هل تفاقمت أزمة المحروقات في مناطق النظام بسبب غياب تنظيم "الدولة الإسلامية"؟


كشفت دراسة صادرة عن "المرصد الاستراتيجي" عن أسباب مفاجأة وراء تنامي أزمة المحروقات في مناطق سيطرة النظام السوري.

وأوضحت الدراسة التي تسلّم"اقتصاد" نسخة منها، أن الإجهاز على تنظيم الدولة أدى إلى توقف عمل الشبكات التي أسسها النظام لشراء ونقل النفط الخام من ريف دير الزور الشرقي، ما ساهم في خسارته أحد أهم موارد النفط.

الدراسة بيّنت أن سيطرة التحالف الدولي على منابع النفط بدير الزور، أفشلت مساعي النظام السوري بإعادة مرور شحنات النفط إلى مناطق سيطرته غرب نهر الفرات، بالاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مشيرة إلى تعرض الصهاريج المحملة بالنفط إلى القصف لأكثر من مرة من قبل طائرات التحالف الدولي.

البدايات

وفي استعراضها لبداية التعاملات النفطية بين النظام السوري و"تنظيم الدولة"، كشفت الدراسة وبالأسماء عن تورط شخصيات عسكرية ومدنية في هذه الصفقات المشبوهة.

وبيّنت أنه مع خروج مناطق كثيرة عن سيطرة النظام في منتصف العام 2012، تلقى النظام ضربة قاسية بخروج آبار نفط كثيرة بدير الزور عن العمل، الأمر الذي دفع بالأسد إلى تسليم مهمة حماية آبار الحسكة إلى "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، وذلك لضمان وصول كميات –ولو كانت قليلة- إلى مناطق سيطرته.

ومع ظهور "التنظيم" و"جبهة النصرة" واستحواذهما على غالبية مناطق إنتاج النفط في العام 2014، أبرم النظام صفقات معهما، عن طريق وسطاء موثوقين من الجانبين، تقضي بدفع ما يقارب 150 مليون ليرة سورية شهرية، مقابل وصول النفط إلى مصفاتي حمص وبانياس.

كما كشفت الدراسة، عن صفقة عقدها النظام مع "التنظيم" في منتصف العام 2014 في الرقة، تتضمن حماية الأخير لحقل "توينان" قرب مدينة "الطبقة" وتأمين وصول المواد الخام إلى مصافي النظام، موضحة أنه تم تقاسم الأرباح بنسبة 60% للنظام و40% لـ"التنظيم".

ودللت على ذلك بالإشارة إلى ما كشفه خبير اقتصادي سوري مقرب من النظام لوكالة "آكي" الإيطالية في العام 2017، حول أن مصافي النظام تقوم بتصفية نفط يرد عبر وسطاء من "التنظيم" ومن الأكراد، ويقتطع النظام نسبة متفق عليها، ثم يعيد تسليم الكميات المعالجة إلى "التنظيم" والأكراد من جديد، وذلك في عملية مستمرة.

طوابير سيارات بعيد سقوط "الباغوز"

الدراسة أوضحت أنه بتبدل السيطرة وانحسار سيطرة "جبهة النصرة" لحساب "التنظيم"، أبرم النظام اتفاقيات مع الأخير، واستمر الحال على ذلك، إلى أن تم الإعلان عن الانتهاء من الوجود الفعلي لتنظيم الدولة في آذار 2019 الماضي، في معقله الأخير ببلدة الباغوز بريف دير الزور الشرقي.

ولم تمر سوى أسابيع قليلة على إعلان "التحالف الدولي" القضاء على "التنظيم"، حتى بدأت طوابير السيارات تطول أمام محطات الوقود في المدن السورية.

ورداً على الربط بين العقوبات الأمريكية على إيران وأزمة المحروقات عند النظام، تؤكد الدراسة أنه ما من تأثير واضح لتلك العقوبات على قطاع النفط الداخلي، وذلك بالرغم من تعرض النظام وإيران لعقوبات سابقة منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011.

شبكات بالأسماء (عسكريون، وأصحاب رؤوس أموال، وشركات وهمية)

وفي شرحها للكيفية التي مكنت النظام من عقد الصفقات مع "التنظيم"، جاءت الدراسة على أسماء عدد من الضباط البارزين لدى النظام مؤكدة أن غالبيتهم حصلوا على ثروات طائلة، جراء تشكيلهم شبكات غير شرعية.

ومن بين الأسماء التي جاءت الدراسة عليها، اللواء زهير الأسد، واللواء جميل يونس، واللواء رمضان رمضان، واللواء موفق الأسعد، واللواء محمد خضور، والعميد مازن الكنج، وغيرهم.

وفي استعراضها لثروة هذه الأسماء، أشارت إلى امتلاك عدد منهم لشركات وعقارات ومحطات وقود وغيرها من الاستثمارات، لافتة إلى أن معظمهم كانوا من المعينين في الثكنات العسكرية والأفرع الأمنية في المحافظات الشرقية السورية (دير الزور، الحسكة، الرقة).

وإلى جانب العسكريين، طبقاً للدراسة، عمد النظام إلى إنشاء شركات وهمية لاستيراد المشتقات النفطية من "التنظيم" عبر رجال أعمال سوريين، في مقدمتهم رامي مخلوف، وجورج حسواني، وآل القاطرجي، وسامر الفوز.

واستناداً إلى تقرير نشرته صحيفة "إندبندنت" البريطانية، أشارت الدراسة إلى دور شركة "غلف ساندز" البريطانية المملوكة لابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف، في انتهاك العقوبات على النظام، موضحة أن الشركة قامت بتسهيل عمليات شحن النفط من مناطق "التنظيم" إلى الموانئ السورية لتصديرها إلى الخارج بهدف الحصول على العملة الصعبة.

أما حسام قاطرجي، قام بصفته رئيساً لمجلس إدارة "مجموعة القاطرجي الدولية" بدور الوساطة بين النظام السوري، وكل من "التنظيم" و"الاتحاد الديمقراطي" الكردي، لتأمين القمح والنفط من مناطق سيطرتهما إلى مناطق النظام، وفق الدراسة.

وأضافت أن" حسام القاطرجي" من خلال شبكة الصهاريج التابعة لشركته، كان يزود النظام بنحو 20 ألف برميل من نفط "التنظيم"، مقابل إدخال مواد غذائية وأخرى لوجستية، كالحديد ومواد البناء لمناطق "التنظيم" و"الاتحاد الديمقراطي".

خبير اقتصادي يعلّق

وفي تعليقه على ذلك، خالف الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم، خلال حديثه لـ"اقتصاد"، جزئياً، ما جاءت على ذكره الدراسة، معتبراً أن حصر أسباب أزمة المحروقات التي لا زال يعاني منها النظام، وإرجاعها فقط إلى انقطاع نفط "التنظيم" "أمر فيه شيء من الحقيقة، وليس كلها".

"الكريم" أكد أن حجم كميات النفط التي كانت تصل النظام من "التنظيم"، لم يكن كبيراً، وقال "كانت هذه الكميات متذبذبة، علماً أن النظام كان يشتريها بأسعار منخفضة جداً، وكانت تساعده إلى جانب الكميات الأخرى من إيران والعراق".

وقال إن "النظام حاول الاستفادة من كل المصادر النفطية لسد احتياجاته، بما في ذلك مناطق المعارضة وحتى من المنظمات الأممية العاملة في سوريا مثل منظمة الأغذية العالمية. وكان يتلاعب بالأسعار للحصول على النفط بأقل سعر ممكن".

وبالبناء على ذلك، شدد الكريم على أنه "لا يمكن اختزال أسباب أزمة المحروقات لدى النظام، بخسارة نفط التنظيم فقط"، مستدركاً "يمكن القول أن النظام خسر مع اختفاء المناطق الخارجة عن سيطرته، وخسارة المعابر غير الخاضعة للتدقيق والمراقبة الدولية، الكميات الهائلة من الدعم بالقطع الأجنبي، التي كانت تمكنه من شراء النفط من مناطق أخرى مثل الأردن ولبنان".

وأضاف الخبير الاقتصادي، أن العقوبات الأمريكية على إيران، والأزمة المركبة الروسية الأمريكية الخليجية الإيرانية، وغيرها من العوامل، كلها عوامل انعكست بشكل مباشر على النظام، وأدت إلى ظهور الأزمة الخانقة بالمحروقات.

وأوضح الكريم، أن النظام في ظل احتدام الصراع مع إيران، بات مطلوباً منه إقليمياً إعلان موقف صريح من إيران، في حين أن إيران تنتظر منه إعلان موقف إلى جانبها.

يشار إلى أن تصدير النفط الخام كان يشكل مصدراً هاماً في تمويل مستوردات القطاعين العام والخاص السوري، وكذلك في ضمان استقرار سعر صرف الليرة السورية، حيث كان يشكل تصدير النفط ومشتقاته 35% من عوائد القطع الأجنبي ويمول 30% من موازنة الدولة، ما قبل العام 2011.

ترك تعليق

التعليق