في ملف السطوة الروسية على التعليم السوري


على مدى ثماني سنوات، وخلال الحرب الدائرة في سوريا، وسّعت روسيا اتفاقياتها مع نظام الأسد، في كافة القطاعات التجارية والصناعية والزراعية والطاقة ومجالات استراتيجية أخرى أهمّها، ملف التعليم الذي يُعد سابقاً من أهم مفاصل العلاقات التاريخية بين الجانبين، حيث درس في دول الاتحاد السوفييتي الآلاف من السوريين بمختلف الاختصاصات على مدار أعوام طويلة. لكن بعد انهيار الاتحاد في تسعينيات القرن الماضي، توقفت المنح وانخفضت الأنشطة الثقافية المشتركة بشكلٍ كبيرٍ.

وحالياً، يواجه الطلاب السوريون في مناطق سيطرة نظام الأسد، صعوبات بالغة في الوصول إلى المنح الدراسية في الدول الغربية، فيما بقيت روسيا وإيران الدولتان الوحيدتان اللتان يتمكن الطالب السوري من السفر إليهما للحصول على شهادات أكاديمية.

واستثماراً لذلك، فرضت روسيا لغتها في العام 2014على المدارس السورية لتصبح لغة ثانية اختيارية إلى جانب اللغة الفرنسية ابتداءً من الصف السابع الإعدادي وانطلاقاً من العام الدراسي 2015 – 2016. ويبلغ عدد المدارس التي تُدرّس اللغة الروسية، حالياً، نحو 170 مدرسة تضم حوالي 15 ألف طالب، بعد أن كانت 57 مدرسة فقط في العام 2016.

وافتُتح خلال السنوات القليلة الماضية العديد من المشاريع في ملف التعليم، منها مركز البحوث السوري الروسي في اللاذقية، وآخر في حمص، وقسم اللغة الروسية في كلية الآداب والعلوم في جامعة دمشق. كما أُبرمت مع هيئة التمييز والإبداع السورية المُحدثة عام 2016 العديد من اتفاقيات التعاون لتقديم منح دراسية وتنفيذ مشاريع برامج للتبادل الطلابي. وذهب التعاون التعليمي إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث أصدرت روسيا في تموز/يوليو العام الماضي مرسوماً يسمح للأطفال السوريين بالالتحاق في مدارسها العسكرية مجاناً، ووفقاً لذلك وصلت الدفعة الأولى من الأطفال إلى مدينة "سان بطرسبورغ" لإعدادهم ورعايتهم كـ قيادات مُحتملين في السنوات اللاحقة.

وخلال السنتين الماضيتين، قدّمت 14 جامعة روسية حكومية "شمال القفقاس - الأورال - الفيدرالية الجنوبية - سان بطرسبورغ - الصداقة - غورني الحكومية - ستاكينا - سان بطرسبورغ الالكترونية - موسكو للفيزياء التقنية - موسكو للتغذية - مايكوب - تيومين - غوبكين للنفط والغاز - بيلغراد الحكومية"، 1000 منحة دراسية لطلاب سوريين في برامج الدكتوراه والماجستير في الاختصاصات "طيران - ملاحة - صناعة السيارات - معلوماتية - كيمياء - فيزياء - رياضيات - طب"، معنونةً الإجراء كجزء من المساهمة الروسية في إعادة الاعمار. وشملت المنح رسوماً مجانية ونفقات للمعيشة والإقامة بالإضافة لتحمل تكاليف سنة كاملة لتعلّم اللغة الروسية، في حين يلتزم الطالب في حال قبوله بنفقات السفر ذهاباً وإياباً ونفقات بوليصة التأمين الصحي بعد الوصول إلى روسيا والتي تتجاوز قيمتها 250 دولاراً أمريكياً سنوياً. ولم تتجاوز أعداد المتقدمين بحسب البيانات الرسمية ضعفي المطلوب، بينما أكّدت مصادر طلابية لـ "اقتصاد" أنّ أعداد الطلبة المتقدمين على المنح تجاوز 20 ألف طالب.
   
الطلبة الذين استطاعوا التهرّب من الخدمة العسكرية الإلزامية في صفوف ميلشيات نظام الأسد وسمحت لهم ظروفهم إكمال تعليمهم بالجامعات السورية انقسموا بين مُنتهزٍ للمنح وواعٍ لخطورة الأمر.

الطالب "ر،أ" في كلية الحقوق بجامعة دمشق قال لـ "اقتصاد": "من الطبيعي أن يتنافس الكثير من الشباب على فرصة المنح في الجامعات الروسية لأسباب عديدة على رأسها تفوّق التعليم الأكاديمي الروسي على التعليم الأكاديمي السوري جراء الظروف التي تعيشها البلاد، ويليها الهروب من الواقع المعيشي وتكاليف التعليم الباهظة"، مُضيفاً: "لو كانت هناك خيارات أخرى للجأ إليها الكثيرون".

وأشار الطالب إلى أنّ العديد من العائلات القاطنة في مناطق نظام الأسد دفعوا أبنائهم لتعلم اللغة الروسية بمعاهد خاصة، كونها وعلى ما يبدو "كما يرون" أصبحت أمراً واقعاً نظراً للتجاذبات السياسية والعقود طويلة الأمد المُبرمة بين روسيا وسوريا في مختلف مجالات الاستثمار وسوق العمل.

طالب آخر قال لـ "اقتصاد" إنّه ضد كافّة التغييرات التي طرأت على ملف التعليم خلال سنوات الحرب، ويُفضّل عودة التعليم إلى ما كان عليه سابقاً، مُشيراً إلى أنّ الإجراءات المُتّخذة ما هي إلّا تطبيع تدريجي مفروض بحكم القوة وبعيداً عن رغبات الشعب الواعي لمدى خطورة الأمر مستقبلياً.
 
وبحسب الطالب فإن الشباب السوري ليس مضّطراً لتعلم ثقافة وتاريخ دولة أجنبية على حساب تاريخ وثقافة بلاده، وفي النهاية هذا استعمار ناعم مُغلّف بإجراءات أكاديمية وحقيقته إجراءات سياسية واضحة في ظل غياب السيادة.

هذه الإجراءات وغيرها تدل على تنافس كبير بين "روسيا وإيران" على قطّاع التعليم والثقافة. لكن الأخيرة تُفضّل استثمار الجيل الجديد من خلال الجمعيات الخيرية عبر التعليم الإيديولوجي أكثر من التعليم العالي، وتنتشر في المدارس الريفية لا سيما المناطق التي خرجت عن سلطة المعارضة السورية في العام الماضي كـ "الغوطة الشرقية ووادي بردى".
   
ونفّذت إيران خلال السنوات السابقة عدّة مشاريع في ملف التعليم منها "كلية المذاهب الإسلامية" في دمشق وعدّة فروع لها في محافظات اللاذقية وطرطوس وحلب وحمص، فضلاً عن عدد كبير جداً من الحسينيات.

ويوجد في روسيا ما يقارب 1500 جامعة منها 750 جامعة حكومية، بينما يوجد في سوريا 7 جامعات حكومية و 22 جامعة خاصة، وصُنّفت أفضلها محلياً في المرتبة 5073 عالمياً وآخرها محليّاً في المرتبة 14181 وفقاً لنشرة التصنيف عام 2018، كما تحوم الشكوك حول الشهادات الصادرة عن الجامعات السورية مُؤخّراً نتيجة قضايا فساد وبيع للشهادات نشرتها وسائل إعلام نظام الأسد الرسمية في مراحل مختلفة.
 
يُذكر أنّ جامعة دمشق كانت قد احتلت المركز الثاني عربياً بعد جامعة القاهرة عام 1970.

ترك تعليق

التعليق