هل ينتعش الاقتصاد اللبناني من بوابة معبر "البوكمال" الفاصل بين سوريا والعراق؟


في ظل ما تواجهه دولة لبنان من أوضاع اقتصادية متردية وما لها من انعكاسات على سكانها بمختلف فئاتهم، يأتي خبر إعادة افتتاح معبر "البوكمال-القائم" الفاصل بين سوريا والعراق ليكون بمثابة المتنفس لها، وفق ما يزعم عدد من المسؤولين اللبنانيين.

ومطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، دخل معبر "البوكمال-القائم" الخدمة الفعلية بعد مرور ما يقرب من 5 سنوات على إغلاقة، بعد أن أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" سيطرته عليه من جهة العراق ومن جهة محافظة دير الزور شرقي سوريا، إلى أن استعادت قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية السيطرة عليه عام 2017، إلا أنه لم يدخل الخدمة بشكل فعلي إلا في هذا العام.

وأول من سارع للتطبيل والتزمير فيما يخص إعادة افتتاح هذا المعبر، وسائل إعلام نظام الأسد والوسائل الإعلامية الإيرانية الموالية، معتبرة أن هذه الخطوة ستدفع بعجلة الاقتصاد السوري المنهار، وسيكون لها نتائج إيجابية على الاقتصاد السوري والعراقي في آن واحد.

إلا أن مراقبين اعتبروا أن تلك الخطوة ما هي إلا ثمرة مساع إيرانية من أجل فتح طريق لميليشياتها من وإلى الداخل السوري، ومساع إيرانية لربط طهران ببيروت مروراً بسوريا والعراق، في مخطط خبيث ترمي إليه إيران منذ زمن بعيد، ما دفع بهم للقول إن الغرض من المعبر عسكري وليس اقتصادي.

وبالعودة إلى نقطة الدولة اللبنانية والفائدة التي ستحققها من إعادة نظام الأسد وميليشياته الإيرانية لافتتاح المعبر، نجد أن عدوى التطبيل والتزمير انتقلت للمسؤولين اللبنانيين وخاصة المؤيدين لنظام الأسد.

والبداية كانت مع تغريدة نشرها وزير الزراعة اللبناني "حسن اللقيس" على حسابه الرسمي في تويتر قال فيها "نرحب بفتح معبر البوكمال بين سوريا والعراق لما يشكله هذا المعبر من رئة ومتنفس للصادرات الزراعية من لبنان مروراً بسوريا وصولاً إلى العراق وباقي الدول، بعد سنوات من الأزمة التي أدت إلى إقفاله".

في حين قال وزير البيئة اللبناني السابق "وئام وهاب" في تغريدة له أيضاً "اليوم افتتح معبر البوكمال بين سوريا والعراق يعني فتح سوق مشترك لستين مليون نسمة، هل يجيبنا أحد في لبنان عما سنفعله نحن لنواكب هذا السوق عبر التجارة والتصدير وسوق العراق واعد كما نعلم أم سنبقى منتظرين أوهام بعض المنظرين عندنا؟".

إلا أن التلميحات اللبنانية فيما يتعلق بأهمية المعبر بالنسبة للبنان ليست وليدة العهد، إذ سبق أن غرّد الرئيس اللبناني "ميشال عون" على حسابه الرسمي في تويتر، قبل مدة، قائلاً: "مرتاحون لفتح معبر نصيب ونتمنى أن يستعيد معبر (البوكمال) حركته الطبيعية".

ووسط تلك التغريدات المرحبة كان لبعض اللبنانيين رأي آخر فيما يتعلق بأهمية إعادة افتتاح المعبر بالنسبة لهم، إذ قال التاجر اللبناني "أحمد حرب" لـ"اقتصاد"، إنه "مما لا شك فيه أن هذا  المعبر جيد للدولتين السورية والعراقية، لكن أهميته تأتي بالنسبة للبنانيين من أجل تسيير أمور التهريب من وإلى سوريا وخاصة بالنسبة لحزب الله من أجل إدخال السلاح غير الشرعي لهم".

وأضاف أن "اللبنانيين الموالين لنظام الأسد يهمهم هذا الأمر وخاصة الشيعة منهم، كونه طريق يبدأ من لبنان وسوريا مروراً بالعراق ومنها إلى إيران".

ورأى "حرب"  أنه "ربما يستفيد منه المزارعون في تصدير منتجاتهم إلى العراق ومنها إلى دول الخليج".

وكان موقع "LEBANON ECONOMY" نقل عن عضو مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة والزراعة في لبنان "محمود عبدالله مطر" قوله، إن "هذه الخطوة ستساهم في سياق حل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن غياب تصريف الانتاج اللبناني وتصريفه عبر البر، خاصة وأنها تأتي قبل شهر من بدء فعاليات معرض بغداد الدولي، والذي يشارك لبنان فيه بجناح كبير يضم عدداً من المصانع والشركات والمؤسسات المهمة".

في حين رأى أمين سر نقابة مستوردي ومصدري الخضار والفاكهة في لبنان "ابراهيم ترشيشي"، حسب ما صرّح لوسائل إعلامية لبنانية، أن "فتح هذا المعبر يعني تصدير الانتاج الزراعي إلى العراق، الذي أصدر مذكرة تسمح باستيراد هذه المنتوجات من دول عدة بما فيها لبنان، منذ الأول من شهر آب الفائت أي قبل فتح الطريق رسمياً".

إلا أن "ترشيشي" أشار في الوقت ذاته إلى صعوبات ستواجههم من قبل حكومة نظام الأسد وأهمها "فرض الرسوم الجمركية على السيارات اللبنانية وفق معادلة قائمة على ضرب المسافة التي تريد السيارة اجتيازها بوزنها وبنسبة 10%، وفي هذه الحال تقدر المسافة إلى البوكمال بحوالي الـ 400 كم أي ثلاثة أضعاف المسافة المجتازة للوصول إلى معبر نصيب على الحدود الأردنية".

وأوضح قائلاً إنه "في حين كنا ندفع بحدود الألف دولار على المعبر الأخير باتت الكلفة على معبر البوكمال تلامس الـ 3000 دولار، وهذه المبالغ تقف عائقاً في وجه المنافسة اللبنانية للوصول إلى الأسواق العراقية، بخاصة أن دولاً أخرى تصدّر إليها من دون إثقالها بهذه الضريبة".

وفي ظل تلك التوضيحات ناشد المسؤول اللبناني ذاته "رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، لمساعدة القطاع لإتمام الفرحة بالتخلص من هذه الضريبة"، معتبراً أن "الجانب السوري ليس في وارد إلغاء هذه الضريبة التي أزيلت عن بلدان أخرى إلا من خلال تكليف وفد رسمي لمفاوضته"، على حد زعمه.

وتعليقاً منه على أهمية افتتاح المعبر بالنسبة للبنانيين قال الباحث الاقتصادي "أدهم قضيماتي" لـ"اقتصاد"، إن "المعابر بين سوريا والعراق تعتبر متنفساً اقتصادياً وتجارياً حيوياً وخاصة معبر البوكمال الذي يربط بين العراق وسوريا وصولاً إلى تلكلخ المتاخمة للحدود الشمالية اللبنانية، عن طريق حمص".

وتابع "قضيماتي" أنه "بفتح هذا المعبر ستخفف التكاليف الإضافية التي كانت تدفع من قبل الشاحنات اللبنانية المتجهة إلى العراق عبر الأردن خلال فترة إغلاق المعابر السورية العراقية، فلبنان تعتبر من الدول المصدرة للعراق ومن خلاله إلى دول الخليج والسعودية، فقد كانت لبنان ترسل ما يقارب 100 سيارة تجارية إلى العراق يومياً قبل 2011".

وفي ظل الاضطرابات التي يعيشها العراق يغيب عنه المناخ الزراعي ويتطلع اللبنانيون إلى تعويض هذا النقص في العراق وتصدير المحاصيل الزراعية إليه والعودة إلى لبنان بالنقد الأجنبي، والذي بدوره سيساعد في تخفيف الضغط على العملة اللبنانية المنحدرة تباعاً، حسب "قضيماتي".

واعتبر أن "الوصول إلى اتفاقيات بين حكومة لبنان والنظام السوري لتخفيض رسوم الترانزيت المتجهة إلى العراق، سيعود على اللبنانيين بالنفع المرجو من فتح المعبر".

وختم بالقول إنه  "وخلال التسع سنوات الماضية أصبحت سوريا تعاني من تراجع القطاعين الصناعي والزراعي بشكل ملحوظ، وفي هذا الواقع ستعمل لبنان على تأمين الاحتياجات العراقية التي كانت سوريا تقدمها له، أي أننا يمكن أن نشهد طفرة تجارية بين العراق ولبنان ودول الخليج إذا ما تمت اتفاقيات التخفيضات الجمركية وتخفيض رسوم الترانزيت".

ولا يقتصر اهتمام المصدرين اللبنانين على معبر "البوكمال-القائم" بين سوريا والعراق، بل يتعداه إلى معبر "نصيب" والذي يعتبر من أهم  المعابر الحدودية بين سوريا والأردن، إذ  كانت تمر عبره البضائع بين لبنان وسوريا والأردن وصولاً إلى بلدان الخليج العربي وبالعكس.

ترك تعليق

التعليق