بأجور زهيدة جداً.. "المقالع الحجرية"، مهنة اللاجئ السوري في مخيمات عرسال اللبنانية


يواجه اللاجئون السوريون في مخيمات "عرسال" اللبنانية ظروفاً إنسانية سيئة جداً، في ظل التضييق الأمني الحاصل بحقهم من قبل الجيش وقوات الأمن اللبنانية، وسط مخاوفهم من التحرك خارج بلدة عرسال اللبنانية خشية من الاعتقال، الأمر الذي ساهم في انتشار البطالة وانعدام فرص العمل.

ودفعت هذه الظروف نسبة لا بأس بها من الشبان وأرباب الأُسر، للعمل في مهنة وصفت بأنها شاقة وهي "المقالع الحجرية" مقابل أجرة يومية زهيدة رغم صعوبة العمل بها، إلا أن الحاجة دفعت بعدد من الشباب للعمل بها.


أعمال شاقة و20 دولار أجرة يومية

ويقدر عدد اللاجئين السوريين في بلدة عرسال اللبنانية بنحو 80 ألف لاجئ، وفق تقديرات مصادر مطلعة من داخل مخيمات اللاجئين، يفتقر غالبيتهم لأبسط مقومات الحياة.

وقال "عبد الإله أبو عبد الله" أحد اللاجئين السوريين القاطنين في مخيمات عرسال: "إن بلدة عرسال تقع في وداي وتحدها الجبال من أطرافها الأربعة، ولا يوجد فيها مهن إلا مهنة العمل بمقالع الصخر، وهو عمل موسمي يزدهر بالصيف لكنه يتوقف في فصل الشتاء".


ووصف "أبو عبد الله" مهنة العمل بالمقالع الحجرية بأنها أشبه بالأعمال الشاقة كونك تتعامل مع الصخور ومع مناشر الحديد، مؤكداً أن أغلب الشباب تعلموا هذه المهنة في مقالع عرسال نظراً للحاجة الملحة لتقديم المساعدة لعائلاتهم وتأمين لقمة العيش لهم.

وأوضح المصدر ذاته لموقع "اقتصاد"، أن العمل في تلك المهنة لا يكفي معيل الأسرة لإعالة أسرته نظراً للأجور الزهيدة التي يتلقاها العامل كأجرة يومية والتي تتراوح ما بين 10 دولار إلى 20 دولار، في حال كان العامل من ذوي الخبرة أو كما يقال بالعامية "معلم بمهنته"، بعدد ساعات تصل إلى 12 ساعة يومياً.


وأضاف أن أجرة العامل اليومية في هذه المهنة غير مقبولة، كون هذه المهنة غير مكفولة بضمان اجتماعي أو صحي، فإذا أصاب العامل شيء أو وقع له حادث ما فإن صاحب العمل لا يعترف عليه ومعظم أصحاب تلك المقالع جوابهم للعامل المصاب معروف وهو "دبر حالك".


الأجور الزهيدة تلاحق اللاجئ السوري أينما كان

ومن الصعوبات التي تواجه اللاجئ السوري في عرسال، كون أكثرهم دخل عرسال والأراضي اللبنانية بطريقة "غير شرعية، أو غير نظامية"، هي استخراج "بطاقة الأمن العام" وهي بمثابة تصريح صادر من الحكومة اللبنانية يوجد فيها اللاجئ السوري على الأراضي اللبنانية بشكل رسمي.

وفي هذا الصدد قال "أبو عبد الله": "إن أي إنسان لا يمتلك (بطاقة الأمن العام) لا يستطيع المرور من على أي حاجز من حواجز الجيش اللبناني، في حين أن من خاطر وقام باستخراج هذه البطاقة واستطاع أن يخرج خارج عرسال إلى مدن أخرى في لبنان من أجل العمل، صُدم من الأجور الزهيدة جداً والتي لا تكفي أجرة منزل له ولعائلته، بسبب كثرة اليد العاملة من مختلف الجنسيات، لذلك فإن الكثير ممن خاطر وخرج من هذه البلدة شعر بالندم على خروجه، خاصةً وأنه كان يجلس في خيمة أجرتها زهيدة مقارنة مع ما يدفعه من أجرة منزل خارج عرسال".


وتصل أجرة الخيمة الواحدة في مخيمات عرسال إلى حدود 45 ليرة تشمل أجرة الأرض المشادة عليها الخيمة إضافة لفواتير الماء والكهرباء، بحسب "أبو عبد الله"، الذي أضاف أنه حتى من يحمل بطاقة الأمن العام فإنه لا يسمح بالمرور له من الحواجز العسكرية إلا بموافقة أمنية إضافة لكرت الأمن العام، كون أغلب المقالع الحجرية خارج عرسال في منطقة تسمى "الجرد"، الأمر الذي يزيد من حجم المعاناة أيضاً.

وزاد عدم تمكن اللاجئ السوري في عرسال من الحصول على بطاقة الأمن من معاناته كونه ليس بمقدوره التحرك والتنقل من داخل عرسال إلى خارجها وبالعكس، كونه سيكون معرضاً وبكل بساطة للاعتقال من حواجز الجيش اللبناني أو القوات الأمنية، ما أجبر الشباب على البقاء في عرسال من دون الحصول على فرصة عمل تكفيهم قوت يومهم.


وأشار "أبو عبد الله" إلى وجود بعض المهن في بلدة "عرسال" ولكنها قليلة جداً كأن يلجأ الشاب مثلاً للعمل في ورش البناء، أو كعامل عادي في أحد المحلات التجارية الصغيرة أو محلات بيع الخضراوات، مبيناً أن الأجور تكون زهيدة لا تتعدى 150 دولار شهرياً بدوام 12 ساعة يومياً.


نحو 300 شاب يعملون في مهنة "قص الحجر"

وتفيد الأنباء الواردة من مخيمات عرسال اللبنانية، بعدم وجود إحصائية محددة عن عدد الشباب العاملين في مهنة مقالع أو مناشر الحجر، فيما تقدر بعض المصادر بأن عددهم يتراوح ما بين 200 إلى 300 شاب من اللاجئين السوريين.

وفي هذا الصدد، قال الناشط السياسي " رشوان سلوم": "إن هناك نسبة كبيرة من الشباب تعمل بمناشر الحجر وهي مهنة خطيرة جداً وليس فيها ضمان صحي، خاصةً أنها مناشر تعمل بمعدات قديمة، في حين تتنوع أعمال الشباب ما بين صف الحجر أو رفعه برافعة أو قصه بمنشار الحجر".


وأضاف، أن أجرة العامل تصل بشكل تقريبي إلى 20 ألف ليرة لبنانية أي ما يقارب 13 دولار ومن الممكن أن تصل إلى 20 دولار وفقاً لدرجة مهارة العامل في هذه المهنة، مؤكداً أنها لا تكفي العامل قوت يومه، كون العائلة الواحدة تحتاج بشكل يومي مصروفاً يتراوح ما بين 10 إلى 15 دولار كحد وسطي، لذلك فإن العامل مضطر للمخاطرة بحياته من أجل تأمين لقمة العيش لأطفاله.


وشكا "سلوم" من غياب أي دور للمنظمات الاغاثية والإنسانية في دعم مخيمات عرسال وقال: "يبلغ عدد مخيمات عرسال تقريباً 136 مخيماً، في حين لا يوجد أي منظمات إغاثية لدعمهم وتلبية احتياجات القاطنين فيها".


يشار إلى أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" كانت ذكرت في تقرير لها، في 20 أيلول /سبتمبر 2017، أن العديد من اللاجئين في عرسال، وهي بلدة حدودية في شمال شرق لبنان، يواجهون ضغوطاً للعودة إلى سوريا، وقد عاد بعضهم بالفعل إلى سوريا بسبب الظروف القاسية في عرسال، في حين أن العديد من اللاجئين ليست لديهم وثائق إقامة قانونية، بالإضافة إلى وجود قيود على حرية تنقلهم، وخوفهم من الاعتقالات العشوائية خلال أي مداهمة للجيش اللبناني.


ترك تعليق

التعليق