أعلنت التربية التركية عن خطة دمج جميع المدارس السورية المؤقتة في مدارس تركية، وتقضي الخطة التركية بنقل جميع الطلاب السوريين والمقدر عددهم بأكثر من 612 ألف إلى المدارس التركية بحلول عام 2019، وإغلاق كافة المدارس السورية المؤقتة، وبناء المزيد من المدارس الحكومية بالتعاون مع اليونيسف، لاستيعاب الأعداد الإضافية في المناطق التي يتواجد بها عدد كبير من اللاجئين.
في إطار تلك الخطة عملت الحكومة التركية على تجنيس آلاف المدرسين السوريين الذين كانت أوراقهم مكتملة في ظل خطة دمج مدارسهم، ونال الكثير منهم الجنسية التركية وهو يعمل اليوم كمدرس تركي للسوريين ولكن برواتب أقل من المدرسين الأتراك الذين يدرسون الطلاب الأتراك.
أحد هؤلاء المدرسين أبدى انزعاجه الشديد ورفض ذكر اسمه لموقع "اقتصاد". "بعد أكثر من خمس سنوات في العمل هنا في تركيا وأخرى سبقتها في سوريا لا ننال نصف رواتب إخوتنا من المدرسين الأتراك رغم أن شهادتي تؤهلني لذلك، وأتحدث التركية والعربية والانجليزية ولكن راتبي لا يتجاوز 1800 ليرة تركية ما يقارب الـ (300 دولار أمريكي) بسعر الصرف اليوم، لذلك أطالب الحكومة التركية بزيادة رواتبنا".
فيما قال "عمار حمشو" إنه ترك سلك التدريس بشكل كامل ويعمل في مجال مختلف اليوم لأن الرواتب قليلة، رغم أنها ارتفعت في الآونة الأخيرة إلى 1600 ليرة (260 دولار أمريكي اليوم) وهي الحد الأدنى للرواتب في تركيا مع وجود تأمين صحي يدعى (سيكورتا) يؤهل المدرس لدخول المستشفيات التركية والحصول على أغلب الأدوية مجاناً، "ومع ذلك فالراتب لا يكفي خصوصاً مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير في ظل أزمة الليرة التركية".
من جانب آخر ما زال هناك عشرات المدارس العربية الخاصة في تركيا تفتح أبوابها للطلاب ومنها مدارس دولية بعضها تعطي الرواتب بالدولار لأن أقساطها بالدولار وبعضها تعطي بالليرة التركية، وهي مرخصة بشكل رسمي من التربية التركية، حيث أن آلاف السوريين والعرب يدرسون أبنائهم فيها مع عمل مئات المدرسين السوريين ضمن كوادرها برواتب جيدة بحسب ما كشف "أحمد الحلبي" لموقع "اقتصاد" وهو مدرس سوري خريج كلية العلوم في جامعة حلب.
وبيّن "الحلبي" بحديثه أن العمل في المدارس العربية الخاصة جيد ولكنه غير آمن على عكس العمل في المدارس التركية والتي تعتبر ثابتة إذ لا يمكن طردك من العمل، فقانون العمل أكثر صرامة.
وألمح الحلبي إلى أن راتبه جيد نوعاً ما خصوصاً مع سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية، ولكن أخته تعمل مدرسة لغة إنكليزية في المدارس التركية للسوريين و"راتبها قليل ولا يكفيها".
يظهر الوضع الحالي الذي يعيشه المدرسون السوريون في تركيا أنه صعب، وهو لا يقل صعوبة عن الأكاديمي الذي يعمل في مطعم لمدة 12 ساعة في اليوم ولا يجد وقتاً للبحث عن عمل أفضل ضمن اختصاصه الأساسي، إذ يقدر عدد المعلمين السوريين في تركيا بأكثر من 24000 معلم نصفهم تقريباً خارج إطار التوظيف، فهل هناك من يسمع صوتهم؟
التعليق