العودة المنقوصة إلى قريتي الزارة والحصرجية


أجراس العودة إلى قريتي "الزارة والحصرجية"، تُدق، وانطلقت بداية مسيرة العودة المنقوصة المليئة بالصعوبات والعقبات، فمنذ ما يقارب 6 أشهر بدأت أعمال إزالة الردم من شوارع رئيسية في قريتي "الزارة والحصرجية" الواقعتين في ريف حمص الغربي، وبدأ إصلاح تمديدات الكهرباء والمياه فيهما. ولكن من سيعود؟، وكيف؟

700 عائلة سجلت بهدف العودة
 
مع إعطاء الضوء الأخضر من الأمن العسكري التابع للنظام للسماح بتسجيل الراغبين بالعودة إلى القريتين، بدأ تسجيل الأسماء لدى بلدية "الزارة" - التي ما تزال تعمل ضمن بلدية "تلكلخ" لعدم وجود مكان لها في القرية- وتمت الموافقة للمسموح لهم بالعودة على شكل دفعات (كان عدد الأسماء من الدفعة الأولى 75 شخصاً من قرية "الزارة" و25 شخصاً من قرية "الحصرجية")، ليصل مؤخراً لـ 700 عائلة يسمح لهم بالعودة، علماً أن هذا العدد يشكل جزء صغيراً جداً من العدد الكامل للسكان المهجرين.

ويُقدّر عدد السكان حسب إحصائية قبل اندلاع الثورة، لأهالي قرية "الزارة" ما يقارب 7 آلاف شخص، وما يقارب 2000 شخص لسكان قرية الحصرجية، وهم من "التركمان السنة"، بقي البعض منهم داخل سوريا، وهُجّر أغلبهم خارج سوريا.

كان قد تم تهجير شامل لأهالي قريتي "الزارة والحصرجية" في تاريخ 8 آذار2014، من قبل قوات "النظام وميلشياته الطائفية" إثر اجتياحهما للقريتين وارتكاب المجازر فيهما وتهجير كل سكانهما، ومن ثم تعرضهما "للتعفيش" والنهب، خلال 6 أعوام مضت.

هل يتم تقديم مساعدات أو إعانات للترميم وإعادة البناء للعائدين؟
 
في تاريخ 9 آذار الجاري، دخلت لجنة تابعة لمنظمة الصليب الأحمر الدولي بمشاركة لجنة تابعة للهلال الأحمر السوري إلى قرية الزارة، لإطلاع الأهالي على المشاريع التي ستقوم المنظمة بها في المستقبل في قريتي "الزارة والحصرجية" والتي تتضمن حسب ما أُعلن:

- إعادة تأهيل بئر الماء في القريتين.
 - صيانة شبكة تمديدات الماء في القريتين.
- ترميم 100 منزل في القريتين كمرحلة أولى (غرفتين ومطبخ وحمام) بشرط سلامة البناء الإنشائية (هذا يعني عدم تهدم السقف وأن تكون جدرانه سليمة وغير متضرر بشكل كبير).

كما أُعلن أنه سيتم إرسال لجنة لاستلام طلبات الترميم خلال أيام 10-11-12 آذار بين الساعتين العاشرة والثانية، بعد الظهر. وقد تم ذلك فعلاً، وإلى الآن ما يزال البعض من أهالي القريتين يعمل على تحضير أوراق لتقديم طلبات بانتظار عودة اللجنة مرة أخرى لتسليمها طلبات جديدة.

والأوراق هي (إخراج قيد عقاري- صورة عن دفتر العائلة – صورة الهوية الشخصية- ورقة من المختار أو البلدية تثبت أن الشخص من أبناء القريتين).

 وحتى ساعة إعداد هذا التقرير لم يتم تسليم موافقة على الطلبات، أو بدء العمل بما أعلنته اللجنة المذكورة من وعود.

وماتزال المساعدة الوحيدة التي تلقاها الأهالي هي من الهلال الأحمر السوري، وكانت عبارة عن "ألواح خشبية لتفصيل أبواب وشبابيك مؤقتة" للسكن السريع في بعض الغرف من البيوت المهدمة، لمن يرغب، بالإضافة لـ "إسفنجة لكل شخص، مع عُدّة مطبخ بسيطة كطنجرة وصحون وملاعق، وخزان ماء فقط، وشاحن للإنارة لا يعمل سوى مدة نصف ساعة"، تم تقديمها للدفعة الأولى من العائدين الذين سكنوا بالفعل في القريتين فقط.

وعود ودورات مهنية

وكان قد سبق ذلك وعود من جمعية تدعى "التنمية" لها فرع في بلدة قلعة الحصن المجاورة، لتقديم مساعدات في الترميم للعائدين إلى القريتين، ولم يتلق أحد شيئاً حتى الآن، إلا أن هذه الجمعية قدّمت دورات مهنية لمن يرغب بالعمل على افتتاح محل لإحدى المهن مثل "الحلاقة أو الحدادة.."، شريطة الخضوع لدورة لمدة 3 أشهر، ومن يثبت الكفاءة يعطى مبلغ ما بين (700-800) ألف ليرة سورية لتمويل مشروعه أو مهنته بشكل نقدي، أو تتكفل هذه الجمعية بإحضار المواد اللازمة، ويخضع المستفيد لمتابعة لمدة سنتين فإذا أثبت نشاطه، لا يُسترد المبلغ في نهاية العامين.

وتم عبر هذا البرنامج افتتاح محلين للسمانة ومحل ألبسة ومحل للحلاقة في قرية "الزارة"، ومحل سمانة في قرية "الحصرجية"، ولكن يبقى السؤال المهم، إذا كان عدد السكان لم يتجاوز 15 عائلة حتى الآن، كيف سيتحقق النجاح في عمل هذه المحلات والمهن؟

مبانٍ حكومية.. ولكن

تم ترميم بناء البلدية والوحدة الإرشادية، ولكن دون عودة العمل للعاملين فيها. وكذلك تم ترميم مدرسة ابتدائية واحدة فقط، من أصل خمسة مدارس (يوجد مدرستين ابتدائية ومدرسة إعدادية ومدرسة ثانوية في قرية الزارة، ومدرسة ابتدائية في قرية الحصرجية)، وتم بدء الدوام في المدرسة الابتدائية في قرية "الزارة" فقط، في الفصل الدراسي الثاني الحالي، حيث يتم نقل التلاميذ من أبناء القريتين من مدينة "تلكلخ" إلى المدرسة، ويتم حشر الأطفال في سيارتي تكسي مقابل أجرة 200 ليرة لكل تلميذ، ليتم تعليمهم من خلال توزيع الطلاب على ثلاثة صفوف فقط - تم جمع طلاب الصفين الخامس والسادس معاً، الثالث والرابع معاً، والأول والثاني، وبلغ مجموع عدد التلاميذ 23 تلميذاً وتلميذة فقط- ويتولى3 مدرسين فقط عملية التعليم من ضمنهم المدير.

هل يتم زراعة أراضي القريتين وحمايتهما من المعتدين؟

 رغم اتخاذ قرار رسمي بافتتاح مخفر للشرطة في قرية "الزارة"، لكن لا يوجد أي عنصر يداوم في غرفة المخفر التي تم تخصيصها في الفرقة الحزبية، وبالرغم وجود 3 حواجز للأمن العسكري والجيش في مدخل وأطراف قرية "الزارة" ومدخل قرية "الحصرجية"، لايزال المخربون وقاطعو الأشجار و"الرعيان" من القرى "الموالية" المحيطة، تعتدي وبحرية تامة على أراضي القريتين الممتدة على مساحات كبيرة.

وإلى اليوم لم يتمكن أصحاب أراضي القريتين المذكورتين، من إعادة زرع أراضيهم أو إعادة تشجيرها، لعدم امتلاك الأدوات ولوازم الزراعة كلها أو عدم امتلاك القدرة المالية من جهة، بالإضافة للسبب الأهم وهو استمرار التعدي من قاطعي الأشجار و"رعيان" الأبقار والأغنام من القرى المجاورة، على أراضي القريتين التي استباحوها منذ آذار عام 2014، فلم يبق فيها زرع أو شجر.

وأخيراً
 
بالرغم مما تعرضت له القريتان وسكانها من مجازر وتدمير ونهب وظلم وتهجير شامل، تبقى خطوة العودة، رغم صعوباتها ومعوقاتها، خطوة جيدة لمنع المزيد من التخريب والتدمير والاستباحة للقريتين المذكورتين، ولكن أغلب الأهالي المسجلين للعودة ليس بمقدورهم القيام بأعمال الترميم أو البناء من جديد، بسبب فقر الحال وفقدان المدخرات والتهجير والنهب الذي تعرضت له بيوتهم وأملاكهم خلال 6 سنوات مضت. لذا يقف أغلبهم بلا حول أو قوة، بانتظار الفرج ورحمة الله.



ترك تعليق

التعليق