هل بدأ خريف المستثمرين السوريين في مصر؟


حالة ممزوجة من القلق والصدمة تسود أوساط الجالية السورية في مصر سواء من أصحاب المحلات التجارية أو من العمال في هذه المحلات، وذلك بعد تسريب صورة عن كتاب دوري صادر عن وزير التنمية المحلية في مصر، اللواء/محمد شعراوي، موجه إلى كافة المحافظين في جمهورية مصر العربية، والذي تضمن وقف إصدار تراخيص جديدة لمحال تجارية يملكها أو يشارك فيها سوريون مع مصريين، إلا بعد الحصول على موافقة الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية.

وبحسب صورة القرار التي تم تداولها على مواقع الكترونية مصرية وعربية، فقد صدر القرار المذكور في 23 آب/أغسطس الماضي، وجاء مستنداً إلى كتاب رئاسة الجمهورية رقم (7871) الصادر بتاريخ 11 أيلول /أغسطس الماضي، والمتضمن مذكرة مرفوعة من مستشار الرئيس لشؤون مكافحة الفساد بشأن موقف المحال التجارية التي يملكها رعايا الجالية السورية من "اللاجئين" في البلاد.

كما تضمن الكتاب اتهامات شملت السوريين في مصر بالعموم، ويُستغرب ورودها في كتاب رسمي، وفيه مخالفة وتضارب مع تصريحات سابقة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، رحب فيها بالسوريين في مصر وبالمستثمرين منهم خصوصاً، على مدار سنوات سابقة.

وقد تضمن الكتاب بأنه تم "ملاحظة افتتاح سلاسل من المحال التي يملكها السوريون خلال فترة قصيرة من بدء النشاط، على الرغم مما كانوا يعانونه من ضعف بمواردهم المالية في بداية إقامتهم في مصر، وإلى ظهور آثار الثراء المفاجئ على عدد كبير منهم، واتجاههم لشراء المحال التجارية ذات المواقع المهمة من مالكيها بمبالغ كبيرة"، ويضيف الكتاب بأن "هذه الأموال غير معلومة المصدر".

(الصورة الرئيسية في المادة أرشيفية - تجمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برجل الأعمال السوري محمد صباغ شرباتي، خلال زيارة قام بها السيسي إلى مصنع نسيج ضخم لـ شرباتي، في مصر)

اتهامات للمستثمرين السوريين بالتمويل من قطر

حجم الاستثمار السوري في مصر يُقدّر بمئات ملايين الدولارات، وينشط في مجالات مختلفة من القطاعات الصناعية والتجارية وهو استثمار ليس بجديد ولا بطارئ وإن كان قد زاد بعد الثورة السورية عام 2011 مع هجرة رؤوس الأموال السورية إلى مصر، وما رافقها من تسهيلات حكومية مصرية لهذه الاستثمارات وتشجيع لها وصل بعض الأحيان إلى أن يكون هذا التشجيع نقطة خلاف بين النظامين السوري والمصري وصل حد التراشق الإعلامي العلني أحياناً.

 وعلى الرغم من أن حق السيادة يمنح لأي دولة حق أن تنظم عمل الأجانب على أراضيها إلا أن الكتاب الصادر عن وزارة التنمية المحلية لم يكتفِ بتنظيم أو تقنين النشاط الاقتصادي للسوريين في قطاع الأعمال والمحلات التجارية المختلفة وإنما وجه اتهامات لهؤلاء اللاجئين الذين كان يحتفي الاعلام المصري المرئي والمقروء قبل أشهر بنجاحهم التجاري وإظهارهم بصورة مشرقة في أشهر برامج "التوك شو" وغيرها.. وأبرز هذه الاتهامات الواردة في الكتاب هي نتيجة الاشتباه في "تمويلات إخوانية وقطرية للسوريين داخل مصر، لشراء المحلات ذات المواقع الهامة بمختلف أنحاء الجمهورية، وأن هناك بعض التقارير التي تشير إلى تمويل دولة قطر للسوريين المقيمين في مصر من أصحاب المحال التجارية، من خلال أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بهدف تكوين كيان اقتصادي جديد للجماعة، يمكنها من المشاركة في تمويل أنشطتها المحظورة داخل وخارج حدود الدولة المصرية"، وفق نص الكتاب المُسرّب.

واختتم الكتاب بالقول: "يرجى التكرم بالإحاطة والتنبيه بتنفيذ توجيهات رئاسة الجمهورية، بعدم إصدار تراخيص جديدة لمحال تجارية يملكها سوريون، أو يشاركون في شركات تملكها، إلا بعد الحصول على موافقة الأجهزة الأمنية".

 كذلك طلب الكتاب من المحافظين المصريين موافاة الوزارة ببيان أسماء السوريين الحاصلين على تراخيص حالية، متضمناً: "الاسم، ورقم جواز السفر، ورقم الترخيص، ونوع النشاط، والموقع الجغرافي".
 
وحدد الكتاب مدة أسبوع لموافاة الوزارة بالبيانات المطلوبة.

ما هي تبعات هذا القرار الحكومي على السوريين؟

أكدت مصادر مطلعة لموقع "اقتصاد" صحة هذا الكتاب، لكن بعضها رأى أن القرار لن يؤثر على أعمال السوريين في مصر وبخاصة أن التراخيص من هيئة الاستثمار المصرية للشركات السورية والأجنبية، ومثلها تراخيص المشاريع التجارية الصغيرة والمتوسطة من وزارة القوى العاملة جميعها قبل القرار كانت تحتاج إلى موافقة أمنية وإلى موافقة من وزارة الداخلية لمنحها.

ووفق بعض تلك المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، فإن القرار على الرغم مما تضمنه من اتهامات غير حقيقية وربما تكون لإرضاء رجال الأعمال والمستثمرين المصريين المتضررين اقتصادياً ومالياً من ازدهار ونجاح المحلات التجارية السورية وبخاصة في قطاعات المطاعم والألبسة والمفروشات والعطور، إلا أن القرار يهدف لتنظيم أعمال السوريين في مصر وحصرها وإلزام غير الحاصلين على ترخيص، بالحصول عليه وتسوية أوضاعهم.

إلا أن مصادر أخرى، تحدث إليها "اقتصاد"، كان لها وجهة نظر أخرى، مفادها أن هذا القرار سيكون مقدمة لقرارات أخرى قد تشمل إغلاق محلات تجارية لسوريين في محافظات مصرية عديدة إرضاءً للمستثمرين والتجار المصريين المتضررين، وقد يكون هذا القرار تمهيداً لمصادرة أملاك بعض المستثمرين السوريين المقيمين في مصر من معارضي نظام الأسد بحجة تمويل "الإرهاب".
 
وقد التقى موقع "اقتصاد" بأحد رجال الأعمال السوريين المقيمين في مصر، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، وقد حدثنا بالقول: "لم يفاجئنا القرار بقدر تفاجئنا بما ورد فيه من اتهامات وعبارات لم نعتد يوماً صدورها عن الحكومة المصرية وأشقاءنا المصريين، وللآن لم يصدر أي تأكيد أو نفي رسمي لمضمونه وبخاصة أن اللغة التي تضمنها الكتاب المذكور تشبه منشورات تم تداولها مؤخراً على وسائل التواصل الاجتماعي ضمن حملة الكترونية استهدفت التجار والمستثمرين السوريين في مصر بهدف تشويه صورتهم".

ويكمل محدثنا: "رجال الأعمال والمستثمرين السوريين في مصر لديهم عدة تجمعات مرخصة، ولها تواصل دائم مع الحكومة المصرية، مثل (تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر)، و(جمعية المستثمرين السوريين في مصر)، وبالتالي لا أعتقد بأن هذا القرار سيؤثر على أعمال السوريين أو محلاتهم، فلا يوجد حكومة في العالم تطرد استثمارات ومستثمرين من أراضيها ليذهبوا وأموالهم إلى بلاد أخرى".

وبخصوص ما ورد في كتاب الوزارة من اتهامات يقول رجل الأعمال السوري: "معظم السوريين المقيمين في مصر موجودون منذ عدة سنوات ولديهم إقامات قانونية، ومن يعمل منهم أو لديه عمل تجاري كبير أو متوسط عمله مرخص قانونياً ويحمل الموافقات المطلوبة لعمله ومنها الموافقات الأمنية، وبالتالي لو كان لدى هؤلاء أية ارتباطات قد تعتبرها الحكومة المصرية معادية لها لما حصلوا على هذه الموافقات الأمنية، وحتى  بطاقة الإقامة للأجانب في مصر منذ سنوات ترتبط بالموافقة الأمنية".

 ويبقى السؤال الآن كيف سيتم التعامل أو تقنين أوضاع أصحاب الأعمال التجارية والمحلات التجارية الصغيرة غير الحاصلة على ترخيص قبل صدور هذا الكتاب؟، هل سيتم إغلاقها أم سيمنح أصحابها مهلة للحصول على التراخيص اللازمة لعملهم؟.. هذا ما سيتضح خلال الفترة القادمة.

وختاماً، ما زال المستثمرون السوريون في مصر بانتظار تأكيد أو نفي رسمي لهذا الكتاب يوضح ما ورد فيه وما يتوجب عليهم فعله، والذي إن صح مضمونه، فإنه قد يشكل علامة فارقة في تعامل مصر مع الملف السوري والسوريين عموماً، باعتبار كل مستثمر أو رجل أعمال سوري في مصر غير مؤيد لنظام بشار الأسد، إخوانياً أو مُمولاً من الخارج، في تطور يضع المعارضة السورية المحسوبة على مصر وبخاصة منصة القاهرة وتيار الغد السوري المعارض، في موقف يصعب تبريره.


ترك تعليق

التعليق