قصّة نزيف القمح في ريف حماة الشمالي


أسهمت سنوات الحرب في تدمير كافة مراكز الأبحاث الزراعية المحلية التي كانت موجودة في عدة مناطق سورية، حيث  تعتبر زراعة القمح إحدى أهم المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها مزارعو محافظة حماة. وكان محصول القمح استراتيجياً، لكن سرعان ما تحولت البلاد إلى مستوردة بعد أن كانت مكتفية ذاتياً. بالإضافة إلى فقدان وضياع بعض الأصناف المحلية وتدهور نوعيتها وارتفاع نسب الخلط فيها، وهو ما لا يتم نقاشه في العلن.

وكانت محافظة حماة قد ازدهرت بزراعة القمح قبل الثورة السورية بسبب مقومات كثيرة منها وفرة تربة جيدة وصالحة لزراعته وبسبب تواجد آبار المياه والمناخ المناسب.

المهندس "غسان عبود" رئيس دائرة زراعة منطقة سهل الغاب التابعة للحكومة السورية المؤقتة التي تم افتتاحها قبل أشهر، تحدث لموقع "اقتصاد" موضحاً أن نسبة زراعة محصول القمح في عموم المحافظة قبل الثورة، كانت تقدر بنسبة 80% من إجمالي أراضي المحافظة وخاصة في منطقة سهل الغاب.

وأشار السيد "عبود" إلى أن زراعة محصول القمح تراجعت في السنوات الماضية لعدة أسباب أهمها الصراعات والمعارك التي كانت تدور بين الجيش الحر وقوات النظام، وهذا ما أدى لنزوح 70% من سكان المنطقة وخاصة الأسر التي تعمل في الزراعة، مما أدى إلى انحسار زراعة القمح عن مساحة كبيرة جداً لمدة تراوحت ما بين ثلاث لأربع سنوات، في ظل غياب تام لهذه الأسر عن منازلهم وأراضيهم الزراعية.

وأكمل السيد "عبود": "هذا الغياب عن الأراضي أدى إلى انتشار عدة آفات من أهمها (فأر الحقل) الذي تعاني منه المنطقة بشكل كبير والذي سبب خسائر كبيرة في محصول القمح في الأعوام السابقة".

وساهمت آفة "فأر الحقل" في انخفاض نسبة الإنتاج بنسبة 10 إلى 12 بالمئة من الناتج العام، بالإضافة إلى انتشار الحشائش وخاصة في الأراضي الزراعية القريبة من مناطق سيطرة قوات النظام وأصبحت هذه الأراضي بسبب عدم زراعتها، بؤراً تحوي الفئران وتحوي الكثير من الأمراض.

وأردف السيد "عبود" في حديثه مع "اقتصاد" أن هناك عدة أسباب أخرى، من أهمها غلاء مقومات الإنتاج وارتفاع أسعارها بشكل كبير، وخاصة البذور المحسنة والمبيدات والأسمدة وعمليات النقل، وأدت كل هذه الأسباب إلى عزوف الكثير من المزارعين عن زراعة القمح لأنها أصبحت زراعة غير اقتصادية وتؤدي في نهاية الموسم إلى خسارة تترواح ما بين 20 إلى 30 بالمئة من رأس مال المزارع.

وضرب "عبود" مثالاً على المشكلات في مستلزمات الإنتاج، فالبذور المتوافرة مجهولة الهوية وحاملة للأمراض الفطرية وغيرها، بسبب عدم وجود مصادر تؤمن بذوراً محسنة من الدول المجاورة، وأردف: "إن هناك سبباً آخر لا يقل أهمية عن جودة البذور، وهي المبيدات والتي تكون أقل فعالية وتكون أسعارها مرتفعة جداً بسبب عمليات الغش التي تقوم بها بعض الشركات الخاصة".

ونوه "عبود" إلى ارتفاع أسعار الأسمدة والتي يصل سعر الكيس منها لأكثر من 13 ألف ليرة سورية وارتفاع أسعار الوقود حيث يصل سعر برميل المازوت الواحد لأكثر من 55 ألف ليرة سورية، فضلاً عن ارتفاع أجور وسائل الحصاد التي تكون أجورها عالية جداً بسبب أرتفاع أسعار المازوت أيضاً.

وأشار "عبود" إلى أن ما اعتبره مشكلة رئيسية يعاني منها المزارع وهي سوق التصريف، فلا يوجد أي جهة رسمية تقوم بشراء مادة القمح من المزارع، ويقوم النظام بشراء المحصول عبر سماسرة وتجار تتحكم بالأسعار، ولا يمتلك الفلاح أي سبيل آخر سوى بيع المحصول وبالأسعار التي يحددها أولئك التجار.

كما ساهمت العوامل المناخية في تدهور زراعة القمح في المنطقة، إذ ارتفعت بشكل كبير نسبة الرطوبة مع ارتفاع الحرارة مما أدى إلى الإصابة بالأمراض الفطرية ومرض صدئ الساق والصدئ الأصفر، وهكذا انخفض بشكل كبير إنتاج محصول القمح، من 500 كيلو غرام للدونم الواحد إلى 250 كيلو غرام.

وأنهى "غسان عبود" حديثه بالإشارة إلى مشكلة ارتفاع نسبة الملوحة في الأعوام الماضية، وخاصة في منطقة سهل الغاب، وذلك بسبب عدم تعزيل المصارف حيث أصبح مستوى الماء الأرضي مرتفع جداً مما أدى إلى تملح قسم كبير من التربة وتسببت بخسارة كبيرة في الناتج العام لمحصول القمح في السنوات السابقة، حيث تؤثر على عملية امتصاص العناصر الغذائية لجذور محصول القمح من التربة مما يؤدي إلى إنتاج نباتات قصيرة، تكون هذه النباتات عاجزة عن إنتاج  سنبلة قمح جيدة.

المهندس الزراعي "علي الهواري" تحدث أيضاً لموقع "اقتصاد" وقال: "إن نسبة زراعة القمح شمال حماة تراجعت لعدة أسباب وكان السبب الأول والرئيسي أن مناطق ريف حماة الشمالي هي مناطق محاذية لمناطق سيطرة قوات النظام".
وأشار السيد "هواري" إلى أن قوات النظام تقوم في كل عام ومع اقتراب موسم الحصاد باستهداف الأراضي الزراعية المزروعة بمحصول القمح بالمدفعية الثقيلة والرشاشات والتي تؤدي إلى احتراق مساحات واسعة من الأراضي. وكان هذا أحد أهم الأسباب التي جعلت المزارعين يتراجعون عن زراعة محصول القمح.

وأكمل "الهواري" مشيراً إلى السبب الثاني وهو غلاء مستلزمات الإنتاج، حيث وصل سعر كيلو بذار القمح الواحد إلى 180 ليرة سورية، ناهيك عن غلاء الأسمدة وغلاء المحروقات.

وأردف "الهواري" بأن محصول القمح في ريف حماة الشمالي يحتاج للري مرتين أو ثلاثة، وهذا ما عجز عنه المزارع بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات.

المزارع "علاء المحمود"، أحد مزارعي ريف حماة الشمالي، قال إن الفلاحين عانوا كثيراً من صعوبة تأمين البذار للمحاصيل الزراعية وصعوبة تصريف المحصول، وارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات الزراعية، وسعر مادة المازوت التي تسبب ارتفاعها بزيادة تكلفة حراثة الأرض.

وأكمل "المحمود": "إن معظم مزارعي ريف حماة الشمالي تخلوا عن زراعة القمح خلال الثورة، وتحولت مساحات شاسعة للزراعة البعلية، والتوجه لزراعات أخرى مثل الكمون واليانسون والحمص".

وأنهى "المحمود" قائلاً: "أصبحنا نتعرض للقصف بشكل مكثف من قبل قوات النظام الذي يبدأ في كل عام عند بدء علمية الحصاد، الأمر الذي أجبرنا على ترك الزراعات التي من الممكن أن تحترق بسبب القصف".

وهكذا تعرضت زراعة القمح للنزيف، فتحول معظم مزارعي ريف حماة الشمالي عن زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، حالهم كحال مناطق سورية كثيرة.

ترك تعليق

التعليق