كوارث اقتصادية في موازنة العام 2020.. عجز وتضخم وانكماش


لأول مرة منذ العام 2013، تنشر صحافة النظام تفاصيل الموازنة العامة للدولة، من حيث نسب الإنفاق والإيرادات والعجز. وإذا صحت النسب التي أعلنتها الحكومة في بيانها الذي أرسلته إلى مجلس الشعب، لإقرار موازنة العام 2020، فهذا يعني أننا أمام موازنة كارثية، سواء على مستوى الأداء الحكومي، أو على مستوى معيشة الناس، حيث أنها بكل بنودها، تعبر عن تراجع دور الدولة في تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها..

ولا يمكن أن نفهم الكلام السابق، إلا من خلال مناقشة بنود هذه الموازنة، ووفقاً لما نشرته صحيفة "الوطن" الموالية للنظام.

موازنة انكماشية

تقول الحكومة إن موازنة العام 2020، المقدرة بـ 4000 مليار ليرة، هي تزيد عن موازنة العام 2019، بمبلغ 118 مليار ليرة، أي بنسبة أكثر من 3 بالمئة بقليل، والتي كانت مقدرة بـ 3882 مليار ليرة، إلا أنه وفقاً لأسعار الصرف مقابل الدولار، فإن موازنة العام الحالي لدى إقرارها كانت تعادل 8 مليار دولار، بينما موازنة العام القادم فهي تعادل 6.3 مليار دولار. ما يعني أن الموازنة انكماشية بامتياز.

وقدرت اعتمادات العمليات الجارية بمبلغ 2700 مليار ليرة، "المقصود بها مصروفات الحكومة من رواتب وأجور بالإضافة إلى مبالغ الدعم بكافة أشكاله"، مقابل مبلغ 2782 مليار ليرة في موازنة عام 2019، منخفضة بنحو 3 بالمئة كذلك، وتبرر الحكومة هذا الانخفاض، أنه بسبب تراجع خسائر شركة محروقات المتوقعة في العام 2020، نتيجة لرفع سعر البنزين الذي أصبح يباع بسعر قريب من الأسعار العالمية.

وعند مناقشة هذا الرقم، فإن الحكومة تقول بأن كتلة الرواتب والأجور تقدر بـنحو 501 مليار ليرة بزيادة أكثر من 19 مليار ليرة عن العام الماضي، مبررة هذه الزيادة بفرص العمل الجديدة التي أوجدتها وزيادة تعويضات الموظفين.

والجدير بالذكر، أن الحكومة في موازنتها لعام 2019، وضعت هدفاً لتوظيف 85 ألف عامل في القطاع الإداري والاقتصادي، بينما ما تحقق من هذه الخطة هو توظيف 14 ألف عامل فقط، أغلبها ذهبت لذوي القتلى والجرحى من الجيش والمخابرات.

إذاً، وبالعودة إلى اعتمادات الموازنة الجارية والتي تقول الحكومة إنها تبلغ 2700 مليار ليرة، وبعد خصم كتلة الرواتب والأجور، يتبقى منها نحو 2200 مليار ليرة، ثم تقول الحكومة إن عليها من هذا المبلغ التزامات لسداد ديون قدرتها  بأكثر من 1195 مليار ليرة.. ليتبقى من الموازنة الجارية نحو 1000 مليار ليرة، وهي تتضمن كافة مبالغ دعم الخبز والكهرباء والمشتقات النفطية، وغيرها.

وبحسب البيان المالي للحكومة، فإن نفقات الدعم المقدرة لدعم صندوق الإنتاج الزراعي والصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية ودعم الدقيق التمويني ودعم المشتقات النفطية، يبلغ في مشروع الموازنة 373 مليار ليرة، أما بالنسبة لدعم الطاقة الكهربائية يبلغ نحو  711 مليار.

وحاول بيان الحكومة أن يعزو أسباب انخفاض دعم المشتقات النفطية إلى نحو 10 مليار ليرة، مقابل أكثر من 300 مليار ليرة في موازنة العام 2019، إلى أرباح شركة محروقات المتوقعة خلال العام القادم، نافياً في الوقت نفسه أن يكون هناك نية لرفع الدعم كاملاً عن المشتقات النفطية بحسب ما ذكر محللون موالون للنظام.

أما الموازنة الاستثمارية فتقول الحكومة إنها تبلغ 1300 مليار ليرة في العام القادم، مقابل 1100 مليار ليرة، في موازنة العام 2019، أي بزيادة 200 مليار ليرة.. لكن وفقاً للفارق في أسعار الصرف، فلا يمكن اعتبار ذلك زيادة في الموازنة الاستثمارية.

عجز الموازنة

ولأول مرة تفصح الحكومة عن عجز الموازنة، حيث قدرته في موازنة العام 2020 بمبلغ 514.61 مليار ليرة، مقابل 397 في موازنة العام 2019.. أي أكثر من 12 بالمئة.. غير أن الحكومة لم تفصح عن آلية تغطيته، بما في ذلك من خلال الاحتياطي النقدي إذا كان موجوداً بالفعل.

وعزا البيان سبب زيادة العجز إلى زيادة الاعتمادات المقدرة في مشروع موازنة عام 2020 بمبلغ أكبر من مبلغ الإيرادات العامة المقدرة، وكذلك توفير فرص العمل الجديدة، إضافة للاعتمادات اللازمة لحسن سير العمل في الجهات العامة.

وهو كلام لا قيمة له، كون الحكومة في ذات البيان أعلنت عن زيادة إيرادات الضرائب بنسبة أكثر من 44 بالمئة وهو ما يعني زيادة إيرادات الموازنة العامة، لكن لدى مناقشة هذا البند سوف نجد أن الحكومة قامت بزيادة ضرائب القطاع العام على حساب القطاع الخاص، الذي يكاد يكون في موازنة العام 2020، معفياً من الضرائب.

إيرادات الموازنة

تقول الحكومة إن الإيرادات العامة في مشروع موازنة عام 2020 يقدر بمبلغ 2546 مليار ليرة، بانخفاض 13.3 بالمئة عن إيرادات العام 2019، وهي المرة الأولى التي تنخفض فيها الإيرادات العامة المقدرة منذ العام 2013.

وبحسب الكثير من المحللين الاقتصاديين، فإن مبلغ الإيرادات هو الذي يُظهر عجز الموازنة، وهو في هذه الحالة يبلغ نحو 1500 مليار ليرة، وهو الفارق بين مبلغ الموازنة المقدر بـ 4000 مليار ليرة، ومبلغ الإيرادات المتوقعة والبالغة نحو 2500 مليار ليرة.. بينما تقول الحكومة في بيانها إن العجز هو 514 مليار ليرة.. وحتى عند مناقشة بيان الحكومة نجد أن مبلغ العجز هو خارج حسابات مبلغ الـ 4000 مليار ليرة، حيث تشير إلى أن قطاع الأدوية لوحده يحتاج إلى أكثر من 370 مليار ليرة دعم، وهو خارج حسابات الدعم المخصص للمحروقات والكهرباء والخبز، كما تتحدث عن مصروفات إضافية، كدعم لبعض القطاعات بأكثر من 120 مليار ليرة.. وهذا يعني أن الموازنة الفعلية هي أكثر من 4500 مليار ليرة، بنسبة عجز نحو 2000 مليار ليرة..

وللتعمية على هذه الأرقام تتحدث الحكومة عن إيرادات وهمية قادمة من قطاع النفط على وجه الخصوص دون أن توضح "كيف؟"، بالإضافة إلى زيادة بعض المطارح الضريبية نتيجة لدخول استثمارات جديدة، وتوقع زيادة نسبة مساهمة القطاع السياحي، نتيجة لتعافيه بحسب قولها. كما أنها تتحدث عن شيء اسمه حقوق الدولة، وتتوقع إيرادات منه بمبلغ  1113 مليار ليرة، وتقول إن هذا المبلغ سوف يأتي من فوائض البلديات، والزيادة في إيرادات الفنادق وذلك بسبب تحسن الظروف الأمنية وتشجيع السياحة الداخلية، وبدء عجلة الإنتاج بالدوران الأمر الذي انعكس إيجاباً على إجمالي الإيرادات الاستثمارية المقدرة في مشروع موازنة عام 2020.

خلاصة

نستنتج مما سبق أننا أمام موازنة كارثية بكل المقاييس، فهي أولاً، لا يوجد بها أي بند لزيادة الرواتب والأجور، ما يعني أن التضخم سيزداد كثيراً خلال العام القادم، وخصوصاً مع فشل قطاع الأعمال في تخفيض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية.. وثانياً، سوف يزداد الوضع مأساوية فيما لو استمرت الليرة بالانخفاض أمام الدولار، ما يعني ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، وانخفاضاً في مستوى الخدمات التي ستقدمها الدولة، نتيجة لانخفاض الإيرادات وزيادة المصروفات..



ترك تعليق

التعليق