هل تم تحرير سعر صرف الليرة في سوريا..؟
- بواسطة فؤاد عبد العزيز – خاص – اقتصاد --
- 05 شباط 2023 --
- 0 تعليقات
الكثيرون قرأوا قرار المصرف المركزي التابع للنظام السوري، بإصدار نشرة يومية بسعر صرف دولار الحوالات، قريب من سعر السوق السوداء، على أنه تحرير لسعر صرف الليرة أو بداية لتحرير سعر صرفها.. فإلى أي حد هذا الكلام صحيح..؟
بداية، لا بد أن نشير إلى أن أغلب شركات تحويل الأموال في سوريا، وقبل إصدار هذا القرار بعدة أشهر، كانت تسلم الحوالات بسعر قريب من السوق الموازي، وتقريباً بنفس الفارق الذي ظهر في النشرة الأخيرة التي أصدرها المصرف المركزي، عندما حدد سعر تسليم دولار الحوالات بـ 6650 ليرة، بينما يبلغ سعره في السوق السوداء نحو 6950 ليرة.
لذلك يمكن القول وباختصار، إن قرار المصرف المركزي الأخير، جاء ليشرعن ما كانت تقوم به شركات الصرافة بشكل مخالف للقانون، وبالتالي هذا هو الجديد الوحيد في الموضوع.. ومع ذلك، هناك من يرى أن النشرة الجديدة للمركزي، بأسعار صرف العملات الخاصة بالحوالات، إنما هو اعتراف رسمي بسعر السوق السوداء لليرة السورية، وهذا سوف يؤدي في المرحلة القادمة، إلى رفع السعر الرسمي لجميع العملات الصعبة، وبما يتناسب مع الواقع الحقيقي لها، ما يعني بصورة أو بأخرى، تحرير لسعر الصرف، وإن بشكل جزئي.
بكل الأحوال، هناك في الواقع السوري مسألة غير مفهومة، وهي أن شركات تحويل الأموال سوف تدفع للحوالات القادمة بالدولار، سعر 6650 ليرة، فيما سعر صرف الدولار الرسمي في المصرف المركزي يبلغ 4522 ليرة.. فهل من المعقول أن تبيع هذه الشركات، التي تتبع للقطاع الخاص، الدولار للمصرف المركزي بهذا السعر..؟ أي بخسارة أكثر من 2000 ليرة في كل دولار.. ؟! وخصوصاً أن شراء الدولار وتداوله في السوق السورية، يعتبر جريمة كبرى يعاقب عليها القانون، بالإضافة إلى أن قرار المصرف المركزي نفسه، أكد على أن نشرة الحوالات والصرافة التي ستصدر يومياً، تتضمن سعر الشراء فقط، ولا يوجد سعر للبيع.
هذا يطرح عدة أسئلة: أين ستذهب شركات الصرافة بالدولار وبباقي العملات الصعبة التي سوف تتجمع لديها من الحوالات، والتي يتوقع محللون اقتصاديون أن تصل إلى نحو 5 مليون دولار يومياً..؟
هل سيقوم المصرف المركزي بشراء هذه العملات، ودفع الفارق لشركات الصرافة مع هامش ربح بسيط..؟ كأن يشتري الدولار مثلاً بـ 6700 ليرة، وبالتالي يتحمل بالفعل خسارة أكثر من 2000 ليرة في كل دولار مقارنة بالسعر الرسمي.
الواقع يقول إن المصرف المركزي لن يخسر في حال اشترى الدولار من شركات الصرافة بالسعر السابق، بل على العكس سوف يظل رابحاً، لأن السعر في السوق السوداء سوف يظل أعلى، وهذا سوف يساعده على تكوين رصيد من العملة الصعبة، قد يستخدمه في تمويل مستورداته من القمح والنفط على سبيل المثال، أو أن يضخه لاحقاً في الأسواق للسيطرة على سعر الصرف في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
إذاً، الشيء المؤكد أن النظام السوري لم يحرر سعر صرف الليرة أو يعومها، لأن التحرير يعني إمكانية شراء وبيع العملات الصعبة في السوق المحلية، بحرية كاملة.. وهذا ما لم يتضمنه قرار المركزي، فهو أجاز عملية الشراء فقط لمن يحملون العملات الصعبة، بينما لم يسمح ببيعها للمواطنين، ولا يزال يعتبر التعامل بغير الليرة السورية جريمة يعاقب عليها القانون.
السؤال الآخر الذي يتبادر للذهن: هل سيعمد النظام إلى تحرير سعر صرف الليرة في المرحلة القادمة..؟
للإجابة على هذا السؤال استعنا بالخبير الاقتصادي، الدكتور اسماعيل عمار، المختص بالنقد، والذي أشار إلى أن القاعدة الاقتصادية تقول: إنه عندما يفلس أي مصرف مركزي من العملات الصعبة، فإن الوصفة الجاهزة دائماً هي ضرورة تحرير سعر صرف العملة المحلية، لأن المصرف المركزي لا يوجد لديه ما يخسره، وهو بالأساس غير قادر على السيطرة على سوق النقد.. إلا أنه في الحالة السورية، يبين الدكتور عمار، أنه بالإضافة إلى أن المصرف المركزي مفلس، فإن البلد معزول ومعاقب دولياً ومحاصر اقتصادياً، وشعبه يعاني من التضخم وسوء مستوى الدخل، وهذا بالتالي يشير إلى أن قرار تعويم الليرة السورية، لن يزيد المشكلة إلا سوءاً، وسوف يسمح لقلة ثرية أن تتحكم بسعر الصرف وفق مصالحها، وعلى حساب مأساة الناس.
لذلك يرى الخبير الاقتصادي، بأن قرار تعويم العملة، بحاجة إلى استقرار سياسي أولاً، واستقرار اقتصادي ثانياً، بمعنى أن يكون لدى الحكومة رؤية وخطط اقتصادية معلنة وواضحة وشفافة، تعمل عليها خلال فترة زمنية معينة، وليس دولة، يسعى شعبها وتجارها للفرار منها بأي ثمن، كما هو الوضع في سوريا.
وبقي هناك ملاحظة أخيرة لا بد من ذكرها، وهي ما أوضحه وزير الاقتصاد التابع للنظام في معرض توضيحه لقرار المركزي، حيث أكد إمكانية أي مواطن بيع الدولار للمصارف دون أن يتعرض لأي مسائلة، خلافاً للقانون الذي يمنع التدوال بغير الليرة السورية.. وهو ما دفع الكثيرين لسؤال الوزير: ما هي الضمانة ألا يتم اعتقاله، ما دام لم يصدر قانون يطوي القانون السابق..؟
ونحن نؤكد هنا أنه لن يتم اعتقاله، لأن النظام بات يريد الدولار ولو من تحت الأرض.. لكن إياك كمواطن أن تطلب أو تبحث عن الدولار.
التعليق