دشتي.. الهارب من السجن في الكويت، يؤسس أكبر شركة عقارية مساهمة في سوريا


في الوقت الذي تلاحق فيه دولة الكويت، مواطنها عبد الحميد دشتي، النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي، بأحكام سجن تصل إلى عشرات السنوات، فإن هذا الأخير يقبع في سوريا ويقوم بتأسيس الشركات والمشاريع الاستثمارية، مستفيداً من الحماية التي يوفرها له النظام السوري، والتي وصلت إلى حد منحه الجنسية السورية وإعطائه قيوداً مدنية على أنه ولد في سوريا في منطقة الكسوة بالقرب من دمشق ويحمل  الرقم الوطني 01010287385 وتاريخ الميلاد 1561954 اسم الأم "آية دشتي"، وذلك وفقاً لوثائق قام دشتي بنشرها بنفسه في عام 2015.

وقبل أيام أعلنت شركة العقيلة للتأمين التكافلي، التي يملكها دشتي وزوجته وأبنائه، عن تأسيس أكبر شركة عقارية مساهمة عامة في سوريا، برأسمال 250 مليار ليرة، ما يعادل 100 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي، حيث أشارت الشركة في بيان مقتضب إلى أن "مجلس إدارة الشركة وافق على هذه المساهمة والشراكة الاستراتيجية، وسيكون مقر الشركة المزمع انشاؤها، بجوار العقيلة للتأمين التكافلي في البوابة الثامنة، حيث تمت مخاطبة هيئة الإشراف وسوق الأوراق المالية بشأنه".

اللافت في إعلان شركة العقيلة للتأمين التكافلي عن تأسيس أكبر شركة عقارية مساهمة في سوريا، أنه تم تداوله على نطاق ضيق، أو بالأحرى لم ينشره سوى موقع "الاقتصاد اليوم" الموالي للنظام، والذي ذكر بأنه حصل على بيان التأسيس بشكل حصري، دون أن يقدم الكثير من التفاصيل، سوى أن الشركة سوف يكون لها دور كبير في مجال إعادة الإعمار في سوريا.
 
وهذا التكتم على نشر خبر تأسيس أكبر شركة مساهمة في مجال العقارات في سوريا، يعود بحسب الخبير الاقتصادي في مجال الاستثمار العقاري "أحمد عمران"، إلى موقع عبد الحميد دشتي لدى النظام السوري، والذي حصل على امتيازات خلال السنوات العشرين الماضية، لم يحصل عليها أي مستثمر سوري من قبل، مرجعاً السبب، في تصريح لـ "اقتصاد"، إلى قرب دشتي الشديد من إيران وحزب الله، على اعتبار أنه كويتي شيعي، بالإضافة إلى أن النظام السوري لا يرغب، حسب قوله، بإثارة حساسية الجانب الكويتي، الذي يلاحق دشتي بجرائم كثيرة، ويطالب بتسليمه عبر الانتربول الدولي، ليقضي أحكاماً بالسجن تصل إلى نحو 55 عاماً.

وكان مجلس الأمة الكويتي، رفع الحصانة عن عبد الحميد دشتي في عام 2016، وحكم عليه غيابياً بالسجن لمدة 14 عاماً وستة أشهر، بتهمة الإساءة للسعودية والبحرين، ثم في عام 2017 صدر حكم جديد عليه بالسجن لمدة خمس سنوات إضافية، وذلك على خلفية ظهوره في مقاطع مصورة، يمجد فيها النظام السوري وحزب الله اللبناني وخامنئي، إلى جانب إساءته للسعودية والمؤسسات الكويتية.

وتبدو قصة عبد الحميد دشتي، وهذا الاحتواء الرسمي السوري له، مثيرة للاستغراب بالنسبة للعديد من المراقبين، فهو من وجهة نظرهم لم يقم بأي استثمار هام في سوريا، كما أنه انسحب من أغلب الشراكات التي عقدها مع مستثمرين سوريين بارزين، على رأسهم رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بالإضافة إلى أن هناك الكثير من الأقاويل حول قيامه بأكل حقوق المساهمين في الشركات الكثيرة التي كان يؤسسها في سوريا، بينما كان على الدوام خارج المحاسبة والمساءلة من قبل أجهزة النظام الرقابية والقضائية.
 
وبهذا الخصوص، يشير رجل الأعمال السوري المقيم بين الكويت وأوكرانيا، المهندس محمد سعيد السعد، إلى أن تمدد عبد الحميد دشتي، في سوريا، يعود إلى بدايات تولي بشار الأسد لزمام الأمور فعلياً في البلد في العام 1999، وعندما كان الرئيس السابق حافظ الأسد لايزال على قيد الحياة، مضيفاً أنه في ذلك العام قام بتأسيس  شركة "مجموعة أولاد دشتي الدولية- طلال عبد الحميد دشتي وشركاه"، قبل أن يعدل الاسم في 2005 الى شركة "مراكز التجارة العقارية" حيث وصل حجم استثماراتها إلى نحو 60 مليون دولار، بحسب ما أعلن دشتي بنفسه هذا الأمر في عام 2015، ولكن دون أن يقدم أية تفاصيل عن هذه الاستثمارات ومجالاتها ومواقعها.

ويعبّر السعد عن اعتقاده، في تصريح لـ "اقتصاد"، بأن أغلب هذه الاستثمارات كانت في منطقة السيدة زينب بالقرب من دمشق، وهي، بحسب رأيه، كانت بتوجيه من إيران، وتهدف لتطوير المنطقة العقارية والسياحية المحيطة بمقام السيدة زينب الشهير بدمشق.

ويتابع أن عبد الحميد دشتي لم يكن معروفاً على نطاق واسع في مجتمع الأعمال السوري، في ذلك الوقت، وأول ظهور علني لاسمه كان في العام 2007، عندما أسس شركة العقيلة للتأمين التكافلي الإسلامي، برأسمال 40 مليون دولار، التي ظن كثيرون أن صاحبها سني وليس شيعي، نظراً لأن هذا النوع من الشركات الإسلامية، كانت تختص به المؤسسات المالية التي تتبع المذهب السني، والتي بدأت بوضع دعائم جديدة لما يسمى بالاقتصاد الإسلامي.
 
ويلفت السعد، إلى أن المجتمع السوري، لم يكن في ذلك الوقت مهتماً بانتماءات المستثمرين الطائفية أو العرقية، أو الأهداف التي يسعون إليها، لذلك فإن شركة العقيلة لاقت رواجاً كبيراً في السوق السورية، إلى جانب الشركة الأخرى التي تم افتتاحها في العام 2008، والتي كانت تتبع لبنك سوريا الدولي الإسلامي، الممول في أغلبه من رجال أعمال قطريين.
 
أما بخصوص ما يشاع عن أكل حقوق المساهمين من قبل عبد الحميد دشتي، داخل مجتمع الأعمال السوري، يوضح السعد، أن "هذه القضية تم إثارتها في العام 2009، عندما قام دشتي بالإعلان عن إقامة مشاريع عقارية، سكنية وتجارية، بالقرب من منطقة السيدة زينب في دمشق، غير أن هذه المشاريع لم تر النور حتى اليوم بحسب ما أعلم"، مضيفاً أن ذلك "أدى إلى ضياع حقوق الكثير من المكتتبين على الشقق، والتي قيل يومها أنها كانت بعشرات ملايين الليرات". 

ولفت إلى أن أحداً لم يعرف حتى الآن ما آلت إليه تلك القضية، التي تسربت بعض أخبارها إلى الصحافة شبه الرسمية، ثم جرى بعدها "لفلفة" الموضوع بتوجيه من السلطات الرسمية.

ورأى السعد في ختام تصريحاته لـ "اقتصاد" أن إعلان عبد الحميد دشتي عن تأسيس أكبر شركة عقارية مساهمة في سوريا، برأسمال ضخم، ما هو إلا امتداد لمشاريعه الاستثمارية الكثيرة غير المكتملة، والتي لم ينفذ منها حتى الآن سوى مشروع العقيلة للتأمين التكافلي في العام 2007، وبعض الشركات التجارية التي قامت زوجته السورية "هالا قوطرش" وأبنائه وبناته بتأسيسها، والتي لم يظهر لها أية أعمال على أرض الواقع إلى الآن، معبراً عن اعتقاده بأن الإعلان عن تأسيس هذه الشركة العقارية الكبيرة، يدخل في حرب النكايات، مع بلده الكويت، وبعض دول الخليج العربي، التي قامت بمحاكمته كذلك، مثل البحرين التي حكمته بالسجن لمدة عامين.
  
تجدر الإشارة إلى أن عبد الحميد دشتي قال في العام 2019، لموقع "أخبار سوريا والعالم": "لا تسامحوني إذا لم استثمر ملياري دولار في سوريا".

ترك تعليق

التعليق