"أسوشيتد برس" تقع في حبائل دعاية النظام: العقوبات تضرّ بالسوريين البسطاء


"العقوبات تضر بالمواطنين العاديين. إنها لا تعاقب الحكومة. إنها تعاقبنا"، بهذه الكلمات، نقلاً عن صناعي يعمل في مناطق سيطرة النظام، ختمت "أسوشيتد برس"، تقريراً يسلط الضوء على أثر العقوبات الغربية على الواقع الاقتصادي بمناطق سيطرة النظام.

ويفرد التقرير مساحة واسعة لصالح عرض آراء رجال أعمال ومسؤولين محسوبين على النظام. ويبدو أن التقرير أُعدّ في دمشق وحلب، بموافقة من النظام، مما يفسّر لماذا بدا تقرير وكالة الأنباء الأمريكية، وكأنه مساحة مجانية لعرض دعاية النظام الموجهة للغرب، والتي تفيد بأن العقوبات تضرّ بالسوريين البسطاء، أكثر من أي طرف آخر.

ويبدأ التقرير بعرض قصة سائق تكسي بدمشق، حيث يقود محمد حاجي عابد سيارة أجرة صفراء في شوارع العاصمة السورية المزدحمة لمدة 12 ساعة في اليوم، يكدح في حرارة الصيف الشديدة، لكنه يكسب بالكاد قوت عائلته المكونة من خمسة أفراد.

ويقول تقرير الوكالة: "كان من الأسهل بالنسبة له (لـ محمد حاجي) الوفاء بالنفقات في ذروة الصراع في بلده، عندما كان مقاتلو المعارضة يلقون بانتظام قذائف الهاون على دمشق من معاقلهم على أطراف المدينة".

ويستطرد التقرير: "في العام الماضي، في الوقت الذي شددت فيه إدارة ترامب العقوبات على سوريا وأعادت فرض العقوبات على حليفها الإقليمي الرئيسي، إيران، أصبحت الظروف المعيشية أسوأ بشكل مطرد، مما زاد من حدة الصراعات اليومية لسكان منهكين عاشوا خلال ثماني سنوات من نزاع.

ويقول محمد الذي كان يجلس خلف عجلة القيادة بسيارته في أحد أحياء دمشق الشرقية، (العقوبات الاقتصادية تؤثر على البلد بأسره). وأضاف الرجل ذو الشعر الرمادي في أواخر الخمسينات من عمره: (لا يمكن للناس تحمل المزيد)".

وتوضح وكالة الأنباء الأمريكية كيف فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية عقوبات على نظام الأسد بعد أشهر من بدء الأزمة السورية في مارس/ آذار 2011، بعد أن قام الجهاز الأمني لنظام بشار الأسد بقمع الاحتجاجات ضد حكمه. واستهدفت العقوبات صناعة النفط وتحويل الأموال وعدد من المؤسسات والمسؤولين، بما في ذلك الأسد.

وزادت إدارة ترامب العقوبة، لا سيما من خلال التحرك لوقف صادرات النفط من إيران - بما في ذلك شحناتها إلى حليفتها سوريا.

 وفي نوفمبر / تشرين ثان، أضافت وزارة الخزانة الأمريكية شبكة من الشركات الروسية والإيرانية إلى قائمتها السوداء لشحن النفط إلى سوريا وحذرت من "مخاطر كبيرة" لمنتهكي العقوبات.

وفي أوائل يوليو/ تموز تم احتجاز ناقلة عملاقة تحمل حوالي مليوني برميل من الخام الإيراني في جبل طارق للاشتباه في انتهاكها لعقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على شحنات النفط إلى سوريا.

وحسب الوكالة، أثرت النتائج بشدة على السكان الذين أصيبوا بصدمة جراء الحرب التي أسفرت عن مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص وتشريد نصف السكان على مدار السنوات الثماني الماضية.

وتقول الوكالة: "سوريا التي كانت مصدرة للنفط في السابق أصبحت تعتمد على الواردات. وأدت تكاليف الوقود المرتفعة الناجمة عن العقوبات إلى ارتفاع الأسعار في كل قطاع تقريبا. فقدت العملة ثلث قيمتها في 2019 وحدها، وتبلغ الآن 600 ليرة سورية مقابل الدولار، مقارنة ب 47 في بداية الصراع. وفقا للأمم المتحدة يعيش ثمانية من كل عشرة سوريين تحت خط الفقر، حيث يجنون أقل من 100 دولار شهريا".

"يقول حاجي عابد إنه يجني 12000 جنيه (يقصدون ليرة سورية) (20 دولارا) يوميا، لكن بعد دفع ثمن الوقود، لا يتبق له سوى حوالي خمس دولارات في اليوم. إيجاره هو 35 دولارا في الشهر. وقال إن ما يتبقى بعد ذلك بالكاد يكفي لتغطية نفقات الغذاء وغيرها".

وتضيف الوكالة: "اعتاد (حاجي) أن يكون قادرا على شراء وقود مدعوم غير محدود. ولكن منذ العقوبات الأمريكية الجديدة، حددت الحكومة سقفا شهريا، حيث يمكن لمالكي السيارات الخاصة شراء 100 لتر شهريا، وسائقي سيارات الأجرة 350 لترا. يجب على أولئك الذين يريدون المزيد الدفع بسعر السوق وهو الضعف".

وحسب الوكالة، تقدر خسائر سوريا جراء فرض العقوبات بمليارات الدولارات. وأضر الحظر المفروض على تحويل الأموال وغيره من الإجراءات بشكل خاص بالصناعات الدوائية والصيدلانية، وهي خسارة مؤلمة لبلد كان ينتج في وقت ما 90 بالمائة من احتياجات شعبه.

وتقول الوكالة إن سوريا تعتمد الآن على واردات اللقاحات وأدوية السرطان ومشتقات الدم ومستلزمات غسيل الكلى. ويؤدي هذا إلى نقص متقطع. وقال الصيدلي سمير أفطيموس، للوكالة: "منذ ثلاثة أشهر لم يكن هناك أي حليب رضيع متاح ... ركض الأشخاص الذين لديهم أطفال من صيدلية إلى أخرى للبحث عنه". تراجعت الأزمة عندما أرسلت إيران الإمدادات.

وتفرد "أسوشيتد برس" مساحة لمساعد وزير الصحة بحكومة النظام، ويُدعى، حبيب عبود، لتوضيح صورة الوضع الصحي كنتيجة للعقوبات الأوروبية والأمريكية، إذ يقول للوكالة: "بسبب قيود الشحن يجب جلب معظم واردات الأدوية عن طريق البر من لبنان مما يؤدي إلى زيادة التكاليف". ويضيف: "الشركات تواجه صعوبة في تحصيل أو سداد مدفوعات في الخارج والعديد من الشركات الطبية الأجنبية التي اعتادت العمل في سوريا تلغي تراخيصها".

وحسب المسؤول بحكومة النظام، تتطلع سوريا لشركات في روسيا والصين وإيران والهند للتدخل.

وقال (عبود) للوكالة إنه خلال النزاع دمر أو تضرر بشدة حوالي 25 من أصل 70 مصنعا للأدوية في سوريا، وعقّب، حسب زعمه، أنه تم إصلاح الكثير منذ أن استعادت قوات النظام أجزاء واسعة من سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية. وأدى ذلك لعودة الإنتاج إلى قرابة مستويات ما قبل الحرب، وذلك وفقاً لتصريحات مسؤول وزارة الصحة بحكومة النظام، مرة أخرى.

وفي رواية تشير إلى اختلال كفة الحيادية في نقل وجهة نظر طرف دون الآخر، تقول الوكالة: "إحدى الشركات السورية العملاقة التي تأثرت بالحرب هي الشركة الطبية العربية، أو تاميكو، التي سيطر مقاتلو المعارضة على مصنعها في ضواحي المليحة بشرقي دمشق وتعرضت لتدمير واسع النطاق خلال الحرب".

وتضيف: "حولت الشركة المملوكة للدولة أعمالها إلى مبنى في دمشق كان مكانا للتخزين، ويعمل الآن عشرات الموظفين في طابقين لإنتاج الأدوية مثل مسكنات الألم والمضادات الحيوية أو أدوية أخرى".

وقال فداء علي المدير العام لتاميكو، حسب "أسوشيتد برس"، إنه من الصعب الحصول على المواد الخام وقطع الغيار. وأضاف: "معظم الشركات الأجنبية امتثلت لمؤامرة العقوبات الاقتصادية والحظر المفروض على سوريا".

وعقّبت الوكالة، بأن عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استهدفت أيضا مئات الكيانات والأفراد، وكثير منهم رجال أعمال مقربون من قيادة الأسد. تضيف واشنطن أسماء إلى القائمة كل عام. وكانت الأسماء الأخيرة، التي أضيفت في يونيو/ حزيران، لرجل الأعمال سامر الفوز وعائلته، ومجموعة أمان القابضة التابعة لهم. اتهمت واشنطن الفوز بجمع ثروة من خلال تطوير أراض صودرت من السوريين الذين فروا من البلاد.

وتفرد الوكالة أيضاً مساحة للصناعي الموالي بشدة للنظام، فارس الشهابي، كي يتحدث. وتصفه بأنه "مُشرّع وصناعي بارز"، حيث وصف عقوبات الاتحاد الأوروبي عليه بأنها "غير عادلة"، وقال إنها كلفته ملايين الدولارات.

"لا يمكن لأحد أن يدعي أنه لم يتأثر بالعقوبات. ليس فقط الأشخاص الخاضعين للعقوبات مثلي"، حسبما قال الشهابي الذي يتخذ من حلب مقراً له، وهي ثاني أكبر مدينة في سوريا وكانت يوماً ما مركزه التجاري، حسب تقرير الوكالة.

"تيسير دركلت"، صناعي حلبي آخر، نقلت "أسوشيتد برس" وجهة نظره، وهو يمتلك مصنعاً في حلب ينتج آلات تصنع رقائق البطاطس قال إنه بسبب العقوبات لا يستطيع استيراد أو تصدير المنتجات أو الحصول على قطع الغيار. ومع عدم وجود تحويلات مالية، يسافر إلى الخارج لتحصيل المدفوعات النقدية، لكن ذلك يضيف تكاليف الطائرات والفنادق. وهو قلق من حمل الكثير من المال.

وختمت "أسوشيتد برس" تقريرها بعبارة الصناعي "دركلت": "العقوبات تضر بالمواطنين العاديين. إنها لا تعاقب الحكومة. إنها تعاقبنا".

ترك تعليق

التعليق