بعد دعوة حسن نصر الله.. خيار العودة إلى القصير، لمن؟، وبأية شروط؟


قالت مصادر مطلعة، تحدث إليها "اقتصاد"، إن اجتماعاً عُقد في الهرمل، بلبنان، يوم السبت، ضم مسؤولين من حزب الله والنظام السوري، وممثلين عن نازحي منطقة القصير، المتواجدين في لبنان، وذلك بهدف إقناع النازحين بالعودة إلى المنطقة.

جاء ذلك بعيد تصريحات أطلقها أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، يوم الجمعة، دعا فيها أهالي مدينة القصير وريفها، للعودة إلى المنطقة، مشيراً في الوقت نفسه إلى "ضوابط وآليات معتمدة" من جانب الأمن اللبناني، والنظام السوري، تخص العائدين.

وأكد مصدر من أبناء مدينة القصير، ممن حضر الاجتماع، لـ"اقتصاد"، أن أعضاء وفد حزب الله قالوها صراحة أن قوات الحزب لن تنسحب من مدينة القصير وستبقى في المنطقة الغربية، منوهاً إلى أنه لا صحة لما يشاع بأن عناصر الحزب قاموا بتوطين عائلاتهم بالقصير، مؤكداً أن تواجدهم محصور في نقاط وحواجز عسكرية فقط.

لكن مصدراً آخر، تحدث لـ "اقتصاد"، قال إن "حزب الله" اتخذ العديد من الإجراءات لتأمين وجود طويل له في منطقة القصير، منها: "جلب عشرات العائلات من عناصر الحزب للاستقرار في المنطقة، وتأسيس عدّة حسينيات فيها، فضلاً عن الاستيلاء على العديد من الممتلكات الخاصة وتحويلها إلى مقرات أمنية وعسكرية، وسيطرته اللامحدودة على المنطقة الحدودية مع لبنان والتي تمتد من (جوسية) شرقاً حتى (تل النبي مندو) غرباً".

وأشار "محمود، ع"، وهو أحد مهجّري مدينة "القصير" المقيمين الآن في حمص المدينة، أنّ حديث "نصر الله" الأخير حول عودة أهالي مدينة "القصير" النازحين عنها، يأتي بعد ضغوط كبيرة مارسها النظام ومن خلفه روسيا على قيادة الحزب التي ما تزال ترفض إلى الآن فكرة العودة الجماعية لأبناء المدينة وخاصة من الداخل السوري؛ لكنها تصر في المقابل على عودة جماعية مشروطة لأبنائها النازحين في لبنان.

المصدر الأول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لـ "اقتصاد" إن باب التسجيل للعائلات الراغبة بالعودة فُتح، بالفعل، وذلك في مكاتب حزب الله أو الأمن العام اللبناني، مشيراً إلى أنه سيتم إرسال هذه القوائم للنظام السوري للاطلاع عليها وتحديد الأسماء التي يمكنها الدخول بعد تسوية أوضاعها عن طريق مكتب أمن خاص بالأهالي الراغبين بالعودة.

وأضاف المصدر ذاته، أنه لا يوجد أي ضمانات من قبل الحزب أو النظام لعودة الأهالي، الأمر الذي لم يشجع الكثيرين لتسجيل أسماءهم واقتصر الأمر على أعداد قليلة أغلبهم من كبار السن، و"الرماديين الذين لم يتخذوا موقفاً معلناً من النظام"، وذلك وفقاً لمحدثنا.

وبالفعل بدأت آليات تتبع لبلدية القصير بتجهيزات خجولة لإعادة بعض من مظاهر الحياة لمدينة القصير المنكوبة حيث تم إزالة الركام من الشوارع الرئيسية وبدأ العمل على تجهيز المدينة ببعض الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء.

لكن، المصدر الثاني، "محمود ، ع"، قال لـ "اقتصاد" إن مدينة القصير غير مهيأة بعد لاستقبال جموع كبيرة من أهلها المهجّرين عنها؛ فهي لم تشهد طوال الفترة الفائتة أي عمليات جادة لإعادة تفعيل البنى التحتية أو تحسين الواقع الخدمي فيها، فنسبة دمار الأبنية والمنازل السكنية تتجاوز 75%، حسب وصفه.

وبصوت مبحوح ونوبة بكاء خافت، تحدث إلينا العم "محمود مطر" وهو أحد أهالي القصير المُهجّرين، ويقيم في عمّان، وأجابنا عن سؤالنا "هل ترغب بالعودة للقصير؟"، قائلاً: "ومن لا يحب أن يرجع لأرضه وبيته.. هو يوم ننتظره بفارغ الصبر". لكن العم "محمود مطر" عقّب قائلاً: "بأرضنا (القصير) ومع وجود بشار الأسد وحزب الله لا يوجد أمان ولا يمكن أن نفكر بالعودة مطلقاً".

بدوره، "أحمد منصور"، ناشط ثوري من القصير ويقيم في إدلب، تحدث لـ "اقتصاد" واصفاً دعوة نصر الله لأهالي القصير بالعودة،
بأنها "ساذجة وغير ممكنة".

واستطرد "أحمد منصور": "أهالي مدينة القصير باتوا منتشرين في شتى البقاع من الشمال السوري إلى لبنان والأردن وحتى أوروبا وقد ضحوا بكل ما يمكلون منذ اندلاع الثورة وأُجبروا على ترك مدينتهم بعد احتلالها من قبل النظام وقوات حزب الله ومحال أن نفكر بالعودة مادام المحتل موجوداً".

وخرج "أحمد منصور" برفقة العشرات من القصير في العام ٢٠١٣ عبر ما يعرف بطريق الموت حيث حاصر النظام المدينة ودكها بمختلف أنواع الأسلحة ما أجبر من تبقى من سكانها على مغادرتها واتجه الثوار ممن يحملون السلاح إلى الشمال السوري بينما فر الأهالي إلى المناطق اللبنانية القريبة.

"القصير محتلة لن نعود إلا بتحريرها من جديد"، يؤكد "أحمد منصور".

ويتفق الصحفي "أحمد القصير"، من أبناء القصير المُهجّرين، مع ما قاله "أحمد منصور". مؤكداً أن دعوة نصر الله الأخيرة، واجتماع الهرمل الذي تبعها، لم تلقَ أي تفاعل أو اهتمام من أهالي مدينة القصير المهجرين في لبنان، حسب وصفه.

وقال الصحفي "أحمد القصير" إن اجتماع الهرمل كان مع أهالي ريف مدينة القصير، وليس مع أهالي المدينة، الذين لم يتم دعوة أي منهم للاجتماع منوهاً إلى ضرورة التفريق بين أهالي مدينة القصير وسكان ريفها.

وأضاف "أحمد القصير" أن عودة أهالي مدينة القصير مستحيلة بوجود النظام وميليشيا حزب الله التي تسيطر على المدينة وريفها، مضيفاً أن الظروف غير مهيئة لعودة أهالي القصير من لبنان إلى مدينتهم، مؤكداً ما سبق وذهب إليه "محمود، ع"، من أن نسبة الدمار في المدينة تصل إلى ما يقارب 75%، كما تعاني المدينة من انعدام في بنيتها التحتية والخدمية، كما أن مسؤولي ميليشيا حزب الله لم يقدموا أي ضمانات لمنع ملاحقة واعتقال العائدين، وهو ما يرفضه بشكل قاطع، أهالي مدينة القصير المهجرين في لبنان، والذين يصل عددهم إلى حوالي 35 ألف في عرسال وحدها، بالإضافة إلى 10 آلاف موزعين على باقي الأراضي اللبنانية.

بدوره يرى المصور الصحفي "فادي سوني" أن نسبة من عاد فعلياً من أهالي مدينة القصير، من لبنان إلى المدينة، هي نسبة قليلة بالكاد تتجاوز واحد بالألف، في ظل انعدام الثقة بقوات النظام وميليشيا حزب الله التي تسيطر على المدينة.

 وحول ما يشاع إعلامياً من قبل بعض وسائل الإعلام في لبنان عن عودة أهالي مدينة القصير، أو البدء بترتيبات إعادتهم بالتنسيق مع النظام السوري، أكد سوني أن العائدين في غالبيتهم من سكان قرى ريف مدينة القصير المتاخمة للحدود اللبنانية، وهؤلاء بالأصل لا يوجد بينهم وبين النظام من جهة ومليشيا حزب الله من جهة أخرى أي خلافات، وكان نزوحهم لمنطقة وادي خالد اللبنانية بسبب العمليات العسكرية التي شهدتها المنطقة.

وبحسب سوني فإن سكان مدينة القصير من السُنة والمسيحيين تحديداً دفعوا الفاتورة الأكبر نتيجة موقفهم من نظام الأسد واحتضان مدينتهم للثوار، وذلك يتضح من الدمار الذي لحق بالمدينة نتيجة قصف ميليشيات النظام والحزب عليها، في حين أن ريف مدينة القصير الذي يضم حوالي 30 قرية حدودية وغير حدودية مع لبنان، ومنها قرى سنية وقرى شيعية، ومتداخلة مع القرى اللبنانية المقابلة لها، وتتمتع بعلاقات مصاهرة وقرابة معها، ويحمل بعض من سكانها الجنسية اللبنانية، كانت مواقف أهلها إما الحياد أو الوقوف إلى جانب حزب الله، حسب وصف المصور الصحفي "فادي سوني".

ونوه سوني إلى أن المهجرين من أهالي مدينة القصير في لبنان وخصوصاً الموجودين في بلدات عرسال والبقاع يتعرضون بشكل كبير للمضايقات وخصوصاً في استصدار الأوراق بغرض الضغط عليهم للعودة والقبول بشروط النظام والحزب، وهو ما يرفضه أهالي المدينة كون الحزب يحتل أراضيهم ويستولي على ممتلكاتهم.

مضيفاً أن من عاد من أهالي المدينة إلى القصير هم من الذين نزحوا داخلياً إلى بلدات حسياء وشنشار، وهم فئة قليلة، ولا توجد بينهم وبين النظام والحزب أي خلافات سابقة.

وبالعودة إلى "محمود، ع"، فهو يعتقد أن دعوة نصر الله لأهالي القصير بالعودة، "ستقتصر على (الولاء السياسي) للنظام والحزب، بالإضافة إلى خلو الملف الأمني للراغبين بالعودة من أي ارتباطات ذات صلة بـ(الثورة السورية)، مع تعهد العائدين أيضاً ولا سيما من الأراضي اللبنانية بتسليم أبنائهم للخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام".

ويرى المصدر أنّ دعوة "نصر الله" إنمّا تندرج تحت مصطلح "التسويق الإعلامي" والغاية منها إيصال صورة إيجابية للمجتمع الدولي تتركز على مساعي الحزب لتوفير مناخ ملائم لعودة أبناء "القصير" المهجّرين هذا أولاً، وثانياً: لتأكيد نفوذه السياسي/العسكري في هذه المنطقة أمام القوى الفاعلة في الشأن السوري.

وسمح فرع "الأمن العسكري" التابع للنظام السوري في شهر تموز/يوليو الماضي –كما يقول المصدر- بعودة حوالي 1000 شخص إلى مدينة "القصير"، عقب فترة انتظار ووساطات مع قيادة "حزب الله" استمرت لما يزيد عن خمسة أشهر، بينما تمّ اختيار أولئك الأشخاص على أساس طائفي صرف وبعناية فائقة من أبنائها المعروفين بولائهم المطلق للنظام أو ممن تربطهم صلات قوية بضباط النظام وهم كذلك من النازحين في سوريا على وجه الخصوص.

ولفت المصدر ذاته إلى أنّ منطقة "القصير" تضم حالياً عدداً محدوداً من المدنيين لا يتجاوز في أحسن تقدير 5 آلاف شخص، وهم بغالبيتهم من العائلات المسيحية، أو الشيعية، إضافةً إلى بعض الموالين من السنة، الذين جرى تطويعهم لصالح "حزب الله" كعناصر في "اللجان الشعبية" في "القصير"، ومن أبرز المهام الموكلة إليهم مراقبة سلوك العائدين إلى المنطقة.



ترك تعليق

التعليق