"مكتب قنصلي" في الحسكة.. هل هو تمهيد لاعتراف النظام بـ "الإدارة الذاتية الكردية"؟


أثار افتتاح حكومة نظام الأسد "مكتباً قنصلياً" في محافظة الحسكة شرق سوريا، في 18 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، العديد من إشارات الاستفهام، وتباينت الآراء حول هذه الخطوة.

 ففي حين رأى العديد من المراقبين أن الأمر طبيعي وأن حكومة النظام افتتحت عدة مكاتب في عدد من المحافظات تتبع لوزارة الخارجية، رأى آخرون بأن افتتاح هذا المكتب في مدينة الحسكة الخاضعة لسيطرة "كُرد سوريا" تعتبر اعترافاً ضمنياً بمنطق اللامركزية للجمهورية السورية.

ونقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام عن مدير المكتب القنصلي في وزار خارجية  النظام "عبد المولى النقري" قوله: "إن "افتتاح المكتب يأتي بهدف الوصول إلى كل مواطن في أراضي الجمهورية العربية السورية، والسعي لتقديم أفضل الخدمات وتسهيل الاجراءات للتخفيف من معاناة المواطنين"، مضيفاً أن "الوثائق الصادرة عن المكتب ستكتسب الصفة القانونية والسيادية، داخل وخارج أراضي الجمهورية العربية السورية".


الشيخ "مضر حماد الأسعد" المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية قال في تصريح خاص لموقع "اقتصاد": "إن هذا المكتب وعلى الرغم من أنه سيوفر الوقت والمال والتعب على سكان المنطقة، إلا أنه وباعتقادي تسمية المكتب بهذا الاسم (مكتب قنصلي) هي خاطئة، وكان من الممكن أن تكون التسمية (مكتب تصديق الأوراق الخارجية) مثلاً"، لافتًا إلى أن هناك رفضاً تاماً من أبناء العرب لتلك التسمية التي جاءت كالضربة القاضية بالنسبة لهم، حسب وصفه.

وأرجع "الأسعد" سبب الرفض إلى أن ذلك يعني بأن الحسكة ستكون مستقلة عن سوريا، أو من الممكن أن يكون هناك أهداف من تحت الطاولة وهو الاعتراف الضمني بالإدارة الذاتية الكردية وإعطاء الاستقلالية لحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) الأمر الذي سينعكس بشكل سلبي على أبناء الحسكة وخاصة العرب الذين يشكلون أكثر من 75% من أبناء محافظة الحسكة.

إلا أن الصحفي المستقل "يوسف يوسف" والذي يقيم في مدينة الحسكة، اعتبر أن افتتاح المكتب هو أمر طبيعي جداً وقال: "إن افتتاح المكتب جاء لتخفيف أعباء السفر عن كافة أبناء المنطقة وليس الكرد فقط"، لافتاً إلى أن محافظة الحسكة ليست منطقة كردية فقط، بل هي عبارة عن خليط كردي عربي مسيحي".

وأضاف، أن افتتاح المكتب القنصلي في هذا الوقت لا يدل على أن هناك تنسيقاً ما بين نظام الأسد والقوات الكردية في الحسكة معللاً السبب بأنه بالأصل يوجد مربعات أمنية تخضع لسيطرة النظام في محافظة الحسكة، وأن هذا المكتب يوجد ضمن مربع أمني للنظام.

ومن أهم الخدمات التي سيقدمها المكتب، بحسب "سانا"، هي تصديق كافة الوثائق الممنوحة في القطر لأهالي المحافظات الشرقية الثلاث "الحسكة ودير الزور والرقة"، وتصديق الوثائق الخارجية، ومنها: وثائق شهادات التعليم، وبيانات الولادة والوفاة، وسندات الإقامة، يضاف إلى ذلك الوكالات العامة والخاصة، وشهادات التعليم، والوكالات التجارية والسجل التجاري، إضافة إلى فواتير التجار للمواد المستوردة والمواد المعدة للتصدير، وورقيات استخدام البدل النقدي وشهادة الوفاة، وبيانات وشهادات الولادة، وصكوك الزواج، والوثائق الخاصة بعمل المنظمات الشعبية والنقابات المهنية المتضمنة شهادات الخبرة الرياضية والعمل المهني والحرفي.

بدوره اعتبر "شلال كدو" عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض، أن افتتاح هذا المكتب القنصلي في مدينة الحسكة يفضح العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) ونظام الأسد، وقال لموقع "اقتصاد": "لطالما ادعى حزب pyd أن المنطقة محررة من قوات النظام، في حين نرى بأن كافة مؤسسات النظام العسكرية، والأمنية، والمدنية كالمكتب القنصلي تتواجد في هذه المحافظة، الأمر الذي يفضح العلاقة بين هذا الحزب وبين النظام".

وذكرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، أن "المكتب القنصلي المفتتح في الحسكة، يعتبر المكتب السابع على مستوى القطر، باستثناء المكتب الموجود في العاصمة".

وفي هذا الصدد قال "كدو": "نعلم بأن دائرة الخدمات القنصلية في وزارة الخارجية السورية، هي دائرة قديمة ولها مكاتب عديدة في عدد من المحافظات. ولكن المثير للجدل وللاهتمام افتتاح هذا المكتب في مناطق سيطرة حزب pyd".

في حين، لفت "أيمن دسوقي" الباحث في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، إلى افتتاح النظام لعدة مكاتب قنصلية في المحافظات وكان آخرها في محافظة الحسكة، مشيراً إلى أن التسمية مستخدمة رسمياً منذ ما قبل 2011، حيث تم افتتاح مكتب قنصلي في محافظة حلب بنهاية 2009 وذلك لتقديم الخدمات القنصلية للسكان عوضاً عن ذهابهم لدمشق، وبالإضافة لحلب والحسكة تتواجد مكاتب قنصلية في "حماة وحمص واللاذقية والسويداء".

وأبدى "دسوقي" في حديثه لموقع "اقتصاد"، استغرابه من حجم ما أثاره افتتاح "المكتب القنصلي" بمحافظة الحسكة من ردود فعل متباينة، حيث تهكم البعض على المسمى في حين اعتبرها آخرون إقراراً من النظام باللامركزية.

وتابع قائلًا: "من وجهة نظري، يوحي ظاهر الأمر باعتماد النظام لللامركزية، من حيث توزيع صلاحيات كانت متمركزة بدمشق على المحافظات، إلا أن الموضوع لا يعدو سوى رغبة النظام بزيادة قدرته على تحصيل الأموال من المواطنين من جهة، ودفعهم للاعتماد على الخدمات التي توفرها مؤسسات الدولة التي يحتكرها هو من جهة أخرى، وبذلك الأمر يقوم النظام بعملية التخريب والتشويش على الهياكل (الحوكمية) البديلة المشكلة في مناطق سيطرة قوات (قسد) والمعارضة السورية".

وأضاف: "كذلك لا تستطيع هذه المكاتب ممارسها مهامها خارج إرادة النظام بدمشق، سيما من حيث انتظارها للموافقات الأمنية لإتمام معاملات المواطنين، بما يفند ادعاءات اللامركزية التي يتمر الترويج لها من قبل البعض".

وبالإضافة لما سبق، يرى "دسوقي" أن افتتاح المكتب القنصلي بالحسكة يكتسب بعداً آخر يتجسد برغبة النظام بتأكيد تواجد مؤسساته، لإفشال مشروع الإدارة الذاتية في المنطقة الشرقية، على حد تعبيره.

ترك تعليق

التعليق