كيف تسبب لبنان في تدهور الليرة السورية؟


تداولت مصادر إعلامية عديدة، معظمها موالٍ للنظام، ورقة بحثية، أصدرها مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"، للباحث الدكتور كنان ياغي، يُفصّل فيها كيف أثّرت الإجراءات النقدية والمصرفية في لبنان، على سعر صرف الليرة السورية. كما واقترحت الدراسة 5 إجراءات للحد من أثر الأزمة اللبنانية على سعر الصرف في سوريا.

ويصف "مداد" نفسه بأنه مؤسسة بحثية مستقلة، تأسست في دمشق عام 2015، تُعنى بالسياسات العامّة والشؤون الإقليمية والدولية، وقضايا العلوم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. بالإضافة إلى عنايتها بالدراسات المستقبلية/الاستشرافية، وتركيزها على السياسات والقضايا الرّاهنة..

وحسب الورقة البحثية التي نشرها المركز، فإن خمسة إجراءات نقدية ومصرفية لبنانية هي من كانت صاحب الأثر الرئيسي في التدهور الأخير لسعر صرف الليرة السورية، أولها قيام مصرف لبنان المركزي بمنع عمليات إخراج الدولارات النقدية في حقائب الصرافين والتجار عبر مطار بيروت الدولي والمعابر الحدودية، كما ألزم مكاتب الصرافة بالحصول على ترخيص لنقل الأموال مسبقاً، على حين كان سابقاً بإمكان الناس نقل مبالغ كبيرة من الدولارات نقداً خارج لبنان بتصريح من سلطات الجمارك اللبنانية فقط، لذا كان لهذا القرار أثر سلبي على عمليات شحن الدولار الأميركي للداخل السوري، والذي كان يؤمن السيولة النقدية من القطع الأجنبي لمصرف سورية المركزي، والتي كانت بديلاً عن الحوالات النقدية (الكاش) والتي تراجعت بشكل كبير بسبب الفرق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق السوداء.

والدكتور كنان ياغي، معدّ الورقة البحثية، هو نائب الرئيس التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية، وسبق أن عمل في "مصرف سورية المركزي"، لـ 10 سنوات (2006 – 2015). وهو أستاذ مساعد في اختصاص قسم التمويل لدى إحدى الجامعات الخاصة.

ويضيف ياغي في ورقته البحثية، المزيد من الإجراءات اللبنانية التي أثّرت سلباً على الليرة السورية، إذ قيّد مصرف لبنان عمليات السحب والتحويل للودائع بالقطع الأجنبي من المصارف اللبنانية وبدأ التقييد بوضع سقف أسبوعي للسحب بـ2000 دولار أميركي ووصل مؤخراً إلى 1000 دولار أسبوعياً، كما قامت المصارف بمنع تمويل صرافاتها الآلية بالدولار الأميركي، مما أضرّ كثيراً بإمكانية سحب المودعين السوريين لودائعهم من المصارف اللبنانية، والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، الأمر الذي أثر سلباً على سعر صرف الليرة السورية بسبب تراجع المعروض من الدولار الأميركي في السوق السورية، وحتى المودعون الذين قبلوا بسحب ودائعهم بالليرات اللبنانية قاموا بتحويلها إلى دولار أميركي في السوق السوداء الأمر الذي خلق طلباً إضافياً على الدولار الأميركي.

وحسب الورقة، فإن قيام مصرف لبنان بالحدّ من تمويل العمليات التجارية (المستوردات) لتشتمل على مجموعة من السلع والخدمات الأساسية فقط، وتقليص المصارف اللبنانية التسهيلات المصرفية الممنوحة للشركات بالدولار إلى حدّها الأدنى؛ أثر سلباً على قدرة الشركات وأصحاب الودائع السوريين على تمويل عملياتهم التجارية من خلال المصارف اللبنانية الأمر الذي اضطره إلى تأمين الدولار من السوق السوداء في سوريا.

هذا وأدت الأزمة في لبنان إلى خلق طلب عكسي للدولار الأميركي، أي من سوريا إلى لبنان، وعن طريق التهريب، وذلك بهدف تأمين القطع الأجنبي اللازم لتمويل العمليات التجارية في لبنان بسبب إحجام المصارف اللبنانية عن تأمين التمويل اللازم، إضافة إلى تأمين الطلب الناجم عن عمليات التحوط التي يقوم بها الأفراد في لبنان.

وأخيراً، فإن زيادة الطلب على بعض السلع والخدمات في السوق المحلية السورية عن طريق تهريبها من سوريا إلى لبنان، نتيجة للنقص في بعض السلع وارتفاع أسعار بعضها الآخر، خلق طلباً إضافياً على القطع الأجنبي في السوق السوداء في سوريا لتأمين التمويل اللازم لزيادة المستوردات.

وطرح ياغي في ورقته 5 إجراءات للحدّ من أثر الأزمة اللبنانية على سعر صرف الليرة، أولها أن يتم العمل على إيجاد مصادر وأسواق جديدة لشحن القطع الأجنبي (الحوالات) من دول الجوار إلى السوق السورية لتكون رديفاً للسوق اللبناني كالأردن والإمارات، بهدف تأمين حاجة السوق السورية من القطع الأجنبي الكاش.

إضافة إلى قيام الجهات السورية المختصة بضبط عمليات التهريب على الحدود وخاصة المعابر غير الشرعية على الحدود اللبنانية والتي أصبحت تشكل معابر لاستنزاف الاقتصاد الوطني وفي الاتجاهين، إلى جانب العمل على ضبط عمليات الاستيراد وخاصة للسلع الكمالية، إذ أصبحت السوق السورية بلد عبور للسلع التي يتم تهريبها لدول الجوار بسبب رخص أسعار المنتجات فيها، الأمر الذي يستنزف خزينة مصرف سورية المركزي ويؤثر سلباً على سعر صرف الليرة السورية.

وتضمنت المقترحات أيضاً أن يتم العمل على خلق بيئة تشريعية تسمح بعودة المدخرات السورية في الخارج، والتي قدرت بعشرات المليارات من الدولارات من خلال إعطاء ضمانات حقيقية لأصحاب الودائع بالقطع الأجنبي، واتباع سياسات تحفيزية كرفع أسعار الفوائد على الودائع بالقطع الأجنبي وبالليرة السورية، والعمل قدر الإمكان على سداد التزامات البلد عن طريق الحسابات المصرفية المفتوحة في الخارج، بهدف التخفيف من الضغط على مصرف سورية المركزي لتأمين القطع الأجنبي (الكاش)، وللحدّ من سداد قيمة بعض المستوردات بالليرة السورية (المشتقات النفطية والقمح) والتي يتم تحويلها لقطع أجنبي في السوق السوداء الأمر الذي يؤثر سلباً على سعر صرف الليرة السورية.

ترك تعليق

التعليق