كيف سيُموّل اقتصاد المنطقة الآمنة بين تل أبيض ورأس العين؟


بات عدد من النقاط الاستراتيجية الهامة مثل المعابر والمناطق الصناعية وصوامع الحبوب وغيرها من الدوائر الحكومية والمصانع في مناطق تل أبيض ورأس العين شرقي سوريا، تحت يد فصائل المعارضة السورية وبإشراف تركي، بعد انسحاب قوات سوريا الديمقراطية منها.

ومع انتهاء العمليات العسكرية في تلك المناطق الواقعة بين تل أبيض ورأس العين، يترقب الأهالي المدنيون لحظة العودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم.

ووسط تلك الأحداث والتطورات يطفو على السطح عدد من الأسئلة المتعلقة بآلية تمويل المنطقة والموارد التي سيتم الاعتماد عليها في ذلك، وأيضاً من هي الجهات التي ستساهم في إعادة تأهيل المنطقة وبناها التحتية والاقتصادية.

وفي رد منه على تلك الأسئلة قال الكاتب والاقتصادي التركي "يوسف كاتب أوغلو"، إنه "بالنسبة للمنطقة الآمنة التي تم التوافق عليها مع كل من أمريكا وروسيا، فإنني أتوقع أن مؤتمر جنيف القادم سيحمل صبغة ليست فقط سياسية بل صبغة مشاركة الدول المانحة لإعادة إعمار المنطقة، ولتمويل ما يلزم من مشاريع بنية تحتية وفوقية، وبالتالي تركيا سيكون لها الدعم الأكبر أيضاً في هذه المنطقة".

وأضاف "كاتب أوغلو" في حديثه لـ "اقتصاد" أن "تركيا استثمرت في كل من منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، وأتوقع أنه في هذه المنطقة سيكون هنالك دول مانحة وتعاون أوروبي وأمريكي إضافة للدعم التركي، من أجل إنهاء البنية التحتية ولإعادة الإعمار، لتمكين من يريد من السوريين، من العودة إلى تلك المناطق".

وأضاف أن "المنطقة الآمنة الحالية من الممكن أن تستوعب 500 ألف سوري، إلا أنها غير كافية فالهدف الرئيسي سيكون إعادة مليون ونصف إلى 2 مليون سوري، وأتوقع أن التمويل سيكون تمويلاً دولياً في حال استكمال المناطق الآمنة سياسياً ودبلوماسياً".

وأكد "كاتب أوغلو"، أن "الجولات والمفاوضات مستمرة ولا نستطيع أن نقول إن المنطقة الآمنة هي الهدف الرئيس فقط، بل الهدف هو أن يتم تعميم كل المناطق الحدودية لكي تصبح مناطق آمنة إما بقوة السلاح أو قوة المفاوضات، وهذا بالنسبة لتركيا أولوية قصوى وربما مستقبلاً نرى غربي الفرات منطقة آمنة وفي إدلب وريفها وعلى عمق 32 كم".

وختم بالقول، إنه "يجب أن تستثمر هذه الجهود الحثيثة، وتركيا تتبنى هذا الموضوع لكي لا يتم تهجير المواطنين السوريين إلى خارج أرضهم، ولتمنع قيام إقليم على أساس عرقي أو كردي تعتبره إرهابياً ويجزئ المنطقة، وهذه أولويات قصوى بالنسبة للسياسة التركية الخارجية وهي نجحت دبلوماسياً وعسكرياً في أن تحصل على ما تريد".

ومن أهم المناطق ذات المردود الاقتصادي بالنسبة للمنطقة والتي باتت بيد المعارضة السورية، هي: "معبر تل أبيض، معبر رأس العين، صوامع تل أبيض، صوامع العالية في رأس العين، مطاحن تل أبيض، والمنطقة الصناعية في رأس العين".

بدوره، رأى المحلل السياسي التركي "فراس رضوان أوغلو"، أن المنطقة الآمنة التي تم الاتفاق عليها أخيراً "ستكون منطقة تبادل تجاري، ومنطقة استهلاكية بينها وبين تركيا، كما أن تركيا ستعتمد على مؤسساتها في دعم تلك المنطقة".

وأضاف أن "تركيا ستعتمد في دعم المنطقة على الكتلة البشرية الموجودة فيها، مما سينشط الحركة التجارية من خلال التبادل بين الشمال والجنوب لتصبح خطاً تجارياً وربما معبراً من وإلى مناطق تواجد النفط".

وتوقع "رضوان أوغلو" أن "تتم عودة نحو مليوني سوري في حال تمت عملية إعادة الإعمار وتم الاهتمام أيضاً بمسألة التعليم".

وقالت مصادر محلية في مدينة "تل أبيض" لـ "اقتصاد"، إن "فصيل أحرار الشرقية التابع للجيش الوطني أخبر سكان المنطقة بأنهم سيعيدون تشغيل الصوامع من أجل رفد الأفران بالطحين، حتى لا تتوقف الأفران ويحرم الأهالي من مادة الخبز".

وفي هذا الصدد، نقل "أبو عمر الجيجاوي" والذي يتواجد في مدينة "تل أبيض"، نداءات أهالي بلدة "سلوك" شرقي "تل أبيض"، التي خرجت منها قوات سوريا الديمقراطية وباتت بيد فصائل المعارضة السورية.

وقال "الجيجاوي" لـ "اقتصاد"، إن "أهالي سلوك يناشدون الحكومة التركية من أجل مساعدتهم في تنظيم المنطقة من ناحية إعادة تشغيل البلدية والمؤسسات الحكومية، وإعادة الموظفين إلى أعمالهم، حتى تستمر الحياة بشكلها الطبيعي".

وفي ذات السياق، قال مصدر إغاثي متواجد في منطقة تل أبيض ويدعى "أبو هاني"، إن "المنطقة باعتبارها منطقة زراعية يتوجب الاهتمام بالزراعة كونها العمود الفقري لأبناء المنطقة ومعظم أهالي المنطقة لديهم أراض زراعية".

وأعرب عن أمله في أن يتم "تفعيل التجارة باعتبارها أيضاً منطقة حدودية مع تركيا، إضافة لوجود معبر تل أبيض وهي البوابة التي يمكن الوصول منها إلى العالم".

ورجح "أبو هاني" أن "تتدخل بعض الدول التي تقول إنها اصدقاء الشعب السوري لتساهم في إعادة الإعمار ويكون تمويلها عبر بعض الدول العربية أو الصديقة التي تسعى لإبعاد شبح التنظيمات الإرهابية من المنطقة".

ويأمل سكان القرى والبلدات في تلك المنطقة، أن يتم إعادة تفعيل عمل معبر تل أبيض في أسرع وقت ممكن، من أجل أن يتم إدخال المواد الأساسية اللازمة لحياتهم المعيشية، ومن أجل أن تتمكن الأسواق من معاودة عملها من جديد.

الباحث في الشأن الاقتصادي "أدهم قضيماتي"، رأى أنه "من الناحية الغذائية يوجد في تل أبيض فقط أكثر من 20 ألف هكتار صالحة للزراعة بشكل مباشر إذا ما تم تأمين المحروقات والمواد والمعدات اللازمة لذلك، وقد تم تحرير العديد من المشاريع الزراعية غرب رأس العين، وتم أيضاً إعداد المجالس المحلية المختلفة المهام من أهالي المنطقة أسوة بالمجالس المحلية الموجودة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون".

وأضاف "قضيماتي"، أنه "بشكل إسعافي يمكن للمنظمات الدولية والتركية تقديم المساعدات الإنسانية اللازمة، ريثما يتم تأهيل المنطقة وقد تم التجهيز لذلك من جهة الحكومة التركية قبل البدء بعملية نبع السلام".

وأشار الباحث الاقتصادي أنه "يمكن إنعاش الحركة التجارية والصناعية في المنطقة، من خلال الاستفادة من معبر تل أبيض الحدودي مع تركيا، فقد كان هذا المعبر يوفر المئات من فرص العمل للمنطقة بشكل عام قبل إغلاقه بشكل كامل".

كما يمكن الاستفادة أيضاً من الطريق الدولي m4، والذي وصل إليه الجيش الوطني الحر في عملية نبع السلام، فله دور اقتصادي لا يستهان به لتحريك العجلة الاقتصادية في الشمال السوري ولدول المنطقة، كونه يصل بين دول شرق آسيا وتركيا وأوروبا.

وتابع "قضيماتي" بالقول، إن "امتداد هذا الطريق داخل سوريا من اللاذقية إلى الشمال السوري مروراً بحلب ويصل أيضاً بالطريق الدولي m5 إلى الأردن ولبنان مروراً بحمص ودمشق، أي أنه يمكنه إنعاش الحركة التجارية والزراعية بشكل كبير في الشمال السوري إذا ما تم فتحه بشكل آمن".

وأوضح أن "تأمين هذا الخط الدولي وإعادة فتحه أمام المسافرين والحركة التجارية، كان جزءاً من اتفاق سوتشي الذي ترعاه كل من تركيا وروسيا وإيران".

وفيما يتعلق بعمليات البناء والترميم، قال "قضيماتي"، إن "هناك العديد من الجهات والدول التي أبدت استعدادها لمساعدة تركيا في توفير الدعم لبناء بنية تحتية جيدة في المنطقة الآمنة التي تتطلع تركيا إلى إنشاءها".

أما عن حقول النفط والغاز الموجودة في الشمال السوري وإمكانية استثمارها للاستفادة منها كمورد في بناء المنطقة الآمنة، فرأى "قضيماتي"، أن "هذا يتوقف على التفاهمات مع الجانب الأمريكي الذي كان جنوده يسيطرون عليها، والاتفاقيات التي ستتم من أجل انسحاب المليشيات الانفصالية الكردية من المناطق الغنية بالنفط".

وختم بالقول، إنه "من دير الزور إلى الحسكة يتواجد خزان سوريا النفطي، الذي كان ينتج قبل الثورة ثلثي الانتاج السوري من النفط".

يذكر أنه في الـ 22 من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه تم التوصل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى وثيقة تاريخية فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة شرقي الفرات وانسحاب قوات قسد منها، وبناء عليه تم إيقاف العمليات العسكرية التركية شرقي الفرات، على أمل أن تبدأ الحياة بالعودة تدريجياً إلى تلك المناطق.

ترك تعليق

التعليق