جدل حول فتوى "الإسلامي السوري" بتحريم الزواج من "كتابية" في البلدان الأوروبية


بين مؤيد ومعارض، ومتحفظ على بعض ما جاء فيها، تباينت ردود الأفعال والمواقف التي طالت الفتوى التي أصدرها المجلس الإسلامي السوري، بمنع زواج المسلم من المرأة الكتابية في دول اللجوء، مبرراً المنع بأنه يؤدي لفقدان الولاية على الزوجة، والخشية على ذرية المسلم، والعزوف عن الزواج من المسلمات.

وأثارت الفتوى عدداً من التعليقات الرافضة لها من جانب سوريين مقيمين في دول غربية، وأبرزها ألمانيا، التي تستقبل العدد الأكبر من اللاجئين السوريين. ففي استطلاع للرأي أجرته صفحة "البيت السوري في ألمانيا" على "فيسبوك"، أتت نتيجة الاستطلاع برفض الغالبية الساحقة للفتوى.

التحفظ على الفتوى لم يغب عن المنتديات والجمعيات الإسلامية في ألمانيا، حيث علق الشيخ عبد الرحمن الحوت، مدير المنتدى الإسلامي في ألمانيا، على الفتوى التي أصدرها المجلس الإسلامي السوري، وأورد تحفظه عليها بعدة نقاط، ووصف العلماء الذين أصدروا الفتوى بأنهم بعيدون عن الواقع والمجتمع الذي يعيشه المسلمون في أوروبا وأحواله.

وأضاف في حديث خاص لـ "اقتصاد": "كنا نتمنى على المجلس أن يحيل مثل هذه المسائل على المجالس الفقهية المعتبرة في تلك البلاد أو يستشيرها في ذلك، على اعتبار أنها جزء من واقع الفتوى، أو أن يتم استشارة أخصائيين في علم النفس والاجتماع للتداخل الكبير بين موضوع الفتوى والمسألة الاجتماعية".

وبحسب الحوت فإن أكثر ما يؤخذ على هذه الفتوى وقوعها في التعميم وعدم التفريق بين حالة وأخرى، وهذا لا يستقيم مع واقع الحال في المسألة المعروضة، إذ أن الاختلاف والتباين بين حالة وأخرى تجعل الحكم غير ثابت والمبررات التي تذرّع بها المجلس غير مؤكدة أو محتمة.

وهو ما أكده أحد اللاجئين السوريين المتزوج من ألمانية، مفضلاً عدم ذكر اسمه، مشيراً إلى أن التعميم الذي جاء في الفتوى خاطئ، إذ أن لكل حالة زواج ظروفها الخاصة بها حيث هناك الكثير من النساء الأوروبيات دخلن الإسلام بعد زواجهن من مسلمين.

بدوره، استطرد الشيخ الحوت في تعليقه على فتوى المجلس قائلاً إنها تجاهلت حاجة الشباب للزواج، والحرج الكبير الذي يعايشونه بسبب قلة الفتيات المسلمات حولهم من جهة وغلاء المهور وتعقيدات الأولياء من جهة ثانية، وكذلك تعذر الزواج من بلدانهم الأصلية لما تعيشه من حروب وأزمات، والمشقة البالغة لمن يريد إتمام إجراءات لم الشمل.

وأضاف أن المجلس استخدم ثلاثة مبررات كمستند لهذا المنع، "ولو دققنا النظر فيها لوجدنا أنها لا تصلح لذلك، فمثلاً (فقدان القوامة بسب القوانين) لا يصلح كمبرر لأننا لو اعتبرناه فهذا يؤدي إلى منع الزواج من أي امرأة لأن القوانين هنا لا تفرق بحسب دين الرجل أو المرأة إنما هي ثابتة في حق جميع المواطنين على السواء. وهذا يدفعنا إلى سؤال السادة في المجلس عن تصورهم حول معنى القوامة في عصرنا الحاضر؟، وهل تختلف القوامة على المرأة باختلاف دينها؟، والمبرر الثاني هو (الخشية على ذرية المسلم) وهذا الخوف قائم حتى في الأسر المسلمة وكان من الأولى تقديم حلول لحفظ دين الشباب المسلم ومستقبلهم بدلاً من سياسة الحظر العام. والمبرر الثالث كان بسبب العزوف عن الزواج من المسلمات، وأي شاب يعيش في هذه البلاد بإمكانه أن يسرد معاناته في البحث عن فتاة مسلمة دون جدوى، خصوصاً إذا ما نظرنا للأمر بلغة الأرقام مقارنين بين عدد الشباب الذين هاجروا وعدد الفتيات".

ورأى الحوت أنه كان على المجلس أن يوجه الأسر المسلمة للتيسير على الشباب في زواجهم وعدم اشتراط المهور المرتفعة وتعقيدات الأعراف في طقوس الزواج وأحواله، وأن يوجه الشباب للتمسك بدينهم والمحافظة على هويتهم، وأن يقدم لهم حلولاً واقعية معقولة ومقبولة فيما يخص تعسر الحصول على زوجة صالحة.

واعتبر أن سياسة العزلة والهروب للأمام والتقوقع واتهام الآخر وتبني نظرية المؤامرة لن تنفعنا أبداً كمسلمين في الغرب أو كأقلية في هذا المجتمع، بل هي تضعف الثقة بشبابنا وتظهرهم مظهر الضعيف العاجز عن التأثير بمن حوله وأنه سيذوب وسيفقد شخصيته ووجوده عند أول احتكاك بالآخر. وبدلاً من ذلك يجب علينا أن نكون أكثر انفتاحاً ووعياً وهذا لا يتعارض على الإطلاق مع وجهنا الإسلامي المشرق، حسب وصفه.

وقال الشيخ الحوت: "كنا نتمنى أن يُوجّه خطاب يزيد الثقة في نفوس الشباب ويحملهم المسؤولية على اختيارهم وعيشهم ويفسح لهم ليختاروا ويمضوا في طريقهم".

وعقّب: "كما أن استخدام مصطلح بلاد الكفر الذي ورد في الفتوى يضعنا أمام مأزق كبير، ويدعونا فعلاً لإعادة قراءة فقهنا وتقديم فقه معاصر يحمل مصطلحات تقبل الآخر وتتعايش معه".

وختم أن الزواج من المرأة الكتابية جائز شرعاً بنص كتاب الله تعالى، ولا يصح منعه بناء على هذه المبررات، ويختلف حكمه بحسب كل حالة، "ونحترم وجهة نظر من منع ونرجو منهم إعادة النظر في هذه المسألة".

الدكتور حسام الدين درويش، وهو أكاديمي وباحث في الفلسفة الغربية والفكر العربي والإسلامي ومدرس في جامعة كولونيا بألمانيا، انتقد المصطلحات المستخدمة في الفتوى ومنها مصطلح (ديار الكفر) الذي ورد في الفتوى خلال وصفها لبلاد الغرب، وقال في حديث خاص لـ "اقتصاد": "أستغرب ترديد هكذا مصطلح اليوم لوصف البلدان الأوروبية".

متسائلاً: "ما هو المقصود اليوم بمصطلح (ديار الكفر)؟ هل هي دول أوروبا؟ ومن هي (ديار المسلمين)، هل هي الدول العربية والإسلامية التي فر منها مئات الآلاف من مواطنيها ليس بسبب الحروب في بعضها وإنما هرباً من الإستبداد والديكتاتورية السائدة فيها ولجؤوا للبلدان الأوروبية والتي وصفها المجلس ببلاد الكفر، حيث وجد الفارون المسلمون الأمان والديموقراطية ومتطلبات العيش الكريم التي حرموا منها لعقود خلت!".

وأضاف درويش: "كما أن الحديث اليوم عن مفاهيم الولاية وقوامة الرجل على المرأة والنظر لها بدونية بعيداً عن مساواتها بالرجل، لم يعد موجوداً في ظل وجود القانون الذي يحكم العلاقة بين طرفيي العلاقة الزوجية في البلدان الأوروبية".

ونوه درويش في حديثه لـ "اقتصاد" إلى أن تلك الفتاوى وما شابهها اليوم تعتبر مادة دسمة ومبرراً لأحزاب اليمين الشعبوي المتطرف لتزيد من شعبيتها وعدائها للإسلام وللمسلمين وهو ما يؤثر سلباً على حياة اللاجئين في الدول الأوروبية.

أما الباحث والمدون، مؤنس بخاري، المقيم في ألمانيا، قال في تعليقه على الفتوى لـ "اقتصاد" أن بعض المشايخ السوريين طلبوا الشهرة فأفتوا بعدم جواز زواج المسلم من الكتابيّة في بلادها، لكن في بلادهم "المسلمة" ممكن، "فهي في بلادهم محصنة لأنها خنوعة وذليلة لذكورية الرجل وفق قوانين البلاد العربية والإسلامية".

وأضاف أن هذه الفتاوى تؤثر على الاندماج الطبيعي في المجتمع الأوروبي للشباب السوريين في ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية.

يُذكر أن موقع "اقتصاد" تواصل مع المكتب التنفيذي للمجلس الإسلامي السوري عارضاً عليه رأي الشيخ عبدالرحمن حوت مدير المنتدى الإسلامي في ألمانيا، إلا أن المجلس أحالنا إلى مقابلة الدكتور أحمد سعيد حوى أحد أعضاء المجلس الإسلامي السوري مع قناة "حلب اليوم" والتي عُرضت منذ يومين خلال نشرة الأخبار. وبالاستماع إليها لم يأتِ الدكتور حوى بجديد عما ذُكر في نص الفتوى.

والمجلس الإسلامي السوري، هو هيئة مرجعية شرعية وسطية سورية، تأسس في 30/7/2017 من مجموعة من الدعاة والعلماء السوريين كما يُعرّف عن نفسه في موقعه الرسمي. وأصدر المجلس فتوى شرعية بعنوان (حكم الزواج من أهل الكتاب في بلاد غير المسلمين) في 29 تشرين الأول / أكتوبر2018.

ترك تعليق

التعليق