روسيا في داريا.. من بوابة المساعدات الإغاثية


ادعى "المكتب التنفيذي لبلدية داريا" عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك"، يوم الأحد الفائت، بأن وفداً عسكرياً روسياً، قام بالدخول إلى مدينة "داريا" غربي دمشق، وتوزيع السلال الإغاثية على سكانها. وقد أثارت إدعاءات "المكتب التنفيذي" سخرية عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وكذّب عدد من الذين تابعوا منشور "المكتب التنفيذي" ما ذهب إليه، من أن الوفد الروسي قام بتوزيع المعونات الإغاثية على الأهالي داخل المدينة، مشيرين إلى أن النظام يمنع عودة الأهالي إليها إلا بموجب موافقات أمنية، ومن يتمكن من الدخول للمدينة لا يستطيع المبيت في منزله بسبب الدمار وانعدام الخدمات.

وجاء في منشور المكتب التنفيذي لبلدية داريا: "إنه وبتوجيه من القيادة السورية والقيادة الروسية وبدعم من السيد محافظ ريف دمشق، تم اليوم، توزيع ٤٥٠ سلة غذائية كهدية رمزية من روسيا، ووعدنا الوفد بزيارة ثانية والمساعدة بما تم طلبه منهم بالزيارة وتم تسليمهم كتاباً عن أهم مطالب الأهالي"، وعزز المكتب التنفيذي منشوره بعدد من الصور التي تظهر الوفد الروسي وقيامه بتوزيع المعونات على مستحقيها، وفق زعمه.


التعليقات على المنشور الذي رصده "اقتصاد"، جاءت بمعظمها ساخطة من تلك الخطوة الروسية ومن ادعاءات المكتب التنفيذي لبلدية داريا، مطالبين بضرورة إيجاد الحلول من أجل تسهيل عودتهم للمدينة.

وقالت إحدى المتابعات:" شي بضحك والله.. مابدنا سلات غذائية يردوهن ع جوعتن بدنا نفوت ع بلدنا حاجتنا بقا"، فيما تساءل آخر: "متى سنعود إلى منزلنا (فَهمّونا)".

وشاركت إحداهنّ بالقول: "لك حاج يضحكوا ع هالعالم بشوية رز وبرغل رجعونا ع بيوتنا ومتل مو عايشين هلئ بنعيش بداريا ...ما في غير بسايرو العالم بشوية اغراض".

فيما سخر أحدهم بالقول: "يعني السلة الغذائية بدل الأرض والبيت؟"، وأضاف آخر: "ابهجتونا وسريتونا واسعدتونا بهل كم الهائل من الحنان واللطف والعطف الروسي، بس ياريت قبل السلة تتكرموا وتقولونا ايمت حتفتح داريا لنشوف المصايب يلي ناطرتنا من دمار بيوتنا ونحاول نصلح شي إذا قدرنا وبعدين قلولنا سلات، بس ياريت ما تكون من روسيا الحنونة".


وعبّر أحد المتابعين عن شكره وامتنانه لتلك الخطوة الروسية، مطالباً في الوقت ذاته بضرورة دعم الواقع الخدمي المتردي في المدينة وقال: "مشكورين.. الأهم من السلة الغذائية اعطاء داريا مساعدة مالية لبناء البنية التحتية، والسماح لأهالي داريا بالدخول دون بطاقات إلى مدينتهم".

وأثارت كثرة التعليقات الساخرة حفيظة القائمين على إدارة تلك الصفحة ليقوموا بالرد ومحاولة اثبات أن الحياة عادت لطبيعتها في مدينة داريا، وأن المساعدات الاغاثية وصلت لمستحقيها.

وفيما علّق أحد المتابعين ساخراً على موضوع توزيع المساعدات على الأهالي داخل المدينة بالقول: "لمن ستوزع تلك المعونات؟ على الأشباح في المدينة؟"، ردّ عليه المكتب التنفيذي عليه بالقول: "بيعجبني النبيه.. كل هالصور والعجقة أشباح!"، ليسارع أحد المتابعين للمنشور بالرد على المكتب التنفيذي بالقول: "لا وبتعرف تتفقس كمان مو دريان انو التوزيع كان برا داريا.. يانبيه اللي اتلبكت بخيالك اليوم كيف بدك تدير بلدية بمدينة كبيرة؟"، الأمر الذي يشير إلى خلو المدينة من قاطنيها وأن ما تقوم به تلك الجهات التابعة لحكومة نظام الأسد ما هي إلا مجرد مسرحية بالتواطؤ مع الطرف الروسي.

وأحرجت كثرة التعليقات على "البوست الفيسبوكي الخدمي" الساخرة والمكذّبة للمصدر المحلي، أحرجت المكتب التنفيذي لبلدية داريا، ودفعته للرد على التعليقات بالقول: "إن توزيع المساعدات تم خارج داريا"، مضيفاً أن "العودة مسموحة للجميع إلى داريا"، على حد زعمه، الأمر الذي زاد من حدة التعليقات إزاء تلك الردود.


وفي محاولة للتخفيف من سخط المتابعين لمنشور المصدر المحلي، والذي هم من أهالي المدينة كما توحي التعليقات، سارع المكتب التنفيذي لبلدية داريا بنشر نسخة عن المطالب التي تم رفعها إلى رئيس مركز المصالحة الروسية، والتي تتضمن 12 مطلباً من أبرزها: "تسهيل دخول وخروج الأهالي بدون اجراءات روتينية أسوةً بالغوطة الغربية، وتجهيز الفرن الآلي وإعادة تأهيله، وفتح جميع مداخل المدينة وتأمين وسائط لنقل الركاب، بحث مصير الموقوفين، المساهمة بدخول المنظمات الدولية لمساعدة الأهالي في ترميم منازلهم، وغيرها من المطالب الأخرى".


اللافت في الأمر، وبحسب مراقبين، هو محاولة الروس ايجاد موطئ قدم لهم في المدينة في هذا الوقت بالذات، والذي يدور الحديث فيه عن مساعٍ إيرانية لبسط سيطرتها على المدينة بحجة حماية مقام "السيدة سكينة" المتواجد في المدينة، إلا أن الروس كانوا الأسبق لتكون تلك الزيارة المحملة بالسلال الإغاثية أولى الخطوات التي استتبعتها روسيا بزيارة قام بها "التلفزيون الروسي" بحجة إعداد تقرير عن المدينة.

وفي هذا الصدد قال الباحث السياسي والاستراتيجي "رشيد الحوراني" في تصريح لـ "اقتصاد": "إيران لجأت في كسب الحاضنة الشعبية في الجنوب إلى نفس الأسلوب بتوزيع السلال الإغاثية على المواطنين المنهكين من الحرب، واستطاعت بعدها استدراج العديد منهم لميليشياتها وأغرتهم برواتب وامتيازات أمنية لترسيخ نفوذها، ويمكن القول إن الروس لجأوا إلى ذلك تيمناً بالإيرانيين خاصة أنهم في مرحلة المطلوب منهم فيها إبعاد إيران وإخراجها من سوريا".

وأضاف: "اللافت للانتباه هو المكان الذي بدأوا منه ذلك وهو (داريا) التي يزعم الإيرانيون أن مقام السيدة سكينة موجود فيها، وهذا يدل على أن تقليص النفوذ الإيراني في سوريا على يد الروس، قد بدأ من دمشق"، حسب وصفه.

أمّا "يحيى مكتبي"، عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، فرأى أن "زيارة الضباط الروس لمدينة داريا التي هجر أهلها وارتكب فيها العديد من المجازر، يحاولون من خلالها التغطية على جرائمهم المرتكبة بحق الأهالي في ريفي حماة وإدلب، وكأنهم يظنون أن ما أخرج السوريين في ثورتهم كان هو البحث عن لقمة العيش، بينما هي كانت ثورة كرامة وحرية".

ووصف "مكتبي" في حديثه لـ "اقتصاد"، تلك الزيارة الروسية، بأنها "بروبوغندا" لا أكثر. وقال: "هذه البروبوغندا الزائفة للعطف الروسي على من بقي من الأهالي في داريا، لا تعدو أن تكون خديعة جديدة لذر الرماد في العيون، ولن تنطلي على الأهالي في داريا ولا في أي مكان آخر".

وأضاف أن روسيا شريك رئيسي في قتل الشعب السوري، وهي قوة احتلال تنهب ما بقي من ثروات الشعب السوري، بعد أن نهبها نظام الأسد طوال أكثر من 40 سنة.

واستعادت قوات نظام الأسد السيطرة على مدينة "داريا" في العام 2016، بعد اتفاق بين فصائل المعارضة وقوات النظام أفضى بتهجير سكان المدينة قسراً باتجاه الشمال السوري، لتغدو المدينة خاوية على عروشها، وسط الدمار الذي حلّ بها جراء الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها قوات النظام وميليشياته بالبراميل المتفجرة وبشتى أنواع الأسلحة.

ترك تعليق

التعليق