"تحرير الشام" تنوي فتح "معبر تجاري" مع نظام الأسد..وخبراء يوضحون هدفها

حالة من الغضب والتوتر بين المدنيين أشعلها تنظيم "هيئة تحرير الشام"، بعد نيته فتح معبر تجاري مع مناطق سيطرة نظام الأسد شرقي إدلب في الشمال السوري، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول الهدف من تلك الخطوة وفي هذا التوقيت، ضاربا بعرض الحائط كل التحذيرات من خطورة فتح أي معبر مع نظام الأسد أو مع مناطق "قوات سوريا الديمقراطية" بسبب أزمة "كورونا". 

والإثنين، حاول متظاهرون مدنيون قطع طريق (معارة النعسان - ميزناز) في ريف إدلب الشمالي الشرقي، منعا لفتح معبر تجاري مع مناطق سيطرة النظام التي تتمركز في منطقة "ميزناز".

وأوضح أحد العاملين في مجال التجارة في منطقة إدلب ويدعى "أبو أحمد الإدلبي" لـ"اقتصاد" الأسباب التي تدفع نظام الأسد للتفاهم مع "هيئة تحرير الشام" وبالعكس قائلا، إنه "منذ سنوات والليرة السورية في تراجع مستمر أمام الدولار، والنظام السوري يحاول بكافة الوسائل الممكنة تأمين العملة الصعبة بطرق مختلفة، وإحدى هذه الطرق هو سحب الدولار من المناطق المحررة،  فهناك شخصيات تتنقل ما بين النظام والمحرر مهمتها الرئيسية سحب الدولار من المحرر عن طريق محلات الصرافة وبشكل مباشر وتحت أعين هيئة تحرير الشام".

وأضاف "الإدلبي" أن "هناك سلع متواجدة بالمحرر يقوم النظام عن طريق تجار وشركات نقل أبرزها (شركة وحيد الكرنازي) بشرائها بالليرة السورية من الشمال السوري، ويقوم بشحنها إلى لبنان ويقبض ثمنها بالدولار وغالبية الشاحنات التي تنقل البضائع من المناطق المحررة وجهتها لبنان وليس مناطق النظام كما يروج له".

وأضاف أنه "قبل سيطرة النظام على معرة النعمان على سبيل المثال كانت الشاحنات تنقل مواد بناء وأحجار الرخام والسيراميك من مناشر معرة النعمان وخان السبل إلى بيروت، وهناك شاحنات أخرى تنقل الحبوب وخصوصاً مادة العدس من بابيلا، وعلى الرغم من أن هذه التجارة ليست ضخمة، إلا أنها تساهم في إغراق المحرر بالليرة السورية وبتوفير العملة الصعبة للنظام من لبنان".

وتابع أنه "لهذا السبب نجد بأن النظام يستقتل اليوم لأجل فتح معابر مع المحرر وبالتفاهم مع هيئة تحرير الشام، التي هي أيضا أكبر المستفيدين من فتح هذا المعبر مع النظام، على الرغم أن المحرر ليس بحاجة لأي سلعة من مناطق النظام بإستثناء السكر والشاي، وأيضاً استيراد هاتين المادتين تحتكره الهيئة عن طريق أحد رجالها في "سلقين"، وغير مسموح لأحد غيره بالاستيراد والتوزيع".

أما عن كيفية استفادة الهيئة من المعبر فقال "الإدلبي" إن "الهيئة تفرض الضرائب على السلع المستوردة من تركيا وقسم من هذه السلع تريد تصديرة لمناطق النظام، وأيضا تريد فرض ضريبة أخرى عليه عند الخروج من المحرر، أي تريد الإستفادة من موقع إدلب كمحطة لتجارة الترانزيت، على الرغم من معرفتهم بأن هذه العملية ستساهم في مساعدة النظام السوري في أزمته الاقتصادية وسوف توفر له العملة الصعبة، فضلاً عن ذلك فالهيئة تستعد لتصدير الغاز لمناطق النظام بأسعار مضاعفة كونها تحتكر أيضاً تجارة الغاز عن طريق شركة وتد التابعة لها".

*إدانة لفتح المعبر
وأدان "فريق منسقو استجابة سوريا" العامل في الشمال السوري في بيان، الثلاثاء،  نية الهيئة فتح معبر مع نظام الأسد بحجة إنعاش الوضع الاقتصادي شمال غربي سوريا، معتبرا أن افتتاح المعبر سيعود بالمنفعة الاقتصادية للطرفين وأن المدنيين لن يستفيدوا من أي منفعة اقتصادية.

وتعليقا على نية الهيئة فتح معبر مع نظام الأسد قال الدكتور "مأمون السيد عيسى" المقيم في منطقة إدلب وأحد العاملين في المجال الإغاثي لـ"اقتصاد"، إنه "حصل تحولات لدى هيئة تحرير الشام منذ دخول جيش الفتح والتي كانت جزء منه الى مدينة إدلب، إذا تحولت من الأيديولوجيا الجهادية إلى الاستفادة من منجزات الجهاد لتكوين شركة اقتصادية لها استثمارات وموارد، ورسخت في المناطق المحررة ما يمكن تسميته اقتصاد الظل وسيطرة على مفاصل المحرر اقتصاديا وعسكريا وإداريا وهذا مشابه لتجربة حزب الله في لبنان". وتابع أن "الغاية من فتح الهيئة  للمعابر هي زيادة مواردها وتثبيت سيطرتها الاقتصادية والإدارية على المنطقة، حيث تحاول التذرع بفتح المعابر بأهمية تصدير منتجات  المناطق المحررة الزراعية والدواجن والحجر بشكل رئيسي لمصلحة الناس في المحر".

وقال أيضا إنه "يوجد أولويات أهمها منع تسرب وباء كورونا إلى المحرر إن كان عن طريق الأشخاص أو البضائع القادمة، أما حجة أنهم سيقومون بتعقيم الشاحنات البضائع  فهذا غير ممكن تقنيا لأن هناك وحدات صغيرة من البضائع القادمة مغلفة من المستحيل تعقيمها".

وأضاف أنه "لسنا بحاجة إلى أي منتجات من النظام حيث أسعار المنتجات لديه أصبحت أغلى من تركيا، وتركيا دولة لها اقتصاد قوي ومتعدد وبالإمكان استيراد أي منتج منها  زراعي أو صناعي، ففتح المعابر يحمل مخاطر وليس فوائد خاصة أن تصدير المواد لمناطق النظام سيؤدي إلى رفع أسعارها في المناطق المحررة، إضافة إلى أن فتح المعابر هو مساعدة للنظام على تجاوز أزمته الاقتصادية الخانقة وهذا ليس بصالح الثورة السورية".

*الهيئة تخدم النظام
وفي 18 آذار/مارس الماضي، أعلنت الحكومة السورية المؤقتة عن إغلاق المعابر الداخلية الثلاثة (الحمران وأبو الزندين وعون الدادات) ومنعت الدخول والخروج منها تحت طائلة المساءلة والمحاسبة، إضافة لشن الجيش الوطني السوري حملة ضد ضعاف النفوس والذين يحاولون تحقيق المكاسب على حساب سلامة الأهالي من خلال "نقاط التهريب".

الخبير الاقتصادي الدكتور "محمد حاج بكري" قال لـ"اقتصاد"، إنه "منذ البداية وهيئة تحرير الشام تسعى دائما لفرض سيطرتها على المعابر سواء من جهة النظام أو من جهة تركيا، وكان لها شراكات شبه معلنة وعلى سبيل المثال الشيخ (أحمد الدرويش)، وهو عضو سابق في مجلس الشعب، وكان معبر التواصل معه شرق إدلب بالإضافة إلى أن الهيئة خاضت حربا مع حركة الزنكي للحصول على معبر".
وأضاف أنه "لسنا بصدد تعداد المعابر التي تسيطر عليها الهيئة واستعدادها لخوض حروب من أجلها،  لكن الحقيقة أن الهيئه تقدم خدمات كثيرة لنظام الأسد عن طريق التبادل السلعي، وذلك من خلال مقارنة  بسيطة بين أسعار الخضار والفواكه ما بين المناطق المحررة والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بالإضافة إلى أن هذا التبادل يؤدي إلى ندرة المواد في المحرر وارتفاع أسعارها".

وتابع أن "علينا أن نراقب ارتفاع سعر زيت الزيتون في المناطق المحررة بسبب إرسال كميات كبيرة منه لمناطق النظام، ومن الطبيعي أن جبهة النصرة تفتح المجال أمام نظام الأسد لضخ عملة بلا رصيد وأحيانا مزورة واستبدالها بالسلع، لتتحول لاحقا وبطرق متعددة إلى عملات أجنبيه تصب في جيبه، وهذا التبادل كان مصدرا مهما لاقتصاد النظام ومنقذا في معظم الأحيان، فنظام الأسد منهار تماما والهيئة تمد له شريان الاستمرار".

ورأى "حاج بكري" أن "مناطق المحرر تتوفر فيها السلع بشكل مقبول تماما وبأسعار أدنى من مثيلتها  لدى النظام، وليس هناك حاجة لهذا التبادل ولفتح المعابر، خاصة في ظل وجود مرض كورونا والخوف من العدوى".

وختم قائلا، إن "للمعابر مكاسب سياسية إضافة للاقتصادية، فهي رمز للسيادة وهذا ماتسعى إليه الهيئة وخاصة الدور الأمني، ولذلك تعارض طريق (حلب اللاذقية) أو ما يعرف بطريق M4، وتعارض المشروع التركي وتقاتل من أجل أن تضع موطئا لها على طريق اللاذقية حلب".

والأحد، عرقلت "هيئة تحرير الشام" مرور دوريات عسكرية (تركية روسية) مشتركة على طريق M4، الأمر الذي رأت فيه مصادر ميدانية مطلعة أن الهيئة تضغط على تركيا وعلى المدنيين من أجل فتح المعبر التجاري مع النظام، وإلا فإنها ستعمل على عرقلة اتفاق إدلب بخصوص وقف إطلاق النار والذي من أحد بنوده تسيير الدوريات التركية الروسية المشتركة على هذا الطريق.

ترك تعليق

التعليق