ما حقيقة توجه "الإدارة الذاتية" بشرقي سوريا، لـ "طباعة" عملة خاصة بها؟


تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، أنباءً عن عزم "الإدارة الذاتية" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصاراً بـ "قسد"، طباعة عملة خاصة بها في مناطق سيطرتها، شرقي سوريا.

وذهب رواد تلك المواقع إلى أبعد من ذلك مشيرين إلى أن العملة الورقية الجديدة سوف تحمل اسم "الدرو" كعملة خاصة في تلك المناطق، وبدأوا بنشر صور أولية لتلك العملة الورقية.

ولاقت تلك الخطوة ردود أفعال متباينة بين الساخرة والغاضبة والمحذرة من تلك الخطوة في حال كانت أكثر من إشاعة، أو كانت خطوة لـ "جس نبض الشارع" فيما يخص التوجه نحو تبديل العملة السورية التي تشهد نزيفاً حاداً أمام العملات الصعبة، وفي ظل توجه مناطق الشمال السوري للتعامل بالليرة التركية بدلاً عن السورية.

وتعليقاً على ذلك قال الدكتور "فراس ممدوح الفهد" أحد القائمين على المجال الطبي في مدينة الرقة، إن "الأمر لا يعدو كونه أكثر من مجرد إشاعة لا صحة لها"، وأنه لم تطرح هذه الفكرة أصلاً في مناطق "قسد"، بعد. حتى أنه لا يوجد نية لذلك.

وأوضح الدكتور "الفهد" لـ "اقتصاد"، أنه "حتى ولو كانت هناك نية فلا يوجد إمكانيات اقتصادية لذلك، فعلى سبيل المثال إقليم كردستان في العراق، منذ سنين طويلة جداً لم يستطع طباعة عملة محلية خاصة به".

وفي وقت لم يصدر عن "الإدارة الذاتية" أي بيان رسمي بهذا الخصوص، ذكرت مصادر مقربة منها أنها نفت تلك الإشاعة في اجتماع عقده مسؤولون محسوبون عليها، مساء يوم الثلاثاء.

وقال "أبو صالح"، وهو اسم مستعار، مفضلاً عدم الكشف عن هويته كونه موظف سابق في الإدارة الذاتية، نقلاً عن مصادر في الإدارة، إنه تم نفي تلك الإشاعات ومصادر في الإدارة أكدت أنه من المستحيل أن يقومو بهذه الخطوة لأن العملة لا يمكن صكها إلا للدول ذات السيادة، وأن الإشاعة خلفها هدف معين والأيام كفيلة بكشف ذلك، وأن من أطلقها هم أشخاص مجهولون هدفهم غير معروف ولا يوجد أي جهة رسمية صرحت بذلك.

وكشف "أبو صالح" لـ "اقتصاد"، عن بعض ما دار خلال الاجتماع، إذ طلب مسؤولون في الإدارة الذاتية وقف التعامل ضمن دوائر الإدارة، بأي عملة غير العملة السورية، وحتى الدولار أصبح ممنوعاً. وتم إبلاغ المعنيين بذلك شفهياً، وأنهم بصدد إيجاد صيغة لتطبيق ذلك.

وعن السبب وراء هذا التبليغ الشفهي أشار "أبو صالح" أنه "هنا بيت القصيد ومن المحتمل أن يكون هناك شيئ يدور في الخفاء وكأنهم يقولون لنا نحن ونظام الأسد واحد".

أمّا فيما يتعلق بردة فعل الأهالي في مناطق سيطرة "قسد" عقب نشر تلك الإشاعات، أوضح "أبو صالح" أن "هناك هاجس من الخوف بدأ يلقي بظلاله على المنطقة وبين السكان خاصة، ممن لديه عملة بالليرة السورية، إذ يتساءل أغلبهم ما هو مصير تلك العملة؟، وهل سيتم استبدالها؟، وما آلية ذلك؟.. وغيرها من الأسئلة".

أمّا عضو مكتب العلاقات في تيار المستقبل الكوردي في سوريا وعضو العلاقات في المجلس الوطني الكوردي في كوباني (عين العرب)، "علي تمي"، فاعتبر الأمر لا يتعدى "منشوراً فيسبوكياً"، إلا أنه رجح  في حديثه لـ "اقتصاد"، أن يكون من يروج لتلك الفكرة، "يحاول إيصال رسالة لنظام الأسد، ويمكن اعتباره نوع من الضغط للتجاوب مع الإدارة الذاتية والرضوخ لمطالبها حول الاعتراف بها ولو بشكل جزئي، خاصة أن هذا الموضوع يأتي في ظل الأزمة الاقتصادية  الخانقة التي يعاني منها نظام الأسد".

وتشهد مناطق سيطرة "قسد" غلاء كبيراً في الأسعار حسب ما ذكرت مصادر محلية، ورغم ذلك فهناك تفاوت بين من هو متأثر بالغلاء من عدمه، كون هناك الكثيرون ممن يتعاملون بالدولار، أما من هو موظف لدى دوائر الإدارة الذاتية فهو من يدفع ثمن الغلاء، حسب المصادر.

وأوضحت المصادر أن رواتب الموظفين لدى تلك الإدارة تتراوح بين 81 حتى 125 ألف ليرة سورية، بينما رواتب من يعمل عند المنظمات الدولية تتراوح بين 400 إلى 1800 دولار.

وبالعودة إلى مسألة الإشاعات حول طباعة عملة خاصة بمناطق سيطرة "قسد"، قال ممثل اتحاد الديمقراطيين السوريين في تركيا "عبد الباري عثمان"، إنه "بالتأكيد الأمر إشاعة لأن الإدارة الذاتية تعي تماماً ماذا يعني طبع عملة خاصة بها وتدرك تبعياتها،  لذلك أرى أن هكذا خطوة لن تخطوها الإدارة الذاتية".

وأضاف "عثمان" لـ "اقتصاد": "كما نعلم فإن إقليم كوردستان العراق شبه دولة ورغم انهيار الدينار العراقي بقيت العملة الرئيسية للإقليم رغم اعتماد الإقليم على الدولار الأمريكي".

ورأى "عثمان" أنه "نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة على السوريين هناك أصوات في شمال سوريا تنادي بالتعامل بالليرة التركية بدل الليرة السورية حرصاً على الوضع الاقتصادي للناس، وكذلك أعتقد أن هناك أصوات في شرقي الفرات تنادي بالتعامل بالدولار الأمريكي بدل الليرة السورية تجنباً للخسائر التي قد تلحق بالتجار وعامة الشعب هناك".

وختم "عثمان" بالقول، إنه "بالمختصر العملة هي وحدة سيادية للدولة ولا أعتقد أن (قسد) أو (مسد) أو الإدارة الذاتية، تتجه باتجاه إصدار عملة محلية، وجدلاً، إن حدث هكذا أمر، فهي ستكون خطوة أخرى لتهجير الناس خارج الوطن".

يشار إلى أن "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" عقدت، الإثنين، اجتماعاً اتخذت خلاله جملة من التدابير لما قالت إنه، لمواجهة الأزمة الإقتصادية والمالية التي تمر بها مناطق سيطرتها المتأثرة بالأزمة الاقتصادية في عموم سوريا.

وأكدت في بيان، أن "الإدارة الذاتية غير مسؤولة عن هذه الأزمة لأنها لا تتحكم بالسياسة المالية في سوريا عموماً ولكن لكون الإدارة جزءاً من سوريا فإن تأثرها بها حتمي".

ومن أبرز تلك الإجراءات التي اتخذتها وستعمل عليها حسب البيان: "استمرار الدعم للمواد التي كانت تدعمها الإدارة الذاتية سابقاً رغم الأزمة وهي مادتي الخبز والوقود، إضافة لدعم 7  مواد أخرى هي الرز والسكر والشاي والزيوت وحليب الأطفال والإسمنت والحديد، وفتح باب استيراد هذه المواد وخلق جو من المنافسة بين التجار مما يؤدي لتخفيض الأسعار، وتفعيل نظام الرقابة التموينية بشكل عملي، وتشكيل لجنة مصغرة من الاقتصاديين من إدارة شمال وشرق سوريا، لمراقبة الأزمة المالية ومتابعة دراسة أفضل الحلول لمواجهتها".

ترك تعليق

التعليق