تحليلان مختلفان.. لماذا أغلق النظام مكاتب تحويل الأموال؟


يعتقد صرّاف ناشط في تحويل الأموال من وإلى سوريا، بأن إغلاق فروع شركات الحوالات المالية الداخلية في مناطق سيطرة النظام، سيؤدي بصورة رئيسية إلى التضييق على فئة واسعة من السوريين. لكن الحواضن الشعبية المناوئة للنظام، التي خضعت لسيطرته مجدداً، في السنتين الأخيرتين، ستكون أبرز الفئات السورية المتضررة من هذا الإجراء.

وكانت أجهزة أمن النظام قد أغلقت خلال الأسبوع الأخير، فروع معظم شركات تحويل الأموال في مناطق سيطرته. وشمل الإغلاق حسب مصدرنا، كل شركات التحويل، بما فيها "الهرم"، التي يصفها ناشطون في هذا المجال، بأنها محسوبة على متنفذين في النظام.

ويوم أمس (الخميس)، أصدر مصرف سورية المركزي، التابع للنظام، بياناً أقرّ فيه بإجراءات الإغلاق تلك، مرجعاً إياها إلى "توفر معلومات ومعطيات تفيد بتورط هذه الفروع في تنفيذ حوالات خارجية غير مرخص لها القيام بتنفيذها ومجهولة المصدر بشكل يخالف القوانين والأنظمة النافذة وينطوي على مخاطر غسل أموال وتمويل إرهاب مرتفعة".

وأكد الصرّاف الذي تحدث لنا، أن النقطة المذكورة في بيان المركزي "تمويل إرهاب"، هي بالفعل، المسبب الرئيس لإجراءات الإغلاق تلك.

التحليل الأول

وأوضح الصرّاف الذي يعمل من تركيا، أن شريحة واسعة من سكان مناطق التسويات والمصالحات، إلى جانب بيئات اجتماعية كانت ناشطة في الحراك ضد النظام منذ بداية الثورة عام 2011، يعتمدون معيشياً، بصورة كبيرة جداً، على حوالات أقاربهم في الخارج.

ويقصد الصرّاف مناطق مثل الغوطة الشرقية والغربية لدمشق، ودرعا، وريف حمص الشمالي. وكذلك مناطق مثل مدينة حماة، وريف اللاذقية (جبلة)، وريف طرطوس (بانياس)، وغيرها مما يمكن توصيفه بـ "الحواضن الشعبية المناوئة للنظام"، منذ انطلاق الثورة.

وقال الصرّاف، إن أبناء عائلات تسكن في تلك المناطق، يعيشون في تركيا أو في بلدان اللجوء الأوروبية، وبلدان أخرى، كانوا يرسلون بصورة شهرية، مبالغ من قبيل 100 أو 200 يورو، لإعانة هذه العائلات على الحياة.

ويعتقد الصرّاف الذي تحدث إلينا، أن إجراءات الإغلاق الأخيرة، تستهدف هذه الفئة تحديداً. وأن هذا ما قصده المركزي بـ "مخاطر.. تمويل إرهاب مرتفعة"، في بيانه الذي تحدث عن سبب الإجراءات الأخيرة. وعقّب: "النظام ينظر حتى الساعة لهؤلاء المدنيين بأنهم عائلات (إرهابيين).. إنه إجراء انتقامي. وربما احترازي حيال مخاوف أمنية لدى سلطاته".

وحينما سألناه: "ألا يخشى النظام أن تؤدي هذه الإجراءات إلى شح الدولار القادم جراء الحوالات المالية الخارجية المرسلة إلى السوريين في الداخل؟"، أوضح الصرّاف بأن تلك الحوالات لم تكن تؤدي إلى نقل الدولار إلى الداخل السوري. وعقّب: "نستلم 500 يورو مثلاً في ألمانيا، ونسلمها بالليرة السورية في اللاذقية.. اليورو أو الدولار لا يدخلون إلى البلد". وبالتالي، فإن هذه الإجراءات لن تؤثر كثيراً في الحالة الراهنة لتدفق القطع الأجنبي إلى الداخل السوري، وفق الصرّاف نفسه. لذا فإن المركزي لم يخش من الإقدام على تلك الإجراءات، لأنها لن تؤثر على سعر الصرف، بشكل مباشر.

لكن الصرّاف نوّه إلى أن تلك الإجراءات ستضيّق على معيشة السوريين أكثر، وتحديداً، الفئة التي أشار إليها أعلاه.

واستطرد الصرّاف بأن صفقات الدولار الكبيرة، الخاصة بالتجار، ستبقى متاحة، ولن تتأثر بهذه الإجراءات. "فإذا سلمت 100 ألف دولار في دبي، وطلبت تسلمها في دمشق، فإنها ستكون متاحة.. لكن العمولة ارتفعت".

وتابع الصرّاف: "كانت العمولات بوسطي 1 أو 2 بالألف.. الآن أصبحت بين 5 إلى 6 بالألف".

وشدد الصرّاف: "من سيتضرر من هذه الإجراءات بصورة رئيسية، تلك الشريحة الواسعة من السوريين، التي كانت تتلقى من أقاربها في أوروبا أو تركيا أو بلدان لجوء أخرى، مبالغ من قبيل 100 أو 200 دولار". وعقّب: "المبالغ الصغيرة لن تغامر شبكات تحويل الأموال في نقلها بعد اليوم، جراء الإجراءات الأخيرة. أما الصفقات الكبيرة، لن تتأثر كثيراً".

تحليل ثانٍ

صرّاف آخر، ناشط في نفس المجال، تحدث أيضاً لـ "اقتصاد"، مشيراً إلى تحليل مختلف.

وقال الصرّاف الثاني الذي يعمل أيضاً من تركيا، إن هذه الخطوة  من المركزي ربما تستهدف إجبار متلقي الحوالات في سوريا، على تلقيها مجدداً، عبر القنوات التي تخضع للسعر الرسمي لـ "دولار الحوالات"، كالـ "ويسترن يونيون"، مثلاً.

وعقّب الصرّاف الثاني، بأن مكاتب شركات كالهرم وشامنا والفؤاد والحافظ واراك وارسال.. إلخ، كانت تسلم الحوالات الخارجية بسعر أقل قليلاً من سعر الصرف الرائج في السوق السوداء.

وأضاف الصرّاف الثاني: "سيضطر من يعتمدون على الـ 100 أو 200 دولار التي يرسلها لهم أبناؤهم شهرياً، على أن يتسلموها عبر (ويسترن يونيون) مثلاً، بدلاً من أن يحرموا منها نهائياً. حتى لو كان ذلك يعني أن يستلموها بـ 434 ليرة للدولار الواحد".

وما يزال المركزي مصرّاً على إبقاء "دولار الحوالات" بـ 434 ليرة. فيما يتراوح الدولار في السوق السوداء ما بين 880 و900 ليرة.

وقال الصرّاف الثاني: "إغلاق مكاتب تحويل الأموال، سيعيد توجيه تدفق القطع الأجنبي. فبدلاً من أن يبقى الدولار في الخارج، وتسلّم تلك المكاتب الدولار بسعر السوق السوداء (بالليرة) لأصحاب الحوالات.. سيتحول ذلك التدفق إلى القنوات الرسمية لتحويل الأموال، التي تخضع لسعر الصرف الرسمي لدولار الحوالات، مما يعني أن الدولار سيعود إلى الداخل، لكن المركزي هو من سيحظى به. أما أصحاب الحوالات في الداخل، فسيتقلون الدولار بـ 434 ليرة".

وختم الصرّاف الثاني حديثه لنا قائلاً: "المركزي والنظام برمته، غير معني بحياة المدنيين، وكيف يتدبرون معيشتهم.. ما يعنيه كيف يستطيع استعادة قناة الحوالات لصالحه والتي كانت في وقت من الأوقات، مصدراً رئيسياً للدولار الداخل إلى خزينته".

التأثيرات تنحصر بمناطق سيطرة النظام

وبالعودة إلى الصرّاف الأول، فقد أكد لنا أنه لم يستطع نقل أية مبالغ حوالات صغيرة في الأيام الأربعة الأخيرة، مطلقاً. مؤكداً أن متعاملين معه، ممن كانوا يتلقون حوالات شهرية تعينهم على ظروف المعيشة الصعبة في مناطق سيطرة النظام، باتوا عاجزين الآن عن تلقي تلك الحوالات.

ونوّه الصرّاف الأول إلى أن كل ما سبق لا ينطبق على المناطق "المحررة"، التي ما يزال نشاط نقل الحوالات إليها، سارياً، دون أية مشاكل.



 


ترك تعليق

التعليق