النظام يضحي بالاقتصاد لخدمة الحل العسكري

 تعددت أرقام الخبراء حول تقديراتهم لخسائر الاقتصاد السوري خلال العامين الماضيين، ولعل أكثرها تشاؤماً ما أتى على لسان الخبير الاقتصادي الدكتور عارف دليلة الذي أشار إلى أنها وصلت لحدود 200 مليار دولار، بينما كانت الأرقام الرسمية تتحدث بتفاؤلٍ عندما قال النائب الاقتصادي في حكومة النظام قدري جميل أن خسائر الاقتصاد السوري تقدر بـ 40 مليار دولار.

ودون أن يغوص في تحديد الرقم وتحليله والذي يقارب أربع أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، اعتبر دليلة أن عمليات إعادة الإعمار تحتاج إلى 25 عاماً، وكان أحد التقارير الدولية رأى أن خسائر الاقتصاد السوري تقارب الـ 100 مليار دولار، في حين خرجت دراسة عن مجموعة من الباحثين السوريين في الداخل تشير إلى أن خسائر الاقتصاد السوري حتى نهاية عام 2012 بلغت نحو 48.4 مليار دولار أمريكي بالأسعار الجارية، مقتربين من تقديرات النائب الاقتصادي، وهذا الرقم يساوي 81.7 % من الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2010 بالأسعار الثابتة لعام 2000.

 إنفاق كبير فارق كبير

الدراسة التي قدمها المركز السوري لبحوث السياسات وزعت الخسائر على أنها 50% خسارة في الناتج المحلي الإجمالي، و 43 % أضرار في مخزون رأس المال، إضافةً إلى 7% والتي تمثل الزيادة في الإنفاق العسكري، واعتبرت الدراسة أن ما تبقى من احتياطي القطع الأجنبي لا يتجاوز ملياري دولار وي

أتي ذلك كنتيجة طبيعية للأثر السلبي الذي لحق بميزان المدفوعات حيث وصل العجز التراكمي إلى 16 مليار دولار، وبمقارنة ذلك مع ما قدمه النائب الاقتصادي الأسبق عبد الله الدردري يظهر الفارق كبيراً، حيث بدا الدردري في مؤشراته أكثر تفاؤلاً، معتبراً أن سوريا خسرت في العامين الماضيين 35 % من إجمالي الناتج المحلي، أي ما يعادل 18 %سنوياً.

شلل تام

لكن الخبراء يقتربون في تقديراتهم من الرقم الأكثر تشاؤماً، فالآلة العسكرية تعمل كبديلٍ عن الإنتاج، وبالتالي هناك شلل حقيقي في معظم القطاعات الاقتصادية سواء الإنتاجية أو الريعية، ويثبت خبير اقتصادي –طلب عدم ذكر اسمه-صحة ذلك عبر الأرقام، فالسياحة في سوريا والتي تشكل 12 % من إجمالي الناتج المحلي خرجت تماماً من الدورة الاقتصادية والمقدرة بـ 8 مليار ات دولار، كما خسر الناتج المحلي الإجمالي إيرادات النفط التي تقدر بـ 4 مليارات دولار، إلى جانب خروج القطاعات الإنتاجية عن الدورة الاقتصادية وخرجت رؤوس الأموال لا سيما العاملة في الصناعة والتي كانت تساهم بحدود 34 % من الناتج المحلي الإجمالي، علاوةً عن انخفاض الإنتاج الزراعي لأقل من النصف والذي كان يساهم بحدود 17 % من الناتج المحلي الإجمالي. كما تراجع أداء القطاع الخدمي في البلاد والذي شكل في السنوات الماضية نمواً كبيراً خشي منه بعض الخبراء أن يصل لحدود الوزمة التضخمية، لا سيما قطاع التأمين والمصارف والعقارات.

وفي المقابل يرى الخبير الاقتصادي في حديثه ل"اقتصاد"أن الخزينة تعاني من إنفاق كبير لا سيما في الشأن العسكري، لا يقابله موارد تغطيه فشلل الإنتاج، و انخفاض موارد الضرائب، وازدياد التهرب الضريبي الذي وصل في سنوات الاستقرار إلى 200 مليار ليرة بحدود 12 % من الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب فساد تتسع دائرته نتيجة حالة الفوضى والذي كان يلتهم ما يقارب 30 % من الناتج المحلي الإجمالي، كل ذلك يوحي بأرقام خسائر عالية جداً، وتتطلب إعادة الإعمار فيها سنوات.

 خطر الفقر

والأخطر الذي يدق ناقوس الخطر في المرحلة القادمة هو الخطر الذي لحق في التنمية البشرية، واتساع دائرة الفقر والعوز "الذي قدر باحثون أعداده  بأنها تجاوزت 4 ملايين نسمة"، في ظل مؤشرات عالية للتضخم والبطالة، والتي قدرها الدردري بنسبة 37 %، في حين اعتبرها تقرير مركز بحوث الدراسات أنها بحدود 34 %، بعد أن كانت 10 % قبل عامين.

ويرى الخبير الاقتصادي أن النظام السوري اختار التضحية بالاقتصاد السوري بكل مكوناته الذي يعاني من الهشاشة في سنوات الاستقرار مقابل الحل العسكري والأمني، وأتى تعبير الباحث عارف دليلة عن هذه الحالة صائب تماماً حين قال: "المدهش أن الإحساس بهذه الخسائر المرعبة والهائلة مفقود بصورة كلية سواء من جانب السلطة أو من جانب كثير من أطراف المعارضة السياسية والمسلحة، وهذا الفقدان من الإحساس ربما يكون الخسارة الأكبر كونه ينطلق من شعور وطني وأخلاقي وإنساني ومن التكوين الحضاري للشخصية السورية تعرض للإهدار خلال العقود الماضية وكان أكبر ضحايا عملية الاستبداد والفساد والقمع، وهذا ما ندفع ثمنه الآن”.

 

ترك تعليق

التعليق